المغرب يتجه إلى طي صفحة سياسة التشديد النقدي

تراقب الأوساط الاقتصادية والمالية باهتمام ما ستؤول إليه تحركات البنك المركزي المغربي في الفترة المقبلة بعدما لوحظ هدوء في مؤشر التضخم خلال الأسابيع الماضية، وسط ترجيحات بطي صفحة سياسات التشديد النقدي وإعطاء الاقتصاد دفعة رغم المطبات.
الرباط - اتفقت مختلف التوقعات الصادرة عن مراكز الأبحاث والمحللين الاقتصاديين على سيناريو إبقاء البنك المركزي المغربي سعر الفائدة الرئيسي عند ثلاثة في المئة خلال اجتماع مجلسه المرتقب الثلاثاء.
وكان المركزي قد لجأ إلى تشديد سياسته النقدية منذ سبتمبر الماضي برفع الفائدة ثلاث مرات لكبح أكبر موجة تضخم شهدها المغرب منذ تسعينات القرن الماضي، وقرر التوقف مؤقتا في يونيو لتمرير الزيادات إلى السوق.
ويأخذ صناع القرار النقدي في المغرب بعين الاعتبار قراري المركزي الأوروبي والفيدرالي الأميركي، لكن لا يتبعهما بالضرورة، فهو يعتمد بشكلٍ أساسي على مسار التضخم في البلاد وفقا لمعطيات المندوبية السامية للتخطيط، الهيئة الحكومية المكلفة بالإحصاءات.
ويبدو أن رهان الرباط على كبح التضخم تحقق نسبيا، فبعدما بلغ ذروته في فبراير الماضي بنسبة 10.1 في المئة، سجل تباطؤا لخمسة أشهر متتالية حتى يوليو الماضي حين وصل إلى 4.9 في المئة، قبل أن تتسارع وتيرته قليلا إلى خمسة في المئة بنهاية أغسطس.
وكان متوسط أسعار الاستهلاك قد بلغ العام الماضي حوالي 6.6 في المئة مقابل 1.5 في المئة خلال العقدين الماضيين.
ويرى يوسف كراوي فيلالي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أن لا شيء يستدعي زيادة الفائدة.
وقال في حديث مع اقتصاد الشرق من بلومبرغ إن “الأسعار ما زالت مرتفعة، لكن ليست هناك موجة تضخمية كبيرة تستدعي تشديد السياسة النقدية، لذلك من المرجح أن يتم الإبقاء على السعر الحالي حتى نهاية العام".
وإلى جانب السياسة النقدية المتشددة، دعمت الحكومة القدرة الشرائية للمواطنين عبر ضخ الأموال في صندوق المقاصة الذي يدعم أسعار السكر والدقيق وغاز الطهي.
كما أقرّت دعما ماليا استثنائيا للعاملين في قطاع نقل المسافرين والبضائع لمواجهة ارتفاع أسعار المحروقات.
ويتفق الخبير الاقتصادي إدريس الفينة رئيس المركز المستقل للتحليلات الإستراتيجية مع سيناريو الإبقاء على الفائدة دون تغيير.
وأرجع ذلك إلى تباطؤ معدل التضخم منذ بداية العام الجاري، وحذر في حديث مع بلومبرغ الشرق من سيناريو الرفع، معتبرا أن "ذلك سيؤثر أكثر على الاقتصاد الذي ما زال يعاني من عدة تحديات".
وتوقع إبقاء الفائدة دون تغيير ورد أيضا ضمن نتائج الاستطلاع الدوري، الذي أجراه المركز التجاري للأبحاث لدى 35 كيانا ماليا الأكثر تأثيرا في السوق المغربية.
وقد أجمعوا بنسبة 96 في المئة على سيناريو إبقاء سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير، فيما كانت نسبة من رجحوا الزيادة بنسبة 25 نقطة أساس في حدود ثلاثة في المئة، أما الباقي، فيراهنون على سيناريو خفض السعر.
وأشار مكتب الأبحاث والتحليلات المالية بي.أم.سي.إي كابيتال غلوبال ريسيرش في تقرير أصدره الأسبوع الماضي إلى أن "القرارات التي سيتم اتخاذها خلال اجتماع المركزي لن تكون مدفوعة هذه المرة بالاعتبارات الاقتصادية والنقدية فقط".
وقال معدو التقرير "سيكون على البنك الأخذ بعين الاعتبار الوضع الوطني الجديد الناتج عن الزلزال المدمر الذي وقع في الثامن من سبتمبر، الذي لم يتم تحديد مدى آثاره بشكل واضح بعد".
وخصص المغرب برنامجا بميزانية تُناهز 120 مليار درهم (11.6 مليار دولار) لإعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال الذي ضرب وسط البلاد، وكان الأعنف منذ أكثر من قرن، إذ أودى بحياة قرابة ثلاثة آلاف شخص.
ونوه التقرير الصادر عن مكتب الأبحاث بأن المركزي المغربي سيحافظ على سياسة نقدية تيسيرية من خلال إبقاء الفائدة الرئيسي دون تغيير.
وأشار إلى أنه سيأخذ بعين الاعتبار الأموال التي ستحشدها السلطات لمساعدة السكان المتضررين، وتمويل إعادة إعمار المناطق المدمرة.
والخميس الماضي، أقرت الحكومة مرسوما يقضي برفع الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات بنسبة 5 في المئة إلى 3111 درهما (304 دولارات) بدءا من الشهر الجاري.
وقال مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، في مؤتمر صحفي إن هذه الزيادة "تهدف إلى تحسين القدرة الشرائية تنفيذا لاتفاق أبريل 2022 الموقع مع أرباب العمل والنقابات العمالية القاضي برفع الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص 10 في المئة على دفعتين".
وكانت الزيادة الأولى قد تمت في سبتمبر من العام الماضي بنسبة خمسة في المئة، حيث وصل الحد الأدنى آنذاك إلى 2970 درهما، فيما بُرمجت الزيادة الثانية بالنسبة نفسها في الشهر الجاري.
وشمل القرار الجديد أيضا زيادة الحد الأدنى لأجور القطاع الزراعي، الذي يناهز حاليا 2193 درهما (214 دولارا)، إذ سيرتفع إلى 2303 دراهم (225 دولارا).
بحسب الأرقام الرسمية التي قدمها وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات يونس السكوري، فإن حوالي 300 ألف مشتغل في القطاع الزراعي لا يصلون إلى الحد الأدنى للأجور، ومن المرتقب أن يتم رفعه سنويا ليصل إلى مستوى القطاعات الأخرى.
ولم تصدر بعد أي أرقام رسمية حول حجم الخسائر الاقتصادية للزلزال، لكن الحكومة قدّرت أن المنازل المتضررة، بشكل كلّي أو جزئي، وصلت إلى حوالي 50 ألفا.
ومن المرتقب أن يشمل برنامج إعادة الإعمار في المرحلة الأولى ستة مناطق متضررة يقطنها حوالي 4.2 مليون نسمة.
ويرجح مكتب الأبحاث والتحليلات المالية بي.أم.سي.إي كابيتال غلوبال ريسيرش أن يقوم المركزي المغربي بخفض جديد لتوقعات النمو الاقتصادي إلى ما دون 2.4 في المئة المتوقع في يونيو، آخذا بعين الاعتبار آثار الزلزال على النشاط الاقتصادي في المملكة.
وتتوقع الحكومة المغربية 3.4 في المئة كمعدل نمو اقتصادي، مقابل أربعة في المئة المتوقع سابقا ضمن ميزانية 2023.
كما تسعى جاهدة لتخفيف آثار الزلزال على حركة الاقتصاد، عبر مبادرات عدّة من ضمنها استحداث صندوق لجمع التبرعات بلغت حصيلته الأولية أكثر من تسعة مليارات درهم (876 مليون دولار).
وتوصل المغرب إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.3 مليار دولار لتعزيز الصمود في مواجهة الكوارث المرتبطة بالمناخ.