المغرب يتعامل بحزم مع محاولة الإساءة لعلاقته مع السعودية على مواقع التواصل

إجراءات جديدة لمحاصرة الجرائم الإلكترونية على الإنترنت.
الأربعاء 2025/03/26
ممنوع الخروج عن النص

ينتهج المغرب سياسة حازمة في التعامل مع من يعمدون إلى الإساءة لعلاقات البلاد وصورتها الخارجية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وفي هذا الإطار تم الحكم بالسجن على ناشط إسلامي نشر تدوينات مسيئة للسعودية تعتبر "جرائم جنائية" يعاقب عليها بالسجن.

الرباط - تتعامل السلطات المغربية بحزم مع أي محاولة للإساءة إلى علاقاتها مع الدول، والتي تستغلها بعض التنظيمات الإسلامية في منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أمر القضاء المغربي بسجن ناشط إسلامي أساء للسعودية.

وقضت محكمة مغربية الإثنين بالسجن النافذ عاما واحد في حق ناشط في جماعة العدل والإحسان الإسلامية المعارضة لإدانته “بالتشهير”، بسبب تدوينات على فيسبوك حول الحرب في غزة اعتبرت مسيئة للسعودية، وفق ما أفاد محاميه.

وقال المحامي محمد النويني إن المحكمة الابتدائية بخريبكة في ضواحي الدار البيضاء، أدانت الناشط محمد البوستاتي “بالسجن عاما نافذا بتهمة التشهير” وهو موقوف منذ أواخر فبراير. وأوضح أن المحاكمة استندت على شكوى من إدارة المباحث السعودية “بخصوص تدوينات اعتبرتها مسيئة لمؤسسات ورموز سعودية.”

وأضاف أن تلك التدوينات تتعلق بانتقادات “سياسية عامة” لمواقف دول عربية إزاء الحرب في غزة والتطبيع مع إسرائيل، من دون إعطاء تفاصيل حول مضامينها.

وأشار المحامي إلى أن المتهم “أنكر بعضها وقال إنه حسابه على فيسبوك تعرض للاختراق.” لكن المحكمة اعتبرت أن التدوينات موضوع الملاحقة تنطوي على “تشهير.”

إدانة الناشط محمد البوستاتي الموقوف منذ أواخر فبراير "بالسجن عاما نافذا بتهمة التشهير"

وتعد جماعة العدل والإحسان الإسلامية ذات التوجه الصوفي أبرز المنظمات المعارضة في المغرب ومن بين الأكثر تأييدا لحركة حماس الفلسطينية. وهي محظورة رسميا لكن تمارس نشاطات.

ويرى متابعون أن الحزم والشدة ضروريان مع من يعمدون إلى الإساءة للدول الأخرى وتوجيه الإهانات للحكام والأنظمة والتدخل في شؤونها الداخلية، والتسبب في الإضرار بصورة البلاد وضرب علاقاتها مع الدول الشقيقة والصديقة.

ويضيف هؤلاء أن حرية التعبير يجب أن تكون مؤطَّرة تحترم حرية الآخر وتقف عند حدودها، وضد الفوضى ونشر الأفكار الهدّامة، خاصة بغرض الإساءة، خصوصا مع ازدياد هذه الممارسات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري قضت المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء في 3 مارس الجاري، بحبس الناشط فؤاد عبدالمومني، الأمين العام لفرع منظمة “ترانسبارنسي” لمدة 6 أشهر نافذة بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها 2000 درهم (حوالي 200 يورو)، بتهمة “الإساءة إلى مؤسسات الدولة، نشر مزاعم كاذبة، والإبلاغ عن جريمة وهمية يعلم بعدم وجودها.”

واستندت الملاحقة القضائية لفؤاد عبدالمومني إلى تدوينة كان قد نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، تزامنت مع الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب في الفترة ما بين 28 و30 أكتوبر الماضي. تضمنت تعبيرا مسيئا للبلاد وتجاوزا على الدولة.

واعتبر نائب الوكيل العام للملك لدى المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء أن هذه المتابعات تعود إلى “نشر بيانات ومزاعم تمس مصالح المملكة،” مشيرا إلى أنها “تجاوزت حدود حرية التعبير وتمثل عناصر جريمة يعاقب عليها القانون.”

المغرب يسعى إلى تعزيز الترسانة التشريعية وملاءمتها مع مختلف الاتفاقيات الدولية لمواجهة الجرائم الإلكترونية المستجدة بجميع أشكالها

وتؤكد السلطات المغربية على مواجهة “التشهير” و”المساس بالحياة الخاصة وحريات الناس” على مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها “جرائم جنائية” يعاقب عليها بالسجن.

وأفادت وزارة الداخلية المغربية في وقت سابق، أنه تم تسجيل لجوء بعض الأشخاص إلى القيام بخرجات في مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية، يتم من خلالها مهاجمة مؤسسات أمنية وطنية عبر الترويج لمزاعم ومغالطات هدفها تضليل الرأي العام الوطني والإساءة إلى صورة المؤسسات وتبخيس عملها والتشكيك في طبيعة أدائها.

وتعمل السلطات على تعزيز الحماية على الفضاء الرقمي باتخاذ إجراءات جديدة لمحاصرة الجرائم الإلكترونية حيث أعلن وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي عن إعداد تعديلات قانونية شاملة لمكافحة الجريمة الإلكترونية تهدف إلى تجاوز التحديات الحالية من خلال ضمان التوازن بين حماية الحقوق الرقمية وحرية التواصل.

ولفت وهبي الاثنين إلى أن المغرب يشهد طفرة تكنولوجية غير مسبوقة أدت إلى بروز تحديات قانونية تتعلق باستغلال الفضاء الرقمي في ارتكاب أفعال إجرامية مثل الاحتيال الإلكتروني ونشر الأخبار الزائفة والسب والقذف الرقميين واستدراج الأشخاص عبر الإنترنت.

وسلط الضوء على الجهود القانونية التي تبذلها الحكومة لتقنين التعاملات عبر الإنترنت ومكافحة الجرائم الرقمية، مؤكّدا على أهمية تعزيز الحماية القانونية للمستهلكين والمؤسسات، وهو ما يستوجب إستراتيجيات تشريعية متطورة لإدارة هذه المخاطر المرتبطة بالعالم الافتراضي.

الحكومة تعد تعديلات قانونية شاملة لمكافحة الجريمة الإلكترونية لضمان التوازن بين حماية الحقوق الرقمية وحرية التواصل

ويسعى المغرب إلى تعزيز الترسانة التشريعية وملاءمتها مع مختلف الاتفاقيات الدولية لمواجهة الجرائم الإلكترونية المستجدة بجميع أشكالها، في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم وتوسع نطاق التجارة الإلكترونية في البلاد.

وتعود جهود المملكة في سد الثغرات التشريعية المتعلقة بهذه الجرائم الى العام 2003 حيث أُدرجت إصلاحات على مجموعة القانون الجنائي، وإقرار قوانين جديدة تعزز حماية البيانات والمعاملات الإلكترونية. كما شملت هذه الاصلاحات قانون القضاء العسكري لمكافحة الجرائم المعلوماتية التي قد تستهدف أنظمة الدفاع الوطني.

وشدد وهبي على الدور المحوري لقانون الصحافة والنشر في مكافحة الجرائم الإلكترونية والذي يجرم نشر الأخبار الزائفة عبر الوسائط الرقمية والتحريض على العنف أو الاحتيال الإلكتروني.

وانخرط المغرب في اتفاقيات دولية في هذا المجال، إذ صادق على اتفاقية بودابست عام 2018، وانضم الى البروتوكول الإضافي الثاني الخاص بتجريم الأفعال العنصرية عبر الإنترنت في 2022، الذي من شأنه أن يحسن قدرات الدول الأعضاء في مجال التعاون. كما سيساهم في تعزيز التعاون مع مزودي الخدمات، مما سيمكن الدول من الحصول على وسائل الإثبات الإلكترونية خلال الأبحاث أو المساطر الجنائية، بالإضافة الى الرفع من قدرات جميع الفاعلين في مجال العدالة الجنائية ومساعدتهم على الحد من الجرائم المعلوماتية في ظل ضمان احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وتركزت مقتضيات البروتوكول حول مجموعة من المحاور أبرزها إرساء آليات بسيطة لإصدار الأوامر والطلبات لمزودي الخدمات التابعين لدول أخرى من أجل الكشف عن معلومات حول المشتركين أو بيانات حركتهم خارج نطاق طلبات التعاون القضائي الدولي.

كما تضمن التنصيص على الوسائل السمعية البصرية في مجال الأبحاث الجنائية المشتركة، بالإضافة إلى التنصيص على ضمانات إضافية من أجل إعمال حماية أفضل للمعطيات ذات الطابع الشخصي المتداولة في إطار تطبيق هذا البروتوكول الإضافي.

وفي أغسطس 2024، شاركت المملكة في أشغال اللجنة المخصصة لوضع اتفاقية دولية شاملة بشأن مكافحة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض إجرامية، حيث أفضت إلى وضع إطار عالمي موحد خاص بمكافحة الجرائم الإلكترونية، وسيتم عرض هذه الاتفاقية على الجمعية العامة للأمم المتحدة في إحدى الدورات المقبلة قصد فتحها أمام مصادقة الدول الأعضاء.

5