المغرب بوابة أفريقيا للذكاء الاصطناعي

يشهد الذكاء الاصطناعي في المغرب وأفريقيا تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، ففي أفريقيا بشكل عام تتزايد جهود استخدام هذا المجال التكنولوجيا الجديد في مجالات عديدة، من بينها النقل والزراعة والصحة. ويتم تطوير حلول تتناسب مع الاحتياجات الخاصة بالقارة، مما يساهم في تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية.
أصيلة (المغرب) ـ أكد خبراء مختصون في التكنولوجيا والبرمجة، بأن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة وتحديًا كونيا يشمل كل الدول سواء المنتجة لمنتجات هذه الثورة التكنولوجية أو المستهلكين لها، كما أكد هؤلاء في ندوة احتضنها مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي، عشية الأربعاء، الذكاء الاصطناعي يمثل منعطفًا حاسمًا في قلب الثوابت والتقنيات الاقتصادية والفكرية والعلمية وكل مناحي حياة الإنسان، حيث يجلب معه آفاقًا جديدة وإمكانات غير محدودة، من خلال تحسين العمليات الإنتاجية ما يمثل تحديا على مهن كثيرة إضافة إلى حوكمة هذا المجال الذي يتطور على مدار الساعة.
التحديات
في مداخلة له بالندوة في موضوع “الذكاء الاصطناعي: أي حكامة في أفريقيا في عصر الرقمنة”، بتعاون بين منتدى أصيلة ومركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، ميز في البداية إسماعيل التيجاني، مهندس حاصل على الدكتوراه في الذكاء الاصطناعي، بين الروبوتات والذكاء الاصطناعي بحكم الخلط السائد بينهما، موضحا أن الأولى هي تعويض وتوفير للمجهود البدني للبشر بعمل الآلة، في حين أن الذكاء الاصطناعي هو تعويض للمجهود الذهني للإنسان بذكاء الآلة.
كما تحدث التيجاني عن نظريتين مهيمنتين في مجال الذكاء الاصطناعي، الأولى تسمى نظرية التفكير الأوتوماتيكي، وتقوم على قاعدة المعلومات، والثانية هي نظرية التعلم، وتقوم على تزويد الآلة بقاعدة معلومات وجعلها تتعلم من خلال الملاحظات لتقوم بعملية التمييز والتصنيف.
وتطرق المهندس المغربي إلى ميدان اشتغال الذكاء الاصطناعي في مجالي معالجة الصور والكتابة. وأعطى مثالا بـ”شات جي تي بي”. ووجه كلامه في هذا الصدد إلى الطلبة، الذين حضروا بكثافة، إن عليهم معرفة حسن اختيار تخصصاتهم بحكم أن الذكاء الاصطناعي يهدد العديد من المهن مثل الغرافيزم والديزاين والصحافة المكتوبة والترجمة والهندسة وسواها.
وإذا كان الذكاء الاصطناعي برمجيات وأجهزة إلى جانب طموح لتحسين جودة الحياة، حيث يساهم في تطور مجالات عديدة من قبيل الطب والتعليم والصناعة وغيرها، فقد نبه إسماعيل التيجاني إلى الاستثمار في المدارس المتخصصة في هذه المهن، مع استحضار التحولات الرقمية على مستوى برامج التعليم، لأن العديد من المهن والتخصصات في طريقها للانقراض أو فقدان قيمتها، مؤكدا أن المغرب لا ينتج هذه التكنولوجيات الدقيقة ولا يلوح ذلك في الأفق، وأنه كما كل بلدان القارة السمراء يكتفي باستهلاك ما يرد عليه من الغرب.
من جهته، قال عبدالإله كديلي، رئيس مؤسسة تمكين، إن الذكاء الاصطناعي يحبل بإمكانات هائلة، ويفتح آفاقا واعدة تعمل مؤسسته على التعريف بها وتحسيس المتعلمين بقيمتها مستقبلا. وأضاف أن الذكاء الاصطناعي، بعيدا عما يثيره لدى الناس من هواجس، يفتح المجال أمام مهن جديدة.
وأضاف المتحدث أن جهد مؤسسته ينصب على جانب للتعريف والتحسيس بأهمية التكوين لأطر جديدة في هذا الباب.
وأبرز أن العلاقة بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي تبادلية إذ كل منهما يتعلم من الآخر. وعقد رهانه على الشباب لاستجلاء ما يفيض به هذا الميدان من تطور استثنائي.
ووقفت رجاء بنسعود، مختصة في العلاقات الدولية، عند الاهتمام الكبير الذي أضحى يحظى به الذكاء الاصطناعي بعدما تم تعميمه على الجميع، في حين لم يكن قبل عشرة أعوام يلقى هذا الاهتمام لاقتصاره على المتخصصين فقط.
وتحدثت عن ثورة في استعمال الذكاء الاصطناعي مما أعطاه هذه المكانة الاستثنائية في حديث الناس، كما تطرقت إلى مسألة الحكامة في التعاطي مع الذكاء الاصطناعي، مقرة بغياب أيّ تأطير قانوني له إلى حد الآن، ذلك أن لهذه التكنولوجيا الجديدة مزاياها على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي غير أن لها أيضا مخاطر لا ينبغي إغفالها.
وأوضحت المتدخلة أن الاستخدام غير السليم للذكاء الاصطناعي في الشركات والمقاولات وعلى المستوى الاجتماعي يؤدي إلى مشاكل كبيرة في ظل غياب قوانين تؤطر استعمالاته على المستوى الدولي، إذ لا توجد اتفاقيات دولية في هذا الباب، وانطلاقا من تشجيع الابتكار في الذكاء الاصطناعي وتأهيل الكفاءات اعتبرت رجاء بنسعود أن الذكاء الاصطناعي يبقى علبة سوداء حيث لا يمكن توقع ما قد يأتي به مستقبلا، ونفت وجود صناع محتوى بالمعنى الحقيقي في القارة السمراء، كما أكدت أن الذكاء الاصطناعي في الوقت الذي يحجب مهنا يخلق أضعافها.
أفريقيا والرقمنة
واعتبر المتدخلون أن النقاش حول حوكمة الذكاء الاصطناعي يكتسي قوة دفع في أفريقيا، كركيزة أساسية للثورة الصناعية الرابعة، حيث تتمتع تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي بلا شك بإمكانات المساعدة أفريقيا على أن تكون أكثر إنتاجية وفعالية، مع مواجهة التحديات التي تغرق القارة. ومع ذلك، على الرغم من فوائد هذه التكنولوجيا، فإنها تحمل أيضًا العديد من المخاطر المحتملة، إذ دفع هذا الواقع أفريقيا، سواء الدول الأفريقية أو المؤسسات القارية والإقليمية الأفريقية، إلى البدء في التفكير في حوكمة الذكاء الاصطناعي، في قارة تواجه أكثر من أي وقت مضى صراعًا على النفوذ التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين.
وتطرق عبدالسلام جلدي، الباحث في العلاقات الدولية، بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، إلى الهشاشة الرقمية للقارة السمراء، ذلك أن 60 في المئة من سكان أفريقيا يعيشون في ظل الأمية الرقمية، و40 في المئة فقط لهم ولوج إلى العوالم الرقمية، مقابل 90 في القارة الأوروبية و95 في المئة في الولايات المتحدة وهي أرقام تشير إلى افتقار أفريقيا للسيادة الرقمية، وبالتالي فهي تحتاج إلى إحداث توازن بين التنمية الاقتصادية والابتكار التكنولوجي.
من جهته اعتبر عبدالإله كديلي، رئيس مؤسسة تمكين، إننا لا نبحث في المغرب كجزء من أفريقيا، على نسخ ما قام به الآخرون وشراء التكنولوجيا لا يزعجنا لكن الأهم هو توسيع قاعدة الاستثمار في تطوير التطبيقات لنجعل من المغرب محورا تكنولوجيا مفيدا، وإدخال لمسة تقنية مغربية من خلال دعم التعليم كأولوية، لننتج لنا ولأفريقيا مع وضع احتياجاتنا وإمكانياتنا مع التفكير بشكل متجدد في الاعتبار.
وحسب المنظمين تهدف الندوة التي احتضنها مركز الحسن الثاني للملتقيات، بأصيلة، إلى توجيه الأنظار نحو موضوع لا يزال هامشيًا، وربما لم يتم استكشافه بشكل كاف في البحث الأكاديمي الأفريقي. واستكشف المشاركون في الندوة جوانب موضوع أساسي في سعي أفريقيا لتحقيق السيادة الرقمية والتكنولوجية.
وفي ذات السياق أبرز المشرف على الندوة أكرم زاوي، الخبير في العلاقات الدولية بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، إن الإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي على الاقتصاد، خاصة في البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة والصين، مذكرا بالتأخر الملاحظ على مستوى القارة الأفريقية التي ستخضع لخطر التبعية التكنولوجية إذا لم تتمكن من تسريع خطواتها في هذا الاتجاه، كون الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة لأفريقيا، خاصة إذا تم توفير التكوينات المناسبة، حيث من شأنه تحسين خدمات المرافق العامة والارتقاء بالسياسات العمومية.
في حين ذكر العربي الجعيدي وهو باحث أول في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أن أفريقيا بدأت تفكر في تأمين هذه السيادة، من خلال تنظيم عدد من المؤتمرات، حيث قام الاتحاد الأفريقي مؤخرا بإعداد كتاب أبيض في هذا الإطار، كما أن هناك مبادرات مماثلة لم تستجب لها سوى 12 دولة أفريقية من ضمنها المغرب، مبرزا أن الهدف من كل هذه المبادرات واللقاءات بين الأفارقة هو تطوير بيئة رقمية ملائمة ووضع أسس أمن سيبراني للقارة. وتهدف الإستراتيجية الرقمية 2030 التي وضعها المغرب إلى سد هذه الثغرة الخاصة بالسيادة الرقمية والأمن السيبراني.
حوكمة
وتضع حوكمة الذكاء الاصطناعي المصممة لتنظيم الذكاء الاصطناعي مع ضمان الابتكار التكنولوجي والاستثمار في القطاع، إطارا لاستخدام وتطوير القطاع، وذلك لتجنب أيّ انحراف قانوني محتمل، إذ يرى الخبراء الذين شاركوا في الندوة، أن التكنولوجيات الجديدة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تمثل فرصة لأفريقيا وأنها تحمل العديد من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية، لاسيما في قطاعات مثل الزراعة والنقل والصحة. ومع ذلك، فإنها تفترض أيضًا أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن ينتهك الحقوق الأساسية لمواطني الدول الأفريقية مثل الحق في الكرامة الإنسانية واحترام الخصوصية ومبدأ عدم التمييز، في حين أن الفجوات الرقمية في أفريقيا لا تزال كبيرة.
وفي مداخلته أقر العربي الجعيدي، بغياب أطر قانونية في مجال ترشيد استعمال الذكاء الاصطناعي، لكنه أورد العديد من مشاريع القوانين والمبادرات المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة، وأن هذه الأخيرة وهي تصوغ هذه الأطر التشريعية تأخذ بعين الاعتبار واقع المنافسة المحتدمة بينها وبين الصين، فهما العملاقان الأكثر تطورا واستثمارا في الذكاء الاصطناعي. كما أن أوروبا بصفتها سوقا مهمة بالنسبة إلى الفاعلين الأوائل في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية وسوقا مهمة تتشكل من 400 مليون نسمة تفرض شروطها على هؤلاء الفاعلين من أجل حماية سيادتها وأمنها والمعطيات الشخصية لمواطنيها.
وإزاء إدراك التأخر الواضح مقارنة بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، يقول المشاركون إن أفريقيا برزت باعتمادها نهجًا يركز بشدة على الأخلاقيات في مجال حوكمة الذكاء الاصطناعي مع التركيز على تطوير ذكاء اصطناعي شامل وعادل. ووصلت دول مثل مصر ونيجيريا وكينيا إلى مرحلة أولية من استخدام الذكاء الاصطناعي، بينما بدأت دول أخرى مثل المغرب وجنوب أفريقيا وتونس في إظهار اهتمام بهذه التكنولوجيا، على الرغم من أن الاتحاد الأفريقي لم يكشف بعد عن إستراتيجيته في هذا الشأن.
وعلى مستوى القارة الأفريقية اعتبرت رجاء بن سعود، المتخصصة في قانون الأعمال والقانون الرقمي، أن هناك مبادرات مختلفة لمحاولة وضع تنظيم يناسب خصوصيات القارة، بهدف التوصل إلى إجماع قاري يجعل من الممكن حل قضايا مثل حماية البيانات وأمن أنظمة الذكاء الاصطناعي، مشددة على أنه من خلال وضع تشريعات واضحة يمكن للبلدان الأفريقية زيادة فوائد الذكاء الاصطناعي مع تقليل المخاطر والانحرافات المحتملة، وضمان التوفر على أنظمة موثوقة وآمنة تعزز التنمية في أفريقيا.
وهنا تطرق أكرم زاوي إلى مسألة حوكمة وحماية المعطيات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، الذي يستخدم هذه البيانات لتحسين أدائه وخلق قيمة للشركات، ولكنه بالمقابل يعرّض المواطنين لمخاطر ذات صلة بالخصوصية، مشددا على ضرورة تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات الحساسة، مثل الصحة والتعليم والعدالة، حتى تتمكن الدول من متابعة التطور السريع للتكنولوجيا وتنظيم استخدامها بشكل مسؤول.