المغرب يحذّر دي ميستورا من عواقب زيارته إلى جنوب أفريقيا

الرباط - تلوح نذر أزمة بين المغرب والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا، على خلفية الزيارة غير المسبوقة التي قام بها الأربعاء الماضي لجنوب أفريقيا، استجابةً لدعوة من حكومتها لمناقشة قضية الصحراء رغم أنها ليست طرفا في النزاع لكنها مدفوعة بمساندة موقف الجزائر العدائي للرباط.
وفي خطوة لافتة، أعلن السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، السبت، رفض الرباط للزيارة، مؤكداً أن بلاده حذرت بوضوح من تداعياتها على العملية السياسية في المنطقة.
وقال في أول رد رسمي على الزيارة التي أثارت أكثر من علامة استفهام في المغرب حول دواعيها، إنه "لم تتم في أي لحظة استشارة المغرب أو حتى إبلاغه"، مشيراً إلى أنه "على العكس من ذلك، بمجرد ما علمنا بمشروع هذه الزيارة، قبل عدة أسابيع، أعربنا مباشرة لدي ميستورا، وكذلك للأمانة العامة للأمم المتحدة، عن اعتراض المغرب القاطع على هذه الزيارة، وكذا رفضنا لأي تفاعل مع بريتوريا بشأن قضية الصحراء المغربية، وقدمنا الأسباب المشروعة والموضوعية".
وتابع في مقابلة مع وكالة الأنباء المغربية "آمل ألا يتعلق الأمر بتحد للمغرب من طرف دي ميستورا، بل بمجرد سوء تقدير بسيط للموقف الحقيقي لجنوب أفريقيا. في كل الأحوال، قام المغرب بتحذيره وبوضوح، من عواقب زيارته على العملية السياسية".
وعن الأسباب التي حدت المغرب إلى الاعتراض على زيارة دي ميستورا لجنوب أفريقيا، قال هلال إن "أسس مهمة المبعوث الشخصي، في رسالة تعيينه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، تنص على أنه سيتعين عليه العمل حصراً مع الأطراف الأربعة المعنية بالعملية السياسية، وفي إطار قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007، ومن بينها القرار 2703 بتاريخ 30 أكتوبر الماضي.
وأشار إلى أن هذه "القرارات لا تشير البتة إلى جنوب أفريقيا، فبالأحرى أي دور أو مساهمة مزعومة لهذا البلد في العملية السياسية".
وشدد السفير الممثل الدائم للمغرب أنه "بعد أن أطلعت المبعوث الشخصي على مختلف العوامل التي تمنع تدخل جنوب أفريقيا في قضية الصحراء المغربية، سأقتصر على التذكير بأن هذا البلد يعترف بالكيان الوهمي ويدعم 'البوليساريو' سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا وعسكريا".
ولفت إلى أنه "لكل هذه الأسباب، فإن المغرب لن يسمح أبدا بأن يكون لجنوب أفريقيا أي دور في قضية الصحراء المغربية. لقد كانت بريتوريا وما تزال تكن الضغينة لقضية الصحراء المغربية".
وحول تصريحات وزيرة خارجية جنوب أفريقيا بأن المبعوث الأممي أحاطها علما بالمقاربات الراهنة التي تتم حاليا مناقشتها في الأمم المتحدة، أبدى عمر هلال اندهاشه "لأنني لست على علم بما تتحدث عنه وزيرة خارجية جنوب أفريقيا.. المغرب ليس على علم بأي مقاربة. وإذا كانت هناك مقاربات، فمن الحري مناقشتها مع المغرب وباقي الأطراف، وليس مع جنوب أفريقيا".
وبالنسبة للمملكة أضاف هلال "هناك مقاربة واحدة فقط، وهي المتمثلة في الموائد المستديرة، بمشاركة حصرية للمغرب والجزائر وموريتانيا و"البوليساريو"، طبقا لما أوصت به قرارات مجلس الأمن المتتالية".
وأكد أن المغرب "يعرب عن أمله في أن يكرس دي ميستورا جهوده بشكل أكبر لإقناع الجزائر باستئناف مفاوضات الموائد المستديرة، كما كان الحال في سنتي 2018 و2019. لديه تفويض واضح وقوي من مجلس الأمن بهدف تسهيل التوصل إلى حل سياسي وواقعي وعملي ودائم وقائم على التوافق لهذا النزاع الإقليمي".
وذكّر هلال بأنه "لهذه الغاية، وضع العاهل المغربي الملك محمد السادس معالم الطريق نحو التسوية النهائية لهذا النزاع الإقليمي، من خلال المبادرة المغربية للحكم الذاتي، في إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية”، لافتا إلى أن "رؤية الملك تستمد قوتها من القانون الدولي، وشرعيتها من التزامها بالمعايير التي أرستها قرارات مجلس الأمن. ويعزز الاعتراف الواسع والدعم الدولي لمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي، الرؤية الملكية لأقاليمنا الصحراوية، المغربية بشكل نهائي وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها".
وحملت الزيارة التي أجراها دي ميستورا إلى بريتوريا تساؤلات حول مستقبل علاقته مع الرباط، وهل أصبح حبل الثقة بين المملكة والمسؤول الأممي الإيطالي ضعيفا.
وراكم الدبلوماسي السويدي الإيطالي المخضرم "الكثير من الخيبات" في أبرز ملف تولاه، وهو الحرب السورية، فبعد أربع سنوات من جهود التوصل إلى حل تنحى عن مهمته لأسباب قال إنها "شخصية".
ومن الأزمة السورية يأتي دي ميستورا لتولي مهمة حل نزاع الصحراء المغربية المفتعل، لكن منذ تعيينه سنة 2021 لم ينجح في إقناع الجزائر بالعودة إلى طاولات المفاوضات، وذلك من أجل تطبيق قرارات مجلس الأمن، وهي المعضلة التي تواصل الرباط التنبيه إليها.
عوض التركيز على هذا المعطى، قرر دي ميستورا التوجه نحو جنوب أفريقيا، التي تلعب أوراق الجزائر العدائية نفسها في ملف الصحراء، بثوب الدفاع عن الشعوب المتحررة، خاصة في الظرفية الراهنة، حيث يسعى الحزب الحاكم قبل الانتخابات المقبلة إلى لعب أوراق القضية الفلسطينية، والصحراء المغربية.
والتقى دي ميستورا بمسؤولي بوزيرة الخارجية لبحث قضية الصحراء، حيث تكتمت الخارجية على تفاصيل الاجتماع مع تأكيد ناليدي باندور في لقاء صحفي أنها تحتاج إلى وقت لتقديم الرد على "المقترحات"، وكررت أن "المناقشة كانت مفيدة". فيما برر الناطق الرسمي باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الزيارة قائلا "دي ميستورا يذهب للتحدث مع الأطراف التي يعتقد أنه يريد نقاش الملف معها، فهذا جزء من ولايته".
وتعيد زيارة دي ميستورا لجنوب أفريقيا إلى الأذهان ما عاشته العلاقة بين المغرب والأمم المتحدة في مارس 2016 من أزمة بعد اتهام الرباط للأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون بـ"التخلي عن حياده وموضوعيته" خلال زيارته للمنطقة، وبالوقوع في "انزلاقات لفظية"، ولا سيما وصفه الصحراء بأنها "أرض محتلة".
وعبرت الرباط حينها عن "احتجاجها القوي على تصريحات الأمين العام الأممي حول قضية الصحراء المغربية"، مؤكدة أن "هذه التصريحات غير ملائمة سياسيا، وغير مسبوقة في تاريخ أسلافه ومخالفة لقرارات مجلس الأمن". وشددت الحكومة المغربية في بيانها على أن "هذه التصريحات المسيئة تمس بمشاعر الشعب المغربي قاطبة".
ونقل موقع "هسبريس" محمد نشطاوي خبير في العلاقات الدولية، أن زيارة دي ميستورا يجب أن ترى من زاوية أخرى، خاصة أن دوجاريك بيّن أن المبعوث الأممي يريد التحدث مع جميع الأطراف التي تهتم بالملف.
وأضاف نشطاوي أن "المغرب يرى وفق المتغيرات الحاصلة أن زيارات دي ميستورا، سواء إلى الجزائر أو جنوب أفريقيا، لا يمكن أن تغير من الواقع، الذي يعيش على وقع ارتفاع أسهم مبادرة الحكم الذاتي، ما يعني أن فقدان الثقة فيه من عدمها غير مهم".
وأوضح الخبير في العلاقات الدولية أن "ملف الصحراء حسم للمغرب منذ زمن طويل، إذ إن هنالك قنصليات في العيون والداخلة، مع تصاعد وتيرة المسلسل التنموي في الأقاليم الجنوبية"، وشدد على أن هاته الزيارة من الممكن أن تكون محاولة من دي ميستورا وفق القرار الأممي الأخير "لإقناع جنوب أفريقيا بمخطط الحكم الذاتي"، مشيرا إلى أن “مجلس الأمن كان واضحا بخصوص هاته المسألة".
ويقول مراقبون إن ما قام به دي ميستورا من إقحام جنوب أفريقيا، يعدّ خطيئة دبلوماسية خطيرة، وانحياز واضح للطرح الانفصالي، وهذا ما لا يمكن للمغرب القبول به، إذ أن الأمم المتحدة وموظفيها يفترض فيهم الحرص على الحيادية والاستقلالية والبعد عن كل ما يمكن أن يعرقل مسار إنهاء النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء.
ويستبعد مراقبون أن يطلب المغرب في الوقت الراهن إعفاء المبعوث الأممي أو استبداله، مشيرين إلى أنه سيستعمل الطرق الدبلوماسية غير العلنية في البداية عبر الاتصال بالأمين العام للأمم المتحدة وطلب إجابة مقنعة عن الموضوع. وبعدها سيتخذ القرار المناسب.