المغرب يقود تحركا للحوار مع إدارة تيك توك حول إشكاليات القيم

المملكة تتبنى مقاربة توازن بين حرية التعبير وضبط المحتوى مع القيم.
الاثنين 2024/12/02
الضبط ضروري

الرباط - كشف وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد عن موافقة شركة تيك توك على فتح حوار مع المغرب حول المحتوى السلبي الذي يشيعه التطبيق في أوساط المجتمع. وأوضح الوزير في رده على سؤال شفوي لفريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس المستشارين، الأسبوع الماضي حول الإجراءات المتخذة للحد من السلبيات المتزايدة لموقع تيك توك بالمغرب، أن النقاش مع مسؤولي التطبيق وصل حتى إلى فتح مكتب بالمغرب، مضيفا “سنحاول التدخل ليفهموا ثقافتنا”.

وتأتي الخطوة بعد دعوات متكررة في البلاد إلى حظر التطبيق من قبل من اعتبروا المحتوى المعروض مسيئا لقيم المغاربة خاصة مع مشاركة أشخاص أغلبهم من الشباب فيديوهات وهم يرقصون أو ينفذون تحديات تتضمن مشاهدة عنيفة، أو ذات إيحاءات جنسية بحسب المنتقدين للمنصة. في المقابل عارض ناشطون الخطوة واعتبروها تضييقا على الحريات في البلاد.

ويركّز النقاش في المغرب على الجانب الأخلاقي، إذ بينما يرى جانب أنه مصدر ترفيه ومعلومات، ورزق من الإعلانات لمستخدمين وصناع محتوى، يرى معسكر آخر التطبيق مصدرا لما يعتبره محتوى مخالفا للتقاليد والقيم المغربية. وأشار بنسعيد إلى أن المغرب قام بمحاولة لإقامة تكتل مع مجموعة من الدول العربية من أجل فتح حوار مع شركات “الجافا” حول الإشكاليات التي تعانيها المجتمعات العربية بخصوص القيم ومفهوم “تمغرابيت” وما هو مقبول وغير مقبول بالنسبة للمحتوى.

وأضاف “سيكون هناك إشكال مرتبط بحرية التعبير واختلاف مفهوم القيم بالنسبة لتلك المقاولات وبالنسبة للمغرب.” وتابع “لقد فتحنا هذا النقاش أولا، وهناك دول أخرى تكتلوا لفتح الحوار مع تلك المقاولات، خاصة أن الجافا تعتبر نفسها شبه دول وتعين مسؤولين لمحاورة الدول.” وشدد بنسعيد على ضرورة تقوية الدول العربية في إطار تكتلات إقليمية “لتكون لنا قوة سياسية واقتصادية، وحتى اجتماعية، من أجل الحوار مع تلك الشركات، ونحن نتجه لذلك تدريجيا.”

محمد المهدي بنسعيد: النقاش مع تيك توك وصل إلى فتح مكتب بالمغرب، سنحاول التدخل ليفهموا ثقافتنا
محمد المهدي بنسعيد: النقاش مع تيك توك وصل إلى فتح مكتب بالمغرب، سنحاول التدخل ليفهموا ثقافتنا

وكان مجلس وزراء الإعلام العرب قد أقرّ العام الماضي إستراتيجية عربية موحدة للتعامل مع شركات الإنترنت الكبرى، وتشكيل فريق عربي للتفاوض مع هذه الشركات. وتتضمن الإستراتيجية إرشادات عربية موحّدة لتنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي تشمل عقوبات تصل إلى حد حظر منصة معينة في دولة أو دول عربية إذا ما خالفت مقتضيات الإستراتيجية الجديدة. وسبق أن ناقش البرلمان المغربي مقترح قانون يحظر “تيك توك” في المملكة تحت مبرّر تأثيره في الشباب والمراهقين.

ويرى الوزير المغربي أن دور الأسرة يبقى أساسيا في مختلف تلك التطبيقات، مشددا على ضرورة اعتماد مراقبة الآباء، موضحا “الحكومة يمكنها القيام بمبادرات والتحسيس، لكن دور الأسرة أساسي في النهاية.” ويرى الوزير أن هناك قوانين يجب تفيعلها في ما يخص التشهير والأخبار الزائفة، داعيا كل من تضرر إلى ضرورة اللجوء إلى القضاء وعدم انتظار أحد لينوب عنه، معتبرا أنه يجب التفريق بين حرية التعبير وحماية القيم.

وسبق للعديد من البرلمانيين المغاربة أن طالبوا بـ”تقنين محتوى ومضمون آلية التواصل الاجتماعي تيك توك” محذرين من المخاطر التي تنطوي عليها المنصات الاجتماعية، مما يثير تساؤلات حول مدى فعالية الحوار مع إدارة تيك توك في الحد من الظواهر السلبية وضمان احترام القيم المحلية.

وقال عبدالرحمن ابليلا، المستشار عن التجمع الوطني للأحرار، إن موقع تيك توك أصبح في جانب كبير منه وسيلة لنشر التفاهة والانحراف والإعوجاج والممارسات اللاأخلاقية، لافتا إلى أن معظم مستعمليه شباب يبحثون عن الشهرة والمال بأي وسيلة، ولو على حساب منظومة القيم الدينية والأخلاقية.

وأوضح أن جميع الدول تعاني من سلبيات التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن مجموعة من الدول اتخذت عدة إجراءات للحد من تلك السلبيات، منها من حظر تيك توك، فيما فرض آخرون رقابة على المحتوى، إلى جانب مراقبة العائدات المالية لتلك التطبيقات، من ضمنها الصين والهند ودول إسلامية.

ويرى أن هذه الظاهرة أصبحت مستفحلة بالمغرب، مسجلا عدم وجود جهاز متخصص ومتفرغ لمراقبة محتوى مواقع التواصل الاجتماعي، كما هو الحال بالنسبة للصين. وأوضح ابليلا أن من الناحية القانونية، فقد خصص المشرع الجنائي حيزا هاما للجرائم الماسة بالأخلاق، معتبرا أن المشكلة في كون المتابعات لا تقوم بها النيابات العامة من تلقاء نفسها إلا بعد تقديم طلب من المتضررين.

◙ النقاش حول تيك توك في المغرب يركّز على الجانب الأخلاقي حيث يرى البعض أن التطبيق يحمل محتوى مخالفا للتقاليد والقيم المغربية

وأشار إلى أن المشرع الجبائي فرض، مؤخرا، ضريبة على العائدات المالية لتلك التطبيقات، “لكن إجراءات الدولة تبقى غير كافية لأن الموضوع يتعدى الدولة إلى ضرورة إشراك المواطنين والمدرسة والقيميين الدينيين.” وينتشر بين فترة وأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ بعنوان “لا لتيك توك بالمغرب”، يعرب من خلاله ناشطون عن رغبتهم في حجب الموقع بالمغرب، صونا لصورة المغاربة.

وأشار متابعون إلى أن وتيرة الفيديوهات المسيئة ازدادت مؤخرا بشكل كبير بعد أن أتاح تيك توك خاصية المكافآت في العروض المباشرة، وهو ما سمح للمتابعين بطلب عدد من الأمور الغريبة والدخيلة على البشرية بشكل عام، وعلى المجتمع المغربي بشكل خاص. ويصف تيك توك هذه المكافآت بأنها “عناصر افتراضية يمكن إرسالها لإظهار تقديرك للمبدعين المفضلين لديك على المنصة.”

ويبرر المطالبون بحظر التطبيق بالمخاطر المترتبة على تداول الأطفال والمراهقين لهذه المحتويات على المستوى النفسي والقيمي، فضلا عن تأثير ذلك على صورة المغرب رافضين استغلال الأطفال والأجساد في ما وصفوه بـ”تسول الأرباح المادية”، حيث تسببت العديد من المواد والألعاب المنتشرة عبر التطبيق في حالة من الجدل بعد تأثر المراهقين بها.

كما طالب النشطاء بضرورة تطبيق قانون جديد يجرّم محتوى تيك توك المسيء إلى صورة البلاد، مع ضرورة ضبطه وإخضاعه لإطار قانوني زجري صارم، يعاقب كل من ينشر “التفاهة” أو يسيء إلى سمعة البلاد، إضافة إلى محاسبة أصحاب الأموال الطائلة عبر تقنية البث المباشر.

وتشير أرقام شركة بايتدانس الصينية، الشركة الأم لـ”تيك توك”، إلى أن التطبيق يستخدمه 12.41 مليون ناشط في المغرب تبلغ أعمارهم 18 عاما فما فوق. وارتفع النقاش الأمني حول خطر محتمل لتقديم بيانات المستخدمين للسلطات الصينية، ما دفع دولا عدة لحذفه من الأجهزة الحكومية والمطالبة بحظره تماما من البلاد.

5