المغرب يحث الخطى نحو استثمار موارد الغاز

الحكومة تستهدف زيادة الإنتاج إلى 400 مليون متر مكعب سنويا من مشاريع في سواحل الأطلسي.
الاثنين 2024/08/26
الاكتشافات لن تتوقف

قطع المغرب شوطا نحو ترجمة خططه إلى استثمار مكامن موارد الغاز الطبيعي على سواحله الأطلسية، في مسعى حثيث منه لتحقيق أقصى استفادة من هذه الصناعة المهمة عبر زيادة الإنتاج التجاري لتغطية الطلب المتنامي والحد قدر الإمكان من الاستيراد.

الرباط - يراهن المغرب على مشروعين جديدين لإنتاج الغاز بإمكانيات إجمالية تُقدر بأكثر من 28 مليار متر مكعب، لتقليص واردات الطاقة، خصوصا أنهما في مراحل متقدمة قبل الوصول إلى الإنتاج التجاري في غضون السنوات القليلة المقبلة.

ويرى المسؤولون الحكوميون أن الغاز الطبيعي المسال يعد مصدرا نظيفا للحصول على الطاقة، ويناسب أهداف البلاد المتعلقة بخفض انبعاثات الكربون.

وتقود شركة إنيرجين البريطانية أكبر هذه المشاريع من خلال رخصة التنقيب في حقل أنشوا البحري على سواحل المحيط الأطلسي، والذي يُعتبر أكبر اكتشاف غير مطور في البلاد باحتياطيات مؤكدة تبلغ 18 مليار متر مكعب.

أما المشروع الثاني فيعود لشركة مناجم المحلية، التي استحوذت مؤخرا على حصة تعود للشركة البريطانية ساوند إنيرجي في حقل تندرارا البري شرق البلاد، بموارد تُقدر بنحو 10.67 مليار متر مكعب.

وتتعامل السلطات بحذر مع إعلانات الشركات الأجنبية المُنقبة عن الوقود الأحفوري، نظرا إلى أنها لم تبدأ مرحلة الإنتاج التجاري. لكن مشروعي أنشوا وتندرارا يترددان دائما على لسان المسؤولين في وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، كأكثر مشاريع التنقيب موثوقية.

بادي بلوير: شركة إنيرجين تعلق آمالا كبيرة على حقل أنشوا البحري
بادي بلوير: شركة إنيرجين تعلق آمالا كبيرة على حقل أنشوا البحري

ولا يتجاوز إنتاج المغرب من الغاز الطبيعي 100 مليون متر مكعب سنويا من حقول صغيرة، ويستورد باقي احتياجاته المُقدرة بنحو مليار متر مكعب سنويا من السوق الدولية، حيث يرتبط بخط أنابيب مع إسبانيا يُسهل عليه الاستيراد.

وكانت البلاد تعتمد على جارتها الجزائر إلى حد كبير للحصول على الغاز اللازم لإنتاج الكهرباء عبر خط الأنبوب المغاربي الأوروبي، واستعماله في قطاع الفوسفات بالدرجة الأولى، إلى أن قُطعت العلاقات الدبلوماسية بينهما بشكل نهائي عام 2021، ما حال دون تجديد عقد التوريد.

ودخل مشروع أنشوا الأسبوع الماضي مرحلة مهمة، فقد أعلنت إنيرجين شروع سفينة ستينا فورث في عمليات الحفر.

وقال مستشار الاتصالات الإستراتيجية في الشركة بادي بلوير لبلومبيرغ الشرق إن “السفينة ستحصل على البيانات اللازمة لاتخاذ قرار استثماري نهائي بشأن تحويل المشروع إلى عملية إنتاج تجارية”.

وقد يتحقق الإنتاج في أنشوا خلال عام 2026، وسيكون مخصصا لإنتاج الكهرباء، بحسب أدونيس بوروليس، الرئيس التنفيذي لشركة شاريوت إنرجي والذي أشار إلى أن ذلك يتطلب ضخ مئات الملايين من الدولارات من الاستثمارات مع عدد من الشركاء.

وتأمل إنيرجين بعدما تخارجت مؤخرا من السوق المصرية بغية الاستثمار في إسرائيل والمغرب أن تتخذ قرارا استثماريا بشأن هذا المشروع في غضون السنوات القليلة المقبلة. وأوضح بلوير أن الشركة “تعلق آمالا كبيرة على هذا المشروع لتكرار نجاحنا في تحقيق أمن الطاقة من خلال الإنتاج المحلي الجديد”.

وفي يونيو الماضي، أصبحت مناجم، العاملة في استخراج المعادن النفيسة في أفريقيا، مالكة لحصة 55 في المئة من مشروع تندرارا للغاز الذي يمتد على 23 ألف كيلومتر مربع شرق البلاد، إلى جانب ساوند إنيرجي بحصة 20 في المئة.

أما الحصة المتبقية للمشروع الذي تقدر احتياطياته بحوالي 10.67 مليار متر مكعب تحت ترخيص يمتد لربع قرن، فتعود إلى المكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن الحكومي.

وسبق أن صرح عماد تومي الرئيس المدير العام للشركة قائلا إن “دخول مناجم في هذا المشروع سيمضي قُدما بمساعي توفير طاقة نظيفة للقطاع الصناعي المحلي، وتحقيق السيادة في مجال الطاقة والتأثير إيجابيا على الميزان التجاري”.

وفي أغسطس 2021، أعلنت شركة أوروبا أويل آند غاز، المدرجة في بورصة لندن، عن اكتشاف احتياطات ضخمة من الغاز بسواحل أغادير، مما أعطى آملا للرباط من أجل الحصول على إيرادات مستدامة مستقبلا بعد بدء عمليات الإنتاج رسميا.

ويتجاوز الاحتياطي المكتشف قرابة ملياري برميل من المكافئ النفطي في حقل إنزكان أوفشور، بعد حفر مجموعة من الآبار بالمنطقة البحرية وذلك على مساحة تغطي أكثر من 11 ألف كيلومتر مربع.

عماد تومي: دخول مناجم في مشروع تندرارا سيسهم في سيادة الطاقة
عماد تومي: دخول مناجم في مشروع تندرارا سيسهم في سيادة الطاقة

ويُتوقع أن يرتفع استهلاك البلاد من الغاز من 1.1 مليار متر مكعب العام المقبل، يتم الحصول عليه من السوق الدولية من خلال تعاون مع الدول الشريكة، وهي إسبانيا والبرتغال وفرنسا.

ومن المرجح أن يبلغ 1.7 مليار متر مكعب مع نهاية هذا العقد، و3 مليارات متر مكعب بحلول 2040، وفق توقعات للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. وسيتحول رفع الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي من خلال المشاريع المزمعة هدفا إستراتيجيا للبلاد نظرا إلى إمكانية تخفيفه لفاتورة الواردات.

وكانت وزيرة الانتقال الطاقي ليلى بنعلي قد قالت قبل فترة إن بلادها تستهدف زيادة إنتاج الغاز إلى 400 مليون متر مكعب سنويا في الأعوام القليلة المقبلة، من 100 مليون متر مكعب حاليا، ما يغطي 40 في المئة من الاستهلاك المحلي.

وأشارت على هامش منتدى بلومبيرغ للاقتصاد الجديد في أفريقيا المنعقد بمراكش يونيو الماضي، إلى أن هناك اكتشافات جديدة تخضع للتطوير في منطقتي تندرارا والعرائش بقُدرة إنتاجية تناهز 300 مليون متر مكعب على الأقل. وأوضحت أن تلك الاكتشافات ستغطي احتياجات إنتاج الطاقة الكهربائية لمدة تصل إلى عقدين من الزمن.

وتؤثر أسعار منتجات الطاقة وحجمها الذي ينمو باستمرار على تفاقم عجز الميزان التجاري للبلاد، فقد بلغت تكلفتها العام الماضي نحو 12.5 مليار دولار، بانخفاض 20 في المئة بمقارنة سنوية، وفق مكتب الصرف الذي يرصد حركة التجارة الخارجية.

ويخطط المغرب لتحديث بنيته التحتية من خطوط الأنابيب والموانئ لتأمين الإمدادات من الخارج، وفق إستراتيجية طويلة المدى.

وفي يونيو 2023، دخلت وزارة الانتقال الطاقي في شراكة مع مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي لتنظيم شراكة بين القطاعين العام والخاص لتطوير بنية تحتية مستدامة لقطاع الغاز في إطار خارطة طريق الحكومة لتنمية هذا المورد.

وتأتي الخطوة ضمن خطة التحول الأخضر التي تتمحور حول جعل الطاقة النظيفة تمثل أكثر من نصف القدرة الإنتاجية للكهرباء للبلاد بحلول نهاية العقد الحالي.

11