المغربية ليلى بن حليمة تعبّر عن قضايا المرأة بمفردات أمازيغية

تستند تجربة الفنانة المغربية ليلى بن حليمة منذ بداياتها في تسعينات القرن الماضي وحتى معرضها الأخير المعنون بـ"من العجيب إلى الرائع" إلى التراث الأمازيغي والأفريقي بشكل عام، سواء في أعمالها الأولى التي نزعت نحو التجريد أو في بحثها اللاحق عن توظيف الرموز والكتابات في عدد من لوحاتها التي تجعل من قضايا المرأة محورها الأساسي.
تطوان (المغرب) - يتواصل حتى الخامس عشر من شهر مايو القادم برواق المركز السوسيو – ثقافي بمدينة تطوان المغربية معرض “من العجيب إلى الرائع” للفنانة التشكيلية المغربية ليلى بن حليمة التي تستعرض من خلاله براءة الفكرة المجردة، في إحالة مباشرة على الاشتغال بريشة متمكّنة، تستطيع تصريف خطابها الإبداعي بناء على ترجمة أحاسيسها وأحاسيس اليومي الذي يعيشه المغاربة دون أن يلتفتوا إليه.
وقالت الفنانة التشكيلية المغربية إن اللوحات المعروضة تعتبر تتويجا لعمل انطلق منذ حوالي ثلاث سنوات، وأضافت “أعمالي تهتم باللاوعي الذي يشكّل بالنسبة إلي مصدر العديد من القدرات التي لا نستعملها. اللاوعي يمكننا من اكتشاف الماضي المنسي، وعيش الحاضر الآخذ إلى زوال، ورؤية المستقبل بعيون كلها أمل”.
واعتبرت بن حليمة أن أعمالها الأخيرة مكّنتها من معرفة ذاتها بشكل أفضل، والاهتمام باختياراتها، ومعرفة قراراتها ومشاعرها، مضيفة “إلى جانب قراءة نفسي من خلال الآخرين، لأن لكل منا ماضيا مشتركا، والتاريخ نفسه يجمعنا”. وهي في ذلك يحدوها أمل في أن تتمكّن أعمالها الأخيرة من أسر اهتمام الزائر ودعوته إلى التأمل في جوهره ولا وعيه ومحيطه وواقعه وواقع مجتمعه، ومساعدته على الشعور بالبهجة والسكينة والاقتراب أكثر من حل كل مشكلاته النفسية والاجتماعية العالقة.
وأضافت الفنانة المغربية أنها تشتغل في جل أعمالها على القماش أو الورق المقوى بتقنية مختلطة، فيما بعض الأعمال تُبدعها باستعمال الصباغة الزيتية، مُعربة عن الأمل في أن تتمكّن من عرض إبداعاتها بمدن أخرى بالمغرب، لاسيما بالرباط والدار البيضاء.
ومن جانبه أكّد المسؤول عن المركز السوسيو – ثقافي لمؤسسة محمد السادس بتطوان عماد العطار أن هذا المعرض الثاني من نوعه منذ تفشي جائحة فايروس كورونا المستجد، وهو يروم المساهمة في الديناميكية الثقافية بمدينة تطوان، وتعزيز سلسلة المعارض المنظمة بهذا الفضاء، لافتا إلى أن معرض “من العجيب إلى الرائع” يدعو الزوار إلى سفر فني استثنائي في عالم سحري، من خلال لوحات أبدعتها أنامل تشكيلية شغوفة بالفن والتجريب.
وكتبت الناقدة الفنية ليلى بالحاج في الورقة التقديمية للمعرض أن “فن ليلى بن حليمة يعبّر عن كل ما لديها من تجرّد، لوحاتها هي كيانات فوق طبيعية تولد من أثر الريشة التي تصبح أداة في خدمة هذه الكيانات التي تعّبر من خلالها”، منوّهة بأن “لوحات بن حليمة هي أيضا مجموعة أسئلة وألغاز يتعيّن حلها، هي نظرات تخترق جانبنا الغرائبي وتدعونا إلى العبور للجهة الأخرى من المرآة، في بُعد حدوده الألوان ومفعم بالطاقة الإيجابية”.
وعبر لوحات بن حليمة الخمس عشرة تتجمّع وجوه الرجال والنساء والحيوانات والسماء والبحر والأرض، حيث تظهر في إحدى أعمالها أجساد نساء يرقصن على خلفية ملوّنة منقوش عليها بحروف التيفيناغ (الأبجدية الأمازيغية) في محاكاة لنقوش قديمة، حيث السواد يتركّز في وسط اللوحة تحيط به تدرّجات الأزرق متداخلا مع الأحمر والأصفر والبرتقالي، فيما تبرز الكتابة بلون أبيض تشتبك مع الجسد ليبدو أنه جزء منه أو منسجم معه في الإيقاع أو الحركة.
وللمرأة حضور قوي في لوحات بن حليمة، في تأملها أو انتظارها أو استعراض زينتها، أو وهي تتهادى في أجواء مستعارة من الرقص الصوفي، حيث ترفع اليدين في هيئة الدعاء أو المناداة.
وعن هذا الحضور في لوحاتها تقول “المرأة عندي ترمز إلى الفضيلة والتحرّر، وبعد رفعها للقيود التي تفرضها نظرة المجتمع إليها، تكون قد تجاوزت الحواجز التي تمنعها من المضي قدما في الحياة، ونيل مكانتها التي تستحقها عن جدارة”.
هكذا تمارس الفنانة المغربية عشقها البليغ للون والشكل من خلال رؤى محدّدة في يوميات الفكرة وجموح اللحظة، لتتمظهر نظرتها الخاصة للحياة الأخرى في بحث عن الممكن والمستحيل من داخل إطار اللوحة، الذي يصبح عالما في حد ذاته يرسم حدوده التي لا تنتهي.
وهي في ذلك تعترف أن الفن يمنحها الفرصة للتفاعل مع الآخرين، ويمكنها من إنشاء روابط ومقابلة أشخاص، وهو في نظرها وسيلة ممتازة للاتصال وأداة علاجية أكثر فاعلية.
وتؤكّد “الفن وسيلة للتعبير العلاجي وتوحيد للرابط بين البشر، بغض النظر عن الاختلافات الاجتماعية الثقافية أو الدينية، ولأجل ذلك كنت ولا أزال أمارس الرسم كفعل علاجي لي ولمن حولي على السواء”.