المغرب يطالب الاتحاد الأوروبي بأدلة ملموسة لإثبات التزامه بالشراكة

وزير الخارجية المغربي يؤكد للمفوض الأوروبي المكلف بالجوار والتوسع أن منطلق علاقات المملكة هو خطاب الملك محمد السادس الذي أكد فيه أن لا شراكات على حساب السيادة الوطنية.
الثلاثاء 2024/11/26
المغرب ينتظر جوابا على أفعال الإبتزاز والتحرش القانوني

الرباط  - دعا وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الاتحاد الأوروبي إلى "ترجمة أقواله حول الشراكة مع المغرب إلى أفعال حقيقية"، مشددا على ضرورة أن تكون على أسس متينة، في ردّ على قرار محكمة العدل الأوروبية القاضي بإلغاء اتفاقيات تجارية مع الرباط، وهي خطوة قوبلت برفض واسع من أغلبية دول التكتل التي أعلنت تمسكها بتعاونها مع المغرب داعية إلى مزيد تعزيزه.

وقال بوريطة، في مؤتمر صحافي مشترك مع مفوض شؤون الجوار والتوسع أوليفر فارهيلي، إن زيارة المسؤول الأوروبي تأتي في وقت "تمر فيه الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي من مرحلة مفصلية، هي مرحلة لإثبات التزام الاتحاد بهذه الشراكة من خلال الأفعال وليس الأقوال"، ولتأكيد أن كل ما يقال في بروكسيل وباقي العواصم الأوروبية حول أهمية هذه الشراكة يجب أن يتجسد على أرض الواقع. وفق وكالة الأنباء المغربية "ماب".

ووصل فارهيلي إلى العاصمة المغربية الاثنين في زيارة غير محددة المدة، وتعد زيارته الأولى لمسؤول أوروبي بعد قرار محكمة العدل الأوروبية في 4 أكتوبر الماضي، يلغي اتفاقيتين تجاريتين بين المغرب والاتحاد تتعلقان بالصيد البحري والزراعة، بدعوى أنهما تشملان سواحل ومنتجات إقليم الصحراء المتنازع عليه.

ورغم تطمينات مسؤولين أوروبيين بـ"الحفاظ على الشراكة مع المغرب"، إلا أن الرباط أعلنت آنذاك رفضها قرار المحكمة الأوروبية.

واعتبر بوريطة أنه ينبغي للاتحاد الأوروبي "تَثبيت الشراكة مع المغرب والدفاع عنها ضد الابتزاز والتحرش القانوني والاقتصادي"، مبرزا أن "‏المغرب ينتظر من الاتحاد الأوروبي كيف سيتعامل مع هذه الاستفزازات، من خلال التدابير والسياسات التي سيتخذها للتعامل مع هذا الواقع". ‏

وسجل أن هناك "إجراءات عملية تعاكس فعليا التزام الاتحاد الأوروبي بالشراكة مع ‏المغرب" الذي ينتظر اقتراحات وإجراءات عملية للجواب عن التساؤلات والتحديات التي تواجهها هذه الشراكة ".

وقال الوزير إن "‏الكرة الآن في ملعب الاتحاد الأوروبي لإيجاد حلول "، مشددا على أن "‏موقف المغرب واضح وينطلق من الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، والذي أكد فيه العاهل المغربي الملك محمد السادس أنه لا شراكات على حساب الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة المغربية".

وتعدّ قضية الصحراء المغربية المقياس الأساسي الذي يقيس به المغرب علاقاته الخارجية في إطار مقاربة أرسى دعائمها الملك محمد السادس وتوّجت بتوالي الاعترافات بسيادة المغرب على صحرائه واتساع قائمة الدول المؤيدة لمقترح الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة كحلّ وحيد للنزاع المفتعل.

وفرض المغرب طيلة جولات التفاوض مع التكتل موقفه المتمسك بضرورة احترام سيادته على الصحراء المغربية عند إبرام أي اتفاقية جديدة في مجال الصيد البحري ورفض منطق المساومة على وحدته الترابية.

وبعدما جدد التأكيد على أن التزام المغرب بالشراكة وبعلاقته مع الاتحاد الأوروبي" لن تكون بأي ثمن "، قال بوريطة إنه "‏بالنسبة للمغرب لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن تكون هناك توافقات على حساب الخطوط الحمراء" التي تضعها المملكة، مؤكدا أن "المغرب بقدر ما يعبر عن التزامه بهذه الشراكة، بقدر ما ينتظر التزاما فعليا من الاتحاد الأوروبي بهذه الشراكة وترجمته إلى أفعال ".

وخلص الوزير إلى أن المغرب يتطلع إلى رؤية "أدلة ملموسة بالنسبة لهذه الشراكة، وهو ما ننتظره في الأسابيع والشهور القادمة".

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والممثل السامي للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قد أكدا بعد ساعات قليلة من إصدار قرار بطلان الاتفاقيتين مع المغرب "التزام التكتل بالحفاظ أكثر على علاقاته الوثيقة مع الرباط وتعزيزها في كافة المجالات انسجاما مع مبدأ العقد شريعة المتعاقدين".

ورفضت العديد من الدول الأوروبية من بينها إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وهنغاريا وهولندا القرار، معلنة عن تمسكها بشراكتها الاستراتيجية مع الرباط.

ويعدّ الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للمغرب بنحو 70 في المائة من المبادلات، كما تضاعف حجم التبادل التجاري خلال الأعوام الأخيرة 3 مرات ولطالما أثار التعاون المتنامي بين التكتل والرباط غضب جبهة بوليساريو وداعمتها الجزائر، لا سيما وأن الدبلوماسية المغربية أحبطت العديد من مخططات اللوبيات المعادية لمصالح المملكة.

ووقّع المغرب والاتحاد الأوروبي، الاثنين بالرباط، اتفاقية بقيمة 190 مليون أورو (ما يناهز 2 مليار درهم) تهم البرنامج المندمج لإعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة من زلزال الحوز (2024 ـ 2028).

ووقع اتفاقية التمويل هذه الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، والمفوض الأوروبي المكلف بالجوار والتوسع أوليفر فارهيلي.

ويهدف هذا البرنامج، الذي يمتد على مدى سنتين (2024-2025)، إلى دعم الأسر المتضررة وتمكينها من تأهيل أو إعادة بناء مساكنها، والمساهمة في استئناف الخدمات العامة (الصحة والتعليم)، وإعادة تنشيط الاقتصاد وتعزيز التماسك الترابي في المناطق المتضررة من الزلزال.

وأكد لقجع في كلمته أن البرنامج المندمج لإعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، يعكس التزام الحكومة بالاستجابة للحاجيات الأساسية للساكنة المتضررة جراء الزلزال، مشيرا إلى أن "أزيد من 63 ألفا و800 أسرة متضررة قد تلقت مساعدة عاجلة".

كما أبرز الوزير أهمية إعادة استئناف الخدمات العمومية الأساسية، لاسيما في مجالي الصحة والتعليم، مع ضمان إنعاش الاقتصاد بالمناطق المتضررة.

وسلط الضوء، أيضا، على التضامن النموذجي للمجتمع المدني المغربي والجهود المتضافرة لمختلف الفاعلين من أجل ضمان إعادة بناء مستدامة وتعزيز صمود المناطق المعنية.

من جهته، أورد فارهيلي أن هذه المساهمة لا تروم فقط إعادة إطلاق المرافق العمومية الحيوية، بل إعادة إنعاش الاقتصاد المحلي.

وأشاد، في هذا الصدد، بانخراط البنك الأوروبي للاستثمار، وهو شريك رئيسي، بعد موافقته على تعبئة استثمارات ضخمة، مما يعكس دعم الاتحاد الأوروبي للمغرب ولساكنته التي تضررت من هذه الكارثة الطبيعية.

وتتمم هذه الاتفاقية الدفعة الأولى من المساعدات المقدرة بـ 380 مليون درهم (35.6 مليون أورو) التي تم صرفها في ديسمبر 2023، مما يرفع مجموع مساعدات الاتحاد الأوروبي إلى ما يفوق 2.4 مليار درهم (225 مليون أورو).

وفي هذا السياق، تم توجيه طلب تقديم مقترحات لمنظمات المجتمع المدني بقيمة تفوق 60 مليون درهم (5.7 مليون أورو) للحفاظ على التراث المحلي وتثمينه وتعزيز المشاركة الجماعية في جهود إعادة البناء.

وموازاة مع ذلك، وقع البنك الأوروبي للاستثمار في أكتوبر 2024 اتفاقا بغلاف مالي قدره 5.4 مليار درهم (500 مليون أورو)، أي الشطر الأول من قرض إجمالي يبلغ  10.7 مليار درهم ( 1 مليار أورو) بضمانة من الاتحاد الأوروبي، من أجل المساهمة في جهود إعادة البناء لمرحلة ما بعد الزلزال.