المغرب يعاضد جهود إزالة الكربون من قطاع النقل البحري

قطع المغرب خطوة أخرى في طريق تجسيد إستراتيجيته الطموحة لمسح بصمته الكربونية من خلال احتضانه مركزا متكاملا يُعنى بإزالة الانبعاثات الدفيئة من قطاع النقل البحري، في تأكيد على حرصه على معاضدة الجهود الأفريقية والعالمية في هذا المضمار.
الداخلة (المغرب) - انتقلت السلطات المغربية إلى مرحلة جديدة في طريق طويل لتحقيق أهداف الحياد الكربوني بترجمة تطلعاتها هذه المرة في صناعة النقل البحري، الذي يعد أكثر القطاعات الملوثة للبيئة.
ودشنت شركة أيرسيس الفرنسية الناشئة المتخصصة في تطوير تكنولوجيا طاقة الدفع البحري المعتمدة على الرياح الأربعاء الماضي، مركزا لاختبار والبحث في منطقة العركوب التي تبعد 60 كلم عن مدينة الداخلة في الصحراء المغربية.
ويسعى البلد من خلال هذه المبادرة إلى معاضدة الجهود الدولية لتسريع وتيرة خفض الانبعاثات الضارة، التي تتزايد الحاجة إلى تفعليها لمكافحة الاحتباس الحراري.
وأكد الرئيس التنفيذي للشركة الفرنسية ماساو ناكاياما، أن جهة الداخلة وادي الذهب هي الاختيار الأفضل لتحقيق هذا المشروع المبتكر بالنظر لظروفها المناخية الملائمة.
ونسبت وكالة الأنباء المغربية الرسمية إلى ناكاياما قوله إن “هذه الجهة لديها كل المؤهلات لتطوير تنمية خضراء مستدامة”.
ويضم المركز، الذي رصد له مبلغ استثماري بقيمة 50 مليون درهم (4.9 مليون دولار)، ويمتد على مساحة 80 هكتارا، تجهيزات متطورة من أجل اختبار وتحسين الإبحار (سوينغ).
ويتضمن المشروع جناحا آليا بمساحة ألف متر مربع، مصمم لتقليص استهلاك وقود السفن بنسبة 20 في المئة، وهو الرقم المستهدف نفسه للمنظمة البحرية الدولية بحلول نهاية العقد الحالي.
ويستعمل هذا النظام المبتكر قيادة آلية بواسطة الذكاء الاصطناعي من أجل تحسين المسار وتحقيق أقصى قدر من الكفاءة، خاصة وأن عملية تركيبه سريعة وقابلة للدمج مع مختلف أنواع السفن.
ويضم المشروع، الذي يسهم بتوفير 30 فرصة عمل، أيضا حظيرة تمتد على مساحة تبلغ 2400 متر مربع، مع ورشات ميكانيكية وإلكترونية، وكذلك مركز قيادة يحاكي ظروف الملاحة.
وأكد مدير مشروع أيرسيس ماروك أدريان فورتين، أن الغاية من تأسيس المشروع هو جعله مركزا للاختبار “لمنتوجنا سوينغ، بغية مواصلة اختباره وتحسينه لتحقيق هدفنا المتمثل في خفض استهلاك وقود السفن بنسبة 20 في المئة”.
وتعمل أيرسيس، التي تأسست في العام 2016 على تطوير نظام الدفع البحري للطاقة المتجددة الأكثر تنافسية وترغب في نشره على 10 في المئة من الأسطول العالمي بحلول عام 2030.
وتريد الشركة أيضا إنشاء نظام بيئي مستدام قبل مرحلة الإنتاج الضخم، من خلال نشر نموذج عمل ملتزم يوفر وظائف عالية الجودة وتعزز قيمتها مع مرور الوقت.
نظام سوينغ الذي طورته أيرسيس يعتمد القيادة الآلية بالذكاء الاصطناعي وهو قابل للدمج مع مختلف أنواع السفن
وثمة طرق مختلفة لتحسين أداء سفن الشحن والناقلات العملاقة، فعلى المدى القصير، يمكن تعزيز الكفاءة عبر تصميم محركات أفضل للسفن، وعناصر تقليل السحب، وتبخير أبطأ، مما يقلل من استهلاك الوقود.
ويتمثل المفهوم الرئيسي لإزالة الكربون على المدى الطويل في استبدال زيت الوقود الثقيل السائد اليوم والديزل البحري بوقود منخفض الكربون مثل، البطاريات لمسافات قصيرة، والوقود الحيوي والأمونيا أو غيرها للرحلات الأطول.
ويعتبر استخدام الميثانول كوقود لسفن الحاويات بعدة فوائد، منها تقليل انبعاثات الغازات المسببة في الاحتباس الحراري، ويعتبر وقودا نظيفا وفعالا يساهم في حماية البيئة.
وفي شهر فبراير الماضي، استقبل ميناء طنجة – المتوسط، سفينة آني ميرسك، وهي أول سفينة حاويات ضخمة تعمل بالميثانول في العالم، في خطوة مهمة نحو تعزيز الاستدامة في هذا القطاع.
ولكن تعد تلك الخيارات باهظة الثمن في الوقت الحاضر، ولا تتوفر بسهولة في جميع الموانئ، وستتنافس شركات الشحن البحري على مجموعة محدودة من الوقود مع الطيران على الأقل في الوقت الحالي.
وفي حين أن احتجاز الكربون وتخزينه على متن الطائرات أمر ممكن، رغم أنه يزيد التكاليف ويشغل مساحةً، لكن بالنسبة للنقل البحري فهو صناعة تنافسية للغاية، ويمثل الوقود 50 إلى 60 في المئة من إجمالي تكاليف التشغيل.
ولذلك، فإنه من خلال الجهود المختلفة لمسح البصمة الكربونية يبدو المغرب مهتما بشكل كبير بالمشاركة في تقليل الانبعاثات من هذه الصناعة، خاصة وأن لديه تجربة طويلة في دعم الطاقات المتجددة والتي تؤكدها المشاريع المنتشرة في أجزاء من البلد.
ويشكل التخلص من الانبعاثات الضارة أحد أبرز التحديات خاصة بالنسبة للموانئ وشركات الرحلات البحرية التجارية والسياحية، ولذلك يعتبر الكثيرون أن المغرب في طليعة البلدان الأفريقية الساعية للدفع قدما نحو الوصول لموانئ خالية من الكربون.
وقال المدير العام للمركز الجهوي للاستثمار بالداخلة وادي الذهب منير هواري خلال تدشين المركز إن “الجهة تشهد طلبا مرتفعا على المشاريع المتعلقة بالطاقات المتجددة مما سيكون له تأثير إيجابي على التنمية الاقتصادية المحلية”.
ويساهم النقل البحري، المسؤول عن نقل 90 في المئة من التجارة العالمية، بثلاثة في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الحصة في السنوات المقبلة ما لم يتم تنفيذ تدابير أكثر صرامة لمكافحة التلوث.
وأظهرت دراسة لشركة الشحن المستقلة أوركا أي.آي الشهر الماضي، أن صناعة الشحن البحري العالمية يمكن أن تخفض انبعاثاتها الكربونية بمقدار 47 مليون طن سنويا من خلال نشر الذكاء الاصطناعي للملاحة البحرية.
ووفقا للدراسة، فإن استخدام التكنولوجيا يمكن أن يقلل من الحاجة إلى المناورات وانحراف المسار عن المواجهات القريبة مع الأهداف البحرية عالية المخاطر مثل السفن والعوامات والثدييات البحرية عن طريق تنبيه الطاقم في الوقت الحقيقي.
ويمكن لهذه التقنية المتقدمة أيضا تبسيط العمليات في مجال الشحن، مع تطبيقات مهمة بما في ذلك المعالجة الآلية والتحليلات في الوقت الحقيقي.
ويرى الخبراء أنه مع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في الخدمات اللوجستية، بات من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن تتبنى المؤسسات هذه الأدوات لتحسين عملياتها للحفاظ على ميزة تنافسية.