المفرج عنهم في مصر لا يملكون حصانة تمنع من إعادة اعتقالهم

القاهرة - أكد إلقاء القبض على الناشط السياسي شريف الروبي بعد نحو أربعة أشهر من الإفراج عنه أنه لا حصانة للمفرج عنهم من قبل النيابة العامة أو بقرارات عفو رئاسية، وهو ما أثار غضبا وسط بعض القوى السياسية التي رأت أن هذا التوجه يضر بعمل لجنة العفو، ويرخي بظلال قاتمة على مناقشات الحوار الوطني.
وأعيد تشكيل لجنة العفو في أبريل الماضي بناء على توجيهات من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لدراسة ملف المحبوسين، وتحديد الحالات التي تستحق العفو، ثم انطلق الحوار الوطني بين الحكومة والمعارضة مؤخرا في ظروف خيمت عليها رغبة كبيرة في القيام بإصلاحات شاملة تتضمن غلق ملف المعتقلين.
ويعد اعتقال الناشط وعضو حركة 6 أبريل السابق شريف الروبي أول حالة من نوعها يتم الإفراج عنها ثم يعاد اعتقالها مؤخرا بعد ظهوره على قناة الجزيرة مباشر، متحدثا عن معاناته بعد الخروج من السجن، وأنه لا يستطيع العمل والسفر والحركة بحرية.
وأثارت المداخلة مع قناة الجزيرة وتغريداته المعارضة على تويتر حفيظة أجهزة الأمن، حيث عبّر ما قاله الروبي عن عكس ما يتم الترويح له في الخطاب الرسمي بشأن الحرية الكاملة للمفرج عنهم وعدم فرض قيود عليهم من أي نوع، ما دفع إلى إعادة اعتقاله، كرسالة مفادها عدم وجود حصانة سياسية لأي شخص.
إعادة اعتقال ناشطين سياسيين بعد الإفراج عنهم تضر بعمل لجنة العفو، وترخي بظلال قاتمة على الحوار الوطني
وأحرجت عملية إعادة اعتقاله في الحادي عشر من سبتمبر الجاري بعد الإفراج عنه في نهاية مايو الماضي الحكومة وجهات معنية بالحوار الوطني ولجنة العفو الرئاسية، لأن الخطوة بدت تسير في اتجاه مغاير، وأن إجراءات تعزيز الثقة مع المعارضة يمكن أن تنهار على بوصلة السلوك الذي يتبناه من يتم الإفراج عنهم لاحقا.
وتفاعلت الأيام الماضية منظمات حقوقية ومواقع إلكترونية ومنصات تواصل اجتماعي مع الحالة الإنسانية التي عاشها شريف الروبي بعد خروجه، واعتبرها متابعون مؤشرا على التشكيك في نوايا الحكومة، ما يؤثر على التفاعل مع ما تتخذه من خطوات، أبرزها العمل على نجاح الحوار وأن تؤدي لجنة العفو مهامها كاملة.
وطرحت حالة الروبي عملية إعادة دمج المفرج عنهم في الحياة، والتي أكد الرئيس السيسي عليها لتتواءم مع وجود مرحلة تستوجب التعامل معها بسياسات جديدة.
وقال بيان أصدرته لجنة العفو الرئاسي تلقت “العرب” نسخة منه الاثنين، إنها باشرت عملها على ملف دمج المُفرج عنهم، وتلقت عددا من الطلبات لمواقف للمُفرج عنهم، سواء بقرار من النيابة العامة أو بقرارات العفو من رئيس الجمهورية.
وقالت إنه تم تنفيذ عدد من الإجراءات بعودة البعض إلى أعماله أو توفير فرص عمل، كما يتم التنسيق مع الجهات المعنية لحل بعض الأمور الإجرائية المتعلقة بمنع السفر أو التحفظ على الأموال.
وسعى البيان إلى الرد بصورة غير مباشرة على ما حدث مع شريف الروبي ولم تصدر الأجهزة الأمنية ما يفيد بأنه ارتكب خروقات معينة، لكن مداخلته على قناة الجزيرة وتغريداته أشارتا إلى خرقه صمتا كبيرا خيم على غالبية من أفرج عنهم مؤخرا.

ويقول مراقبون إن هناك اتفاقا ضمنيا بين المفرج عنهم من النشطاء والسياسيين والحكومة على تجنب التفتيش في الماضي، وبدء مرحلة لا تسبب إزعاجا للطرفين، غير أن الروبي قفز على هذه القاعدة تحت وابل من الضغوط الشخصية أو رغبة في معرفة اتجاه أجهزة الأمن في التعامل مع المتجاوزين للاتفاق الضمني.
ويضيف المراقبون أن إعادة اعتقال الروبي، حتى لو تم الإفراج عنه لاحقا، تنطوي على إشارة قوية بعدم حدوث تغير كبير في العلاقة بين الحكومة والنشطاء السياسيين، حيث تدرك الأولى أن الأجواء الإيجابية والحديث عن تفاعل كبير مع الحوار والإفراجات المتتالية يمكن فهمها على أنها دليل على عودة منح الحرية بلا ضوابط لمشاكسة الحكومة أو إحراجها، وأن كل شخص يمكنه فعل ما يحلو له بلا ضوابط.
وأكدت لجنة العفو أنها وحدها التي تقوم بالتنسيق مع جهات الدولة في شأن العفو والدمج، “ولا صحة لما تعلنه بعض الكيانات أو الأحزاب أو الشخصيات بذات الشأن”.
وحملت العبارة السابقة معاني تؤكد نفي لجنة العفو علاقتها بالمبادرة التي طرحها رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات السبت بشأن عودة بعض المعارضين المصريين من الخارج، والتي أثارت انقساما، حيث زعم السادات أنها حصلت على مباركة رسمية بينما أكدت مصادر حكومية عدم صلتها بها.
ملف الإفراجات يمثل أحد أهم المحددات في تعزيز العلاقة بين الحكومة وقوى المعارضة
وتحوي التقديرات المتباينة مضامين تتعلق بوجود هوة بين رؤية الكثير من الأطراف مصدرها ترتيبات رسم معالم الخارطة السياسية التي يجب أن تسود الفترة المقبلة.
ويمثل ملف الإفراجات أحد أهم المحددات في تعزيز العلاقة بين الحكومة وقوى المعارضة، وإذا لم تتخذ فيه إجراءات حاسمة يمكن أن يعكر ما ساد من مناخ يشير إلى إمكانية حدوث نقلة سياسية كبيرة تقود إلى توسيع هامش الحريات.
وكشفت عملية إعادة اعتقال الناشط شريف الروبي عن وجود تيارين داخل الحكومة، أحدهما يرى أن الليونة كفيلة بتجاوز الكثير من العقبات السياسية والمضي قدما في ملف الإفراجات سوف يحمل نتائج جيدة.
بينما يرى التيار الآخر ضرورة التريث وعدم الاندماج، لأن زيادة وتيرة الإفراج عن المحبوسين كما تريد قوى معارضة عديدة يمكن فهمه على أنه ضعف أو “رضوخ” من قبل الحكومة، في وقت مطلوب فيه ألا تصبح قبضتها المرنة أقل من المستوى الذي يحتاجه التعامل مع الأزمات الاقتصادية.
ولم يكن النقاش الحالي مطروحا من قبل، ما يدل على حجم التغير في آليات الحوار العام والسعي نحو إيجاد مساحة مشتركة من التفاهم بين القوى المختلفة، لتحاشي الوصول إلى صدام جديد لا تريده أطراف كثيرة جراء تأثيراته السلبية التي يمكن أن تؤدي إلى العودة إلى المربع السابق، والذي بارحته قوى وطنية تنظر إلى المستقبل.