المغرب يفتح آفاق الاستثمار في الهيدروجين الأخضر لتعزيز السيادة الطاقية

الرباط – يمضي المغرب قدما نحو تحقيق سيادته الطاقية، بخطوات ثابتة وواثقة، معلنا عن توجه استراتيجي لتنشيط الاستثمارات في مجال الهيدروجين الأخضر.
وهذا الإعلان، الذي جاء على لسان وزيرة الطاقة المغربية ليلى بنعلي، يؤكد رؤية المملكة الطموحة لتحويل تحديات الطاقة إلى فرص تنموية واقتصادية واعدة، مما يعزز مكانتها كقوة إقليمية رائدة في مجال الطاقة النظيفة.
وقالت بنعلي، الاثنين، في كلمة لها أمام مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) بالعاصمة الرباط، إن المملكة بدأت تنشط الاستثمارات في مجال الهيدروجين الأخضر بهدف تعزيز السيادة في مجال الطاقة.
وأكدت بنعلي، أن "العرض المغربي" للهيدروجين الأخضر سيُعطي دفعة قوية للاستثمارات في الطاقات المتجددة، وتحلية المياه، وإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، وسيُمكن من تطوير البنية التحتية اللازمة لهذا المشروع.
وردا على سؤال طُرح خلال جلسة الأسئلة الشفوية حول "تدابير دعم جهود المغرب لتعزيز سيادته الطاقية من خلال إنتاج الهيدروجين الأخضر" أكدت الوزيرة أن هذا المشروع نُفّذ وفقًا للتوجيهات السامية للعاهل المغربي الملك محمد السادس، مُشيرةً إلى أنه يُغطي كامل سلسلة القيمة، والإطار التنظيمي والمؤسسي، بالإضافة إلى برنامج البنية التحتية الأساسية.
وأضافت أن "عرض المغرب" يعتمد على مقاربة شاملة وعملية وشفافة، ويوفر للمستثمرين رؤية واضحة، مشيرةً إلى أنه تم تحديد مساحة أرضية تقارب مليون هكتار لتنفيذ عرض المغرب، وتم تخصيص 300 ألف هكتار للمستثمرين خلال المرحلة الأولى.
وأشارت الوزيرة إلى أن "عرض المغرب" للهيدروجين الأخضر يوفر أيضا إطارا تحفيزيا من حيث الاستثمار والضرائب والجمارك لدعم رواد المشاريع لتحسين التنفيذ.
كما نوهت بتسارع وتيرة تنفيذ "عرض المغرب"، مشيرةً إلى أنه تم اختيار ست مجموعات استثمارية وطنية ودولية لتطوير سبعة مشاريع للهيدروجين الأخضر، تغطي الجهات الثلاث للأقاليم الجنوبية للمملكة وهي كلميم – واد نون، والعيون الساقية الحمراء، والداخلة – واد الذهب، مما "يعكس التزام المغرب بتسريع الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون وتحقيق أهدافه في مجال الطاقة المستدامة".
وتهدف المشاريع السبعة المختارة إلى توليد ما يقارب 20 جيغاواط من الطاقة المتجددة، بما في ذلك حوالي 10 جيغاواط من أجهزة التحليل الكهربائي، وإنتاج ما يقارب 8 ملايين طن من مشتقات الهيدروجين الأخضر، بما في ذلك الأمونيا الخضراء والوقود الصناعي والفولاذ الأخضر، وفقًا للوزيرة.
وأكدت أن هذه المشاريع تشجع على تكثيف البنية التحتية وتوطينها ومشاركتها، بما في ذلك محطات تحلية المياه التي تستخدم الطاقة المتجددة، مما "سيخفض تكلفة المتر المكعب من المياه المحلاة، مع ضمان ترشيد استخدام المياه والمساهمة في الوقت نفسه في ترسيخ سيادة الطاقة والمياه".
وأوضحت بنعلي أن احتياجات هذه المشاريع السبعة المختارة تقدر بمتوسط 63 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويا، مؤكدةً أن الهيدروجين الأخضر يمكن أن يلعب دورًا رئيسيًا في تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية المستوردة وتعزيز سيادة الطاقة، بفضل تطبيقاته المتعددة، لا سيما في الصناعة الكيميائية وتحديدًا في إنتاج الأمونيا.
والهيدروجين الأخضر نوع من الوقود الناتج عن عملية كيميائية يستخدم فيها تيار كهربائي ناتج عن مصادر متجددة لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء، وبالتالي تنتج طاقة دون انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي المسبب للاحتباس الحراري.
وفي مارس الماضي، كان المغرب قد أعلن عن اختيار ستة مستثمرين وطنيين ودوليين لإنجاز سبعة مشاريع ضخمة للهيدروجين الأخضر في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وفي مؤتمر صحافي بالرباط، أكد رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش أن التكلفة المالية لهذه المشاريع تبلغ حوالي 319 مليار درهم (31.9 مليار دولار أميركي). وتهدف هذه المشاريع الطموحة إلى إنتاج الأمونياك والوقود الاصطناعي والفولاذ الأخضر، مما يعكس التزام المغرب بتطوير سلسلة قيمة متكاملة للهيدروجين الأخضر.
وأفاد أخنوش بأن الشركات المختارة تأتي من دول رائدة في مجال الطاقة والابتكار، بما في ذلك السعودية، والصين، والولايات المتحدة، وإسبانيا، وألمانيا، والإمارات. هذا التنوع في الشراكات يؤكد الجاذبية الاستثمارية للمغرب وقدرته على استقطاب كبرى الشركات العالمية في هذا القطاع الناشئ.
ويتجاوز الإعلان المغربي عن تنشيط الاستثمارات في الهيدروجين الأخضر مجرد خطوة بيئية، ليُشكل في جوهره قفزة نوعية نحو ترسيخ الأمن الطاقي للمملكة؛ ففي ظل اعتماد المغرب الكبير على واردات الطاقة التي تشكل 96 في المئة من احتياجاته.
ووسط تقلبات الأسعار العالمية التي تزيد من الأعباء الاقتصادية يأتي هذا التوجه الاستراتيجي كحل مستدام يقلل من التبعية للخارج، والهدف هنا ليس فقط إنتاج طاقة نظيفة، بل بناء اكتفاء ذاتي يمنح المغرب قدرة أكبر على اتخاذ قراراته التنموية دون تأثيرات ضغوط السوق الدولية، مما يعزز من مرونته الاقتصادية وقدرته على الصمود أمام الأزمات.
وما يجعل هذا الإعلان أكثر أهمية هو النهج الشمولي الذي يتبناه المغرب في تحقيق سيادته الطاقية والمائية معا، فمن خلال تطوير البنية التحتية المشتركة، وخاصة محطات تحلية المياه التي تعمل بالطاقات المتجددة، تربط المملكة بين هدفين استراتيجيين حيويين يتمثلان في توفير الطاقة والمياه، وهذا التكامل يضمن تحقيق تنافسية عالية لمشاريع الهيدروجين الأخضر، ويجعل المغرب مركزاً جاذباً للاستثمارات الدولية في هذا المجال.
كما يتضح من اختيار شركات عالمية من السعودية والصين والولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا والإمارات، أن هذه الشراكات المتنوعة، وحجم الاستثمارات الضخمة التي تبلغ مليارات الدولارات، تؤكد الثقة الدولية في رؤية المغرب الطموحة وقدرته على قيادة تحول الطاقة في المنطقة بأكملها.