المغرب يودع محمد الخلفي أحد أبرز رواد الدراما والتشخيص

الرباط- ودع المغرب الفنان محمد الخلفي، أحد أهم الأسماء في فن التشخيص، الذي توفي عن عمر 87 عاما، بعد معاناة مع المرض، وفق ما أعلنت نقابة مهنيي الفنون الدرامية.
الخلفي كان واحدا من أبرز رواد التمثيل في المسرح والتلفزيون والسينما في المغرب، ومن المؤسسين الحقيقيين لفن التشخيص في المغرب منذ أكثر من 60 عاما.
ولد الراحل في مدينة الدار البيضاء عام 1937 وبدأ مسيرته الفنية عام 1957 في مسرح الهواة، ثم صقلت موهبته مع فرقة “المسرح العمالي” التي أسسها الراحل الطيب الصديقي، والتي تعد من أبرز الفرق المسرحية المغربية التي حددت المعالم الأولى لمسرح مغربي وعربي محترف. وقد تأثرت هذه الفرقة بالتوجهات الفكرية والفنية التي كانت سائدة في فترة معينة، حيث تمثلت بوضوح في المسرح الواقعي والملتزم الذي كان يعبر عن قضايا الشعب وهمومه، وهذا النوع من التوجهات هو ما طغى على الأعمال المسرحية التي قدمها الممثلون العاملون ضمن الفرقة ومن بينهم الخلفي.

◄ مسيرة ستة عقود من الإبداع بين المسرح
والتلفزيون والسينما منحت الفنان الراحل شهرة كبيرة بين الجمهور المغربي
وخلال مسيرته الفنية، أسس محمد الخلفي فرقة “المسرح الشعبي” التي كانت من الفرق الرائدة في تقديم العروض المسرحية ثم أسس فرقة “الفنانين المتحدين”، التي قدمت 7 مسرحيات من بينها مسرحية “العائلة المثقفة”، والتي أدت فيها الفنانة ثريا جبران دور البطولة.
وبالإضافة إلى مسيرته المسرحية الغنية كان الخلفي من بين الأوائل الذين انخرطوا في العمل التلفزيوني في المغرب منذ انطلاقته الأولى بداية ستينات القرن العشرين، حيث قدم أول مسلسل تلفزيوني بوليسي يحمل عنوان “التضحية”، ثم بعد ذلك مسلسل “بائعة الخبز”، وترك أثرا كبيرا في ذاكرة المشاهدين، خصوصا من خلال دوره في المسلسل الكوميدي العائلي “لالة فاطمة”، حيث أدى دور الحاج قدور بن زيزي، وهو الدور الذي عزز من شعبيته وأبرز براعته في التمثيل التلفزيوني، ولم يقتصر عطاؤه على التلفزيون والمسرح فقط، بل شارك في العديد من الأفلام السينمائية، من بينها فيلم “سكوت، اتجاه ممنوع” للمخرج عبدالله المصباحي، وفيلم “”هنا ولهيه” للمخرج محمد إسماعيل، كما كان له حضور مميز في المسلسل التاريخي “ملوك الطوائف”، ما يعكس تنوع مسيرته وقدرته على التنقل بسلاسة بين مختلف أنواع الفنون.
وبرع الفنان الراحل في تجسيد أدوار مميزة جعلته قريبا من الجمهور لاسيما من خلال أدائه المتكرر لدور الشرطي في أعماله، حيث أضفى على هذه الشخصية طابعا كوميديا يهدف من خلاله إلى إبراز التحديات والصعوبات التي تواجه هذه المهنة، مع إضافة نكهة فكاهية لافتة.

◄ الخلفي كان رائدا في المسرح المغربي وله إسهامات كبيرة في الربط بين المسرح والتلفزيون
كما برع الخلفي في مجال السينما، وذلك في العديد من الأدوار التي استطاع أن يجسدها باحترافية عالية، منها “الضوء الأخضر” و“الصمت اتجاه ممنوع”، و“الوتر الخامس” و“أيام شهرزاد الجميلة” و“هناولهيه”.
وحصل الفنان الراحل على العديد من التكريمات كان آخرها في مطلع سبتمبر الماضي، حيث كرمه مهرجان الفيلم العربي في الدار البيضاء. وعبر خلاله عن سعادته الكبيرة بالتكريم الذي يعد مهما في مسيرته، مثنيا على التقدير الذي حظي به من وسائل الإعلام المغربية والجمهور، كما عبر عن امتنانه لكل من ساهم في تنظيم هذا المهرجان ومنحه هذه اللحظة المميزة في مسيرته الفنية.
ولم يخف الخلفي شوقه للوقوف على خشبة المسرح ومعانقة الجمهور، قائلا “إنه تمنى لو أن الروماتيزم لم يطل أطرافه السفلى ليتمكن من اعتلاء الركح مجددا”، حيث عانى الراحل من وضع صحي صعب خلال الأعوام الماضية وأصبح لا يقوى على الحركة أو المشي أو على ممارسة أنشطته اليومية.
مسيرة ستة عقود من الإبداع بين المسرح والتلفزيون والسينما منحت الفنان الراحل شهرة كبيرة بين الجمهور المغربي، فهو من أبرز الأسماء التي أثرت في الدراما المغربية لعقود طويلة، ولعبت أدوارا مهمة ومؤثرة ضمن مسار فني متميز جعله يترك بصمة استثنائية، وبرحيله يفقد المغرب أحد ألمع نجومه الذين ساهموا في تأسيس المشهد الفني في المملكة.
ونعى رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الفنون الدرامية بالمغرب مسعود بوحسين الفنان الراحل، وقال في تصريحات إعلامية محلية إن “الخلفي كان رائدا في المسرح المغربي وله إسهامات كبيرة في الربط بين المسرح والتلفزيون.”
ووصفته الفنانة لطيفة أحرار التي شاركته العديد من أعماله الفنية منها سلسلة “لالة فاطمة” بـ“الفنان المثقف الذي كان يسعى دائما لتطوير شخصيته وتطوير تقنياته ومهاراته باستمرار.”
كذلك وصفه الناقد المغربي محمد باكريم بأنه “فنان كبير بموهبته وإسهاماته الفنية”، معتبرا أنه “رمز ثقافي لمرحلة مهمة في تطور المجتمع المغربي وعاصر منعطفات كبيرة ومهمة في تاريخ البلاد واختار الفن كوسيلة للتعبير عن تحولات تلك الحقبة التاريخية.”
واستعاد الناقد السينمائي عبدالكريم واكريم ذكرى الفنان الراحل عبر مقال كتبه عنه ضمن مهرجان الفيلم العربي حيث قال فيه إنه “لا يمكن الحديث عن الفنان محمد الخلفي دون تذكر جيل من الفنانين الرواد، ذلك الجيل الذي كافح وناضل لتأسيس حركة فنية حقيقية في غياب شروط حقيقية للعمل الاحترافي آنذاك.”