المغرب أمام تحدي تحفيز النمو أكثر لامتصاص البطالة

البنك المركزي يربط حل مشكلة تزايد أعداد العاطلين بالتركيز على زيادة ديناميكية قطاع الخدمات.
الثلاثاء 2024/12/24
اشرحوا لنا عملية الإنتاج

تجد الحكومة المغربية نفسها مرة أخرى أمام تحدي معالجة مشكلة البطالة، في وقت تتزايد فيه أعداد العاطلين سنويا، الأمر الذي يتطلب تحفيزا أكبر لنمو الاقتصاد مع بذل جهود أكبر لزيادة ديناميكية بعض القطاعات الحيوية مثل الخدمات مع تأثر قطاع الزراعة بسبب الجفاف.

الرباط- ربط محافظ البنك المركزي المغربي عبداللطيف الجواهري معالجة مشكلة البطالة، التي ارتفعت إلى مستويات قياسية، بزيادة مستويات النمو الاقتصادي من خلال تسريع وتيرة مراكمة الثروة وضمان توزيعها بشكل عادل.

وشدد خلال لقاء صحفي عقب الاجتماع الفصلي الرابع والأخير لمجلس البنك الأسبوع الماضي، على ضرورة التركيز على قطاع الخدمات بما فيها المتعلقة بالسياحة والتجارة، دون الاقتصار على توفير فرص عمل قليلة والتي لا يمكنها احتواء جحافل العاطلين.

وأوضح الجواهري أن الحلول الإدارية التي تم اعتمادها سابقا أثبتت محدوديتها، مما يستدعي تبني مقاربة تنموية مستدامة رغم أن القطاعات غير الزراعية، مثل الصناعة
والتجارة والسياحة تسير في اتجاه إيجابي.

ورأى أن الضرورة تقتضي تعزيز هذه القطاعات للوصول إلى نسب نمو تتراوح بين 4 و5 في المئة بالنسبة إلى القطاعات غير الزراعية، مع التركيز على توفير فرص عمل للشباب، خاصة وأن وتيرة تشغيلهم لا تزال ضعيفة وتستدعي اهتماما خاصا.

عبداللطيف الجواهري: الحلول الإدارية التي تم اعتمادها سابقا أثبتت محدوديتها
عبداللطيف الجواهري: الحلول الإدارية التي تم اعتمادها سابقا أثبتت محدوديتها

وتشير بيانات البنك المركزي أن 50 في المئة من المغاربة بين 15 و24 عاما يعانون من البطالة، وهو ما يؤكد أن سوق العمل المحلي يشهد تحديات كبيرة، خاصة في صفوف الشباب.

ورغم ارتفاع معدل البطالة، أشار الجواهري إلى تحسن نسبي في الوضع الاقتصادي خلال الربع الثالث من عام 2024، حيث تم توفير أكثر من 200 ألف فرصة عمل جديدة.

وساهم قطاع الخدمات لوحده في توفير حوالي 257 ألف فرصة عمل هذا العام، وهو معطى يأتي بعد فقدان قرابة 297 ألف فرصة عمل خلال العام 2023.

وطرحت الأرقام الصادرة عن مندوبية التخطيط، حول ارتفاع معدل البطالة مجموعة من المخاوف كون أن شبح البطالة صار يهدد العديد من الشباب من جهة، ويتعارض مع تطلعات الحكومة التي تراهن على مكافحة هذه المعضلة بكل الطرق، من جهة أخرى.

وقال المندوب السامي للتخطيط شكيب بنموسى، في مؤتمر صحفي خصص لتقديم النتائج التفصيلية للإحصاء العام للسكان، إن “معدل البطالة انتقل خلال الفترة ما بين 2014 و2024 من 16.2 في المئة إلى 21.3 في المئة.”

وأوضح أن حجم البطالة في المدن ارتفع من نحو 19.3 في المئة إلى 21.2 في المئة، بينما في الأرياف فقد صعدت النسبة من 10.5 في المئة بنهاية 2014 إلى 21.4 في المئة هذا العام.

ومع ذلك، أظهرت أحدث البيانات الصادرة عن مندوبية التخطيط تحسنًا ملحوظًا في سوق العمل المغربي خلال الفترة الممتدة بين الربع الثالث من 2023 والربع الثالث من 2024.

وشهد قطاع الخدمات توفير 258 ألف فرصة عمل جديدة، بنسبة نمو بلغت 5 في المئة، فيما سجل قطاع البناء والأشغال العمومية توظيف 57 ألف شخص، مع تركيز النمو على الأرياف، وبالمقابل حقق القطاع الصناعي نموا طفيفًا بإضافة 23 ألف وظيفة جديدة.

إدريس الفينة: هناك عدم توازن بين فرص العمل والذين يدخلون السوق
إدريس الفينة: هناك عدم توازن بين فرص العمل والذين يدخلون السوق

وإلى جانب تأثر الزراعة بسنوات الجفاف وتعاظم حجم الاقتصاد الموازي يرى إدريس الفينة رئيس المركز المستقل للتحليلات الإستراتيجية في تصريح لـ”العرب” أن ارتفاع معدل البطالة مرده بالأساس إلى ضعف النمو الاقتصادي مقارنة بالنمو الديمغرافي.

وقال إن ذلك الوضع “أسفر عن عدم توازن بين الفرص التي توفرها الشركات وعدد الأشخاص الذين يدخلون إلى سوق العمل.”

وحول اختلاف هذا الرقم المرتفع مقارنة مع الدراسات التي تنجزها المندوبية والتي تشير إلى أن معدل البطالة يبقى في حدود 13.7 في المئة، قال بنموسى إن هذا الفرق في الأرقام “طبيعي”.

وبرر ذلك بأن نسبة 21.3 في المئة التي تم التوصل إليها كانت من خلال تصريحات المواطنين المشاركين في الإحصاء، أما نسبة 7.13 في المئة فهي نتيجة دراسة المندوبية التي تعتمد على التدقيق ومراجعة البيانات.

كما تطرق الجواهري إلى تأثير التحديات الاقتصادية في أوروبا على الاقتصاد المغربي، مشيرا إلى أن الأوضاع الخارجية تؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الداخلية.

وأكد أهمية تبني رؤية شاملة لمعالجة الإشكالات الاقتصادية، مع التركيز على تعزيز النمو وتوزيع الثروة بشكل متوازن، بما يحقق تنمية اقتصادية مستدامة تساهم في تحسين الأوضاع الاجتماعية، وخاصة في مجال التشغيل.

ويعتقد الفينة أن الأوضاع في القرى تعكس حجم الأزمة، فالمزارعون الصغار يعانون من تراجع الإنتاجية، مما دفع الكثيرين إلى الهجرة نحو المدن بحثاً عن بدائل اقتصادية، وهو ما يُفاقم مشكلات البطالة ويزيد الضغط على المدن الكبرى.

وأوضح أن استمرار هذه الظاهرة سيؤدي إلى انعكاسات اقتصادية واجتماعية خطيرة، أبرزها ارتفاع معدلات التضخم نتيجة زيادة أسعار المواد الغذائية، وتفاقم الفقر في المناطق الريفية، وتهديد الأمن الاجتماعي بفعل تزايد الهجرة القروية والنزوح الجماعي.

وتمیزت وضعية سوق العمل بانخفاض معدل النشاط، وفق معطيات الإحصاء العام الذي أجرته مندوبية التخطيط، ذلك أن حوالي 4 أشخاص من أصل 10 من بين البالغين من العمر 15 سنة فأكثر أي ما يعادل 41.6 في المئة مارسوا نشاطاً اقتصادياً سنة 2024 مقارنة بنحو 47.6 في المئة خلال عام 2014.

21.3 في المئة معدل البطالة في 2024 مقارنة مع 16.2 في المئة خلال 2024، وفق مندوبية التخطيط

ويرتفع معدل النشاط لدى الرجال أي 67.1 في المئة سنة 2024 مقابل 75.5 في المئة سنة 2014، مقارنة بالنساء، أي من 16.8 في المئة هذا العام مقابل 4.2 في المئة قبل عشر سنوات.

كما يرتفع هذا المعدل في المدن والذي بلغ 43.8 في المئة سنة 2024 مقابل 49.1 في المئة قبل عشر سنوات، مقارنة مع الأرياف والذي بلغ 37.6 في المئة هذا العام مقابل 45.1 في المئة خلال عام 2014.

وأكد الفينة أن مواجهة هذا التحدي الكبير يتطلّب تكاملاً بين السياسات الحكومية، المبادرات الاقتصادية، ودور المجتمع المدني.

وقال إن “المغرب يمتلك الإمكانيات والكفاءات التي تُمكّنه من تجاوز هذه الأزمة، لكن ذلك يستدعي تحركاً سريعاً ومنظماً يقوم على حلول مبتكرة ومستدامة.”

11