المغرب يطلق كرسي الآداب والفنون الأفريقية

مشروع طموح يعيد الاعتبار للإنتاج الروائي والشعري والرمزي للقارة المهمشة.
الأربعاء 2022/05/18
إخراج أفريقيا من الأفكار المسبقة والمغلوطة

رغم دورها التّاريخي البارز منذ فجر الإنسانية، ورغم أنها زاخرة بالثروات المادية وغير المادية، فإن قارة أفريقيا لا تزال مهمشة في ركب الحضارات اليوم تهميشا يتجاهل منجزاتها الثقافية والأدبية والفنية، ويتجاهل تراثها العريق وتعددها اللغوي الأكبر في العالم وتنوعها الثري. وهذا ما خلّفه بدرجة أولى الاستعمار وما تركه من صراعات لا تكاد تهدأ، وتهدد الإرث الثقافي للقارة، لذلك سعى كرسيّ الآداب والفنون الأفريقية المغربي لمجابهة هذا التهميش والتجاهل ببرامج طموحة.

الرباط - أطلقت أكاديمية المملكة المغربية الاثنين في حفل رسمي كرسي الآداب والفنون الأفريقية الذي استحدثته في السادس والعشرين من مارس الماضي.

وشهد الحفل حضور عدد من المثقفين من المغرب وخارجه، من المهتمين بالثقافة والأدب الأفريقيين، من قبيل الطاهر بنجلون، والكاميرونية كاليتش بيالا، والأديب الفرنسي جون بيير أوربان، والفرنسية سارة بورنوتزي.

مشروع طموح

حسب أكاديمية المملكة المغربية، فإن كرسي الآداب والفنون الأفريقية يجسد إرادة إعادة الاعتبار للإنتاج الروائي والشعري والرمزي للقارة التي كانت ضحية أفكار مسبقة مغلوطة كرست انعزالها الثقافي، كما سيشكل ملتقى للتعاون الجامعي والشراكات الأكاديمية في انفتاح تام على ثقافات العالم.

الأكاديمية تطلق مشروعا طموحا يعطي للأدب والإرث الأفريقيين المكانة التي يستحقانها باعتبارهما جسرا قادرا على نقل المعرفة

وفي كلمته بالمناسبة، أكد أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية عبدالجليل لحجمري في كلة ألقاها  أمام مثقفين وباحثين من دول السينغال والكاميرون وساحل العاج، أن كرسي الآداب والفنون الأفريقية يعتبر مشروعا أدبيا طموحا، من شأنه أن يعطي للأدب والإرث الأفريقيين المكانة التي يستحقانها باعتباره جسرا قادرا على نقل المعرفة.

وأفاد لحجمري بأن كرسي الأدب والفنون الأفريقية سيضم كل ما هو أكاديمي، من تمارين ودروس ولقاءات علمية تروم إظهار مزايا الأدب الأفريقي وتاريخه وأعلامه الذين يبدعون بعيدا عن الأضواء.

واعتبر أمين السر الدائم للأكاديمية أن الجانب الثاني الذي يستحضره هذا الكرسي يرتبط بكل ما هو فني من موسيقى وشعر ومسرح، لافتا إلى أنه “سيتم التعريف بموسيقى الجاز الأفريقي والأغنية الأندلسية والملحون”، مؤكدا أنه سيتم تعزيز الروابط بين الأدبين المغاربي والأفريقي من خلال الانفتاح على اللغة الأمازيغية والمحلية.

وأضاف لحجمري أن مشروع كرسي الآداب والفنون الأفريقية سيكون مناسبة حية لكسر الحدود الأدبية التي تفصل بين التصورات اللغوية المنغلقة حول نفسها داخل القارة، ليظهر للعالم أن القارة ليست قارة للأدب الشفهي غير المدوّن فحسب، بل لها أدب منطوق ومكتوب باللغات الفرنسية والعربية والإنجليزية واللغات المحلية.

من جهته، ذكر منسق مشروع كرسي الآداب والفنون الأفريقية، الكاتب الكاميروني أوجين إبودي، أن الأمر يتعلق بمشروع أكاديمي وفني في آن، لأنه سيعرف الجمهور بكل ما تزخر به القارة الأفريقية من تراث وثقافة وتقاليد غنية غابت عن الكثيرين.

وأضاف إبودي أن كرسي الآداب والفنون الأفريقية هو منبر للاطلاع على العدد الكبير الذي تزخر به القارة الأفريقية في ما يتعلق باللهجات واللغات باعتبارها تختزن نصف لغات العالم.

تأثير الاستعمار

◙ الكلمات والإبداع الأدبي يذيبان المسافات
◙ الكلمات والإبداع الأدبي يذيبان المسافات

في مداخلته قال الطاهر بنجلون، روائي عضو أكاديمية غونكور الفرنسية، إن “الاستعمار فّرق بين المنطقة المغاربية وباقي المجال الأفريقي”، مبرزا أن الكلمات والإبداع الأدبي يذيبان المسافات ويقربان بين الكتاب الأفارقة.

واستحضر الكاتب المغربي فرنسي الجنسية، في كلمته، بعض أعمال الروائي الطيب صالح؛ من بينها “موسم الهجرة إلى الشمال”، وقال إنه “نص عالمي يجيب عن أسئلة نطرحها نحن الأفارقة من نحن؟ وإلى أين نمضي؟ وما هو موقعنا في هذا العالم”، مشيرا إلى أنه دائما وراء حرب أهلية هناك أياد غربية.

وجرى بهذه المناسبة تكريم وجهين أدبيين أفريقيين، ويتعلق الأمر بكل من الأديبة الفرنسية سيمون شوارز بارت، المتحدرة من جزر غوادلوب، والتي تقوم من خلال أعمالها الأدبية بإبراز نقاط التقارب بين إرث هذه الجزيرة الكاريبية باللغة الفرنسية، والكاتبة الكاميرونية الأصل كاليكستا بيالا، الحائزة على الجائزة الكبرى للأدب الأفريقي.

وأشارت ورقة تقديمية لكرسي الأدب الأفريقي بأكاديمية المملكة، أعدها الكاتب أوجين إيبودي والباحثة ربيعة مرهوش، إلى أن الاستعمار لم ينهب خيرات أفريقيا فحسب؛ بل عمل أيضا على إلغاء وسائل نقل ونشر المعرفة والصناعة الثقافية ليحل محلها ما هو مادي.

الاستعمار الذي جثم على أفريقيا لعقود لم يخلف تصدعا على المستوى الجغرافي فقط؛ بل على المستوى اللغوي أيضا

أفريقيا بثرواتها وموقعها الاستراتيجي في قلب العالم ما جعل القوى العظمى شرقا وغربا تنظر إليها باهتمام بالغ وهو ما أدى إلى نهب تلك الثروات واستعباد أهلها، بينما لم يقع النظر بالتقدير الكافي لثقافات وفنون الشعوب الأفريقية.

فإلى جانب ثرواتها المادية فقد بات من المُلح اليوم النظر إلى القارة الأفريقية من زاوية الثروة اللامادية التي لا تفنى، رغم ما تواجهه القارة من مشكلات وأزمات وتوترات، لكن ذلك لا يجب أن يحجب ما تزخر به من قدرات بشرية خلاقة على مستويات عدة من فنون وآداب وثقافة وعلوم.

ودعا معدا الورقة إلى الاهتمام بالشق الشفهي للموروث الثقافي الأفريقي المحلي، معتبريْن أن الاستعمار الذي جثم على القارة لعقود لم يخلف تصدعا على المستوى الجغرافي فقط؛ بل على المستوى اللغوي أيضا، حيث تسود في القارة لغات رسمية عديدة هي في الأصل لغات المستعمر.

وتلا هذا الحفل ندوة دولية، انتظمت الثلاثاء، تكريما للأديب المالي الراحل يمبو أولوغيم، تحت عنوان “من واجب العنف إلى واجبات الآداب”، ستعرف مشاركة عدد من الكتاب والأدباء من دول العالم، ستحاول سبر أغوار ماهية هذا الصمت الأدبي.

12