المغرب يوسّع قاعدة الاستثمار في مشاريع تحلية المياه

تسعى السلطات المغربية إلى تسريع وتيرة تنفيذ برنامجها الطموح المتعلق بتشييد محطات جديدة لتحلية المياه كأحد الحلول البديلة لتغطية النقص المحتمل بسبب موجة الجفاف، وذلك من خلال إطلاق المزيد من المشاريع بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.
الرباط - أظهر المغرب عزما لا يلين في تنفيذ برنامجه الطموح المتمثل في بناء محطات تحلية مياه البحر، للابتعاد تدريجيا عن خط الفقر المائي، بعد أن صار مشكلة إستراتيجية للبلد في ظل تواصل الجفاف الذي ضرب شمال القارة خلال السنوات الأخيرة.
وتعكف الحكومة على تسريع وتيرة توسيع قاعدة الاستثمار في هذا المجال كأحد الحلول البديلة لتغطية العجز الحاصل في المياه ضمن إستراتيجية يشرف عليها العاهل المغربي الملك محمد السادس، متحدية كل العوائق التي سببتها جائحة كورونا.
وتشكو عدة جهات في البلاد من نقص كبير في الماء الصالح للشرب نتيجة جفاف السدود التي كانت الرباط تعتمد عليها بشكل رئيسي لتغطية حاجة السكان في فترات احتباس الأمطار وأيضا في الزراعة.
وأكدت المديرية العامة للماء التابعة لوزارة التجهيز أن الحكومة تهدف إلى تحلية مليار متر مكعب من مياه البحر على المدى المتوسط إلى البعيد، لسد النقص في مياه الشرب والري.
وقال مسؤول بالمديرية لوكالة رويترز الأربعاء الماضي إنه “سيتم تعزيز مكتسبات تحلية مياه البحر عبر مشاريع على المدى البعيد في مختلف الأحواض ذات الواجهة الساحلية ببلادنا”.
وأشار المسؤول الحكومي، الذي فضل عدم نشر اسمه، إلى محطات تحلية المياه القائمة في عدد من المناطق الجنوبية، كمدينة العيون وبوجدور وطانطان، منذ تسعينات القرن الماضي، لضعف الموارد المائية في هذه المناطق.
كما أنشأ المغرب محطتين لتحلية مياه البحر في السنتين الماضيتين، في كل من الحسيمة بالشمال وجهة أغادير في الجنوب.
وقال المسؤول الحكومي إنه توجد حاليا محطة “قيد الدراسة بجهة الدار البيضاء - سطات بسعة إجمالية 300 مليون متر مكعب في السنة، ومن المرتقب الشروع في إنجاز المرحلة الأولى منها بسعة 200 مليون متر مكعب في أفق 2023”.
وكان وزير التجهيز الأسبق عبدالقادر اعمارة قد كشف عن هذا المشروع الذي يعد الأكبر على مستوى قارة أفريقيا في نوفمبر 2020.
وقال اعمارة حينها إن “التحول الذي سيحصل في المغرب هو إحداث أكبر محطة لتحلية مياه البحر على مستوى أفريقيا، بطاقة 300 مليون متر مكعب سنويا، حيث من المتوقع أن تحدث تحولا بنيويا في قضية الماء ببلادنا”.
وإلى جانب ذلك توجد مشاريع أخرى في طور الإنجاز بكل من مدن الداخلة وآسفي والجديدة وسيدي إفني وتزنيت وكلميم والصويرة والجهة الشرقية للبلاد.
وبحسب المسؤول فإن تمويل مشاريع تحلية مياه البحر سيكون “عن طريق اعتماد شراكات بين القطاعين العام والخاص”.
والهدف من ذلك ليس تعزيز مشاركة المستثمرين فحسب، وإنما أيضا الاستفادة من القدرات الابتكارية للقطاع الخاص في هذا المجال وكذلك ضمان توفير الخدمات بصفة تعاقدية وتقديمها في الآجال المحددة وبالجودة المطلوبة.
ويقول المسؤولون والأوساط الاقتصادية والشعبية إن البلد يواجه أسوأ أزمة جفاف في العقود الثلاثة الأخيرة. وقال الملك محمد السادس ضمن خطاب أمام البرلمان في منتصف هذا الشهر إن بلده “يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي” و”يمر بمرحلة جفاف صعبة”.
وأضاف “لا يمكن حل جميع المشاكل بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة، رغم ضرورتها وأهميتها البالغة”.
وشهدت البلاد منذ بداية سبتمبر 2021 حتى أغسطس 2022 أمطارا تراوح معدلها بين 22.3 ملّيمتر و329 ملّيمترا، وهو ما يشكل عجزا يقدر بنحو 47 في المئة على الصعيد الوطني مقارنة مع معدل تساقط الأمطار.
وهذه الكميات من الأمطار نتجت عنها كميات مائية ضعيفة، إذ بلغ الحجم الإجمالي المسجل في مجموع السدود الكبرى خلال نفس الفترة حوالي 1.98 مليار متر مكعب، وهو ما يشكل عجزا يقدر بنحو 85 في المئة مقارنة بالمعدل السنوي للواردات المائية.
ووفق الأرقام الرسمية يبلغ عدد السدود في البلاد 104 سدود كبيرة، و17 سدا صغيرا أو متوسط الحجم، بالإضافة إلى 67 شُيدت على بحيرات صغيرة وروافد أنهار، بسعة إجمالية تبلغ نحو 17.2 مليار متر مكعب.
وفيما يخص هذا العام فإن الحجم الإجمالي لموارد المياه المسجلة في كل السدود الكبرى خلال الفترة بين سبتمبر الماضي والخامس والعشرين من أكتوبر الجاري بلغ نحو 403 ملايين متر مكعب، وهو ما يشكل عجزا بنسبة 38 في المئة مقارنة بالمعدل السنوي.
17.2
مليار متر مكعب السعة الإجمالية لنحو 188 سدا كبيرا وصغيرا ومتوسط الحجم في كامل البلاد
وقال المسؤول المغربي إن الجفاف الذي يعيشه المغرب حاليا “أثر على التزود بماء الشرب في المجال الحضري بخلاف فترات الجفاف الماضية التي كان تأثيرها يقتصر على ماء الشرب في القرى والأنشطة الزراعية”.
ويعتمد البلد بشكل كبير على الأمطار لتحقيق أمنه الغذائي، وسط تحذيرات من أن الاحتياطات المائية لن توفر الحاجات الأساسية لاقتصاد البلد وسكانه، البالغ عددهم قرابة 36.9 مليون نسمة، على المدى المتوسط والبعيد.
وعلى مدار الفترة الماضية اتخذت الحكومة حزمة من التدابير العاجلة لمواجهة هذا الوضع، منها تسريع أشغال تزويد التجمعات السكنية في القرى انطلاقا من منظومات مائية مستدامة واستكشاف المياه الجوفية واستغلال محطة تحلية ماء البحر اشتوكة آيت باها في الجنوب.
وتنكب الحكومة على تعزيز أنظمة المراقبة المناخية والمائية وكذلك التحذير من الفيضانات ودمجها في أنظمة المعلومات الخاصة بالماء كأداة لتحقيق الإدارة الجيدة للمياه.
وعلاوة على ذلك تعزيز التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف، لاسيما على المستوى الأفريقي ومنطقة حوض المتوسط، من أجل دعم وتطوير قدرات البلاد لإدارة ظاهرة تغير المناخ والاستفادة من تجارب البلدان الأخرى في هذا المجال.
ومع ذلك، يرى المسؤول أن تحقيق الهدف يتطلب استثمارات كبيرة “تتجاوز قدرة القطاع الواحد، وبالتالي تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات المالية المحلية التي تهتم بالتنمية المستدامة”.
كما يحتاج أيضا إلى توفير تمويلات المؤسسات الدولية بما في ذلك الآليات المالية الجديدة كصندوق المناخ الأخضر والأدوات المالية لبنوك التنمية متعددة الأطراف.