المعرض الدولي للنشر والكتاب بالمغرب يحتفي بالرواية والترجمة

تضيء الدورة الثامنة والعشرون للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط على قضايا ثقافية وأدبية وفكرية متنوعة، عبر برنامج ثقافي يستضيف أبرز النقاد والكتاب والمثقفين لنقاش واقع ما يكتب في المغرب اليوم من أدب معاصر وغيره من قضايا الثقافة والأدب العربية والعالمية.
الرباط - تتواصل فعاليات الدورة الثامنة والعشرون للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط بمشاركة نخبة من الكتاب والنقاد والمثقفين. وانطلق المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط في الأول من يونيو ويستمر حتى الحادي عشر منه، مناقشا في ندواته أهم القضايا الأدبية والثقافية ومحتفيا بأهم التجارب الأدبية في المغرب. وقال كتاب وباحثون مغاربة إن الفضاء (المكان) الواقعي والمتخيل في الرواية المغربية يجعل منها رواية لها خصوصياتها وتعكس الثقافة المغربية بكل مستوياتها.
وقال الناقد والكاتب المغربي عبدالرحمن غانمي في لقاء أدبي حول “رواية الفضاء المغربي” على هامش الدورة الـ28 للمعرض الدولي للنشر والكتاب المنتظم حاليا بالرباط “يجب أن نؤكد على فضاءات متخيلة وواقعية في الرواية المغربية”. وأضاف “هل السارد يستحضر تلك المدينة انطلاقا من واقعها، أو من تخيلها السردي، كأن يتجه السارد إلى واقعها وأماكنها المعروفة، أو أن يتخذ منها متخيلا سرديّا؟”.
وأعطى أمثلة بروايات الكاتب المغربي عبدالكريم غلاب الذي ركز على مدن معروفة في المغرب مثل فاس، والقاص المغربي محمد زفزاف الذي أبرز في أعماله فضاءات معينة في مدينة الدار البيضاء.
كما تحدث غانمي عن “مسألة الهامش في الرواية المغربية” وأعطى مثالا الروائي والناقد المغربي محمد برادة الذي تناول في رواياته مدنا مثل طنجة والرباط والقاهرة وباريس لكنها في الحقيقة فضاءات مركزية تحيل على فضاءات هامشية داخل هذه المدن المعروفة. وقال إن “الهامش حاضر بقوة حتى وإن تحدث عن مدن مركزية، فهي هوامش داخل المركز. وهو نوع من الإحالة على توترات وخلفيات اجتماعية، وثقافة مغربية بكل أشكالها وتلويناتها”.
الرواية المغربية
وأضاف أن عددا من السرّاد يعيشون "نوعا من القلق في الفضاء الذين ينتمون إليه" ويبرزون هذا القلق بشكل أو بآخر "في فضاءات رواياتهم". ومن جهته، قال الناقد والباحث والروائي المغربي سعيد يقطين إن “المدينة بدأت تأخذ سمة مختلفة في الإنتاج الروائي المغربي”. وأضاف "بدأ الفضاء الروائي يتجاوز المدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط وفاس ومراكش.. إلى هوامش هذه المدن". وأشار إلى أنه "عندما يهتم الكاتب بخصوصية الفضاء المغربي، يمكن الحديث آنذاك عن رواية مغربية".
وقال إن بعض الروايات أحيانا “لم تجد التفاعل الكافي مع القراء المغاربة بسبب أن هؤلاء لا يجدون فيها الخصوصية المغربية، على عكس بعض المسلسلات المغربية التي قدمت فضاء مغربيا بلباسه وبيئته وتقاليده، مما جعل الجمهور يتفاعل معها”. واعتبر أن السبب في ذلك أن “رواياتنا يكتبها مثقفون لهم عوالم تحكمهم، من أيديولوجيات وانتماءات سياسية وثقافية مختلفة". ودعا إلى "رواية مغربية تقدم لنا المغرب في مختلف تجلياته".
ومن جهته اعتبر الأكاديمي والباحث المغربي عبدالرحمن تمارة أن كل “فضاء في النص الإبداعي هو مجرد علامة، ومجرد إشارة رمزية وليس جغرافية حقيقية”. واستشهد بمقولة المفكر والكاتب الأميركي من أصل فلسطيني إدوارد سعيد “لكل فضاء جغرافي عبقريته الخاصة". وقال "حينما نتحدث عن فضاء في رواية ما، نتحدث عن فضاء نابع من خصوصية وثقافة معينة". وأضاف "في الرواية لا نقدم واقعا ما، ولكن رؤيتنا لهذا الواقع".
وقد أدار هذا اللقاء الأدبي الكاتب والناقد أحمد بوحسن الذي ختم بقوله إن “الرواية المغربية تهتم بالإنسان ومشاكله”. وأشار إلى أن للرواية العالمية الآن توجها جديدا هو “علاقة الرواية بالأرض والطبيعة والبيئة.. في ظل الخراب والدمار الذي يتهدد المدن”.
ضمن جلسات المعرض أكد الباحث بمركز الترجمة والتوثيق التابع للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية محمد العضمات أن عملية الترجمة من وإلى الأمازيغية تكتسي أهمية بالغة للنهوض بهذا المكون الأصيل للثقافة المغربية، لغة وثقافة.
وأبرز العضمات في مائدة مستديرة حول موضوع “تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية تحديات الترجمة من وإلى الأمازيغية” في إطار الدورة الحالية للمعرض الدولي للنشر والكتاب، أن الترجمة إلى الأمازيغية لها أثر بالغ في تحقيق هذا النهوض، وذلك من خلال مجموعة من النصوص القانونية المؤطّرة لهذا النشاط.
الترجمة والأمازيغية
واستحضر العضمات في عرض له حول “الترجمة إلى الأمازيغية في سياق دينامية الترسيم قراءة وتقييما” دستور المغرب الذي يجعل من اللغة الأمازيغية لغة رسمية في البلاد، والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والقانون المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفية إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وكذلك مخططات عمل القطاعات الوزارية والجماعات والمؤسسات والمنشآت العمومية.
وأبرز أن البرلمان بغرفتيه قام بتنزيل القانون 26.16 وذلك باعتماده الترجمة الفورية لأشغاله (تِرٍيفيت، تِشِلْحيت، وتَمَزِيغت) مذكرا بجلسة العمل بين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والأمانة العامة للحكومة. أما في الفضاءات العمومية، يضيف الباحث، فالأمازيغية حاضرة، على سبيل الذكر، في المعرض الدولي للنشر والكتاب من خلال ترجمة واجهات أروقة مجموعة من المؤسسات، وترجمة لوحات التشوير والإعلانات، وكذلك مجال التعليم الأساسي.
◙ للرواية العالمية الآن توجه جديد هو علاقة الرواية بالأرض والطبيعة والبيئة في ظل الدمار الذي يتهدّد المدن عملية الترجمة من وإلى الأمازيغية تكتسي أهمية بالغة
واستعرض العضمات مجموعة من الصعوبات التي تواجهها الترجمة إلى الأمازيغية، منها اضطراب في تقسيم أجزاء الكلام، ومشاكل في الإلحاق، وحذف كلمات في الترجمة، ومخالفة النص الأصلي، فضلا عن مشاكل في الحروف المفخمة.
من جهتها، توقفت الباحثة في المركز ذاته سليمة الكولالي في عرض لها حول “الترجمة إلى الأمازيغية التحديات الثقافية واللغوية” عند بعض التعريفات لهذه العملية، موضحة أنها حسب فيناي وداربلني “انتقال من اللغة ‘أ’ إلى اللغة ‘ب’ من أجل التعبير عن نفس الواقع”. واعتبرت الكولالي أن الترجمة ممارسة اتصالية لأن المحفز الأول على الترجمة هو عملية التواصل والتي تعد حاجة فطرية للإنسان.
وتطرقت الكولالي إلى مجموعة من الصعوبات التي تعترض الترجمة إلى اللغة الأمازيغية، على الخصوص تحديات لغوية وثقافية واجتماعية، وكذلك تحدي تطور اللغات، فضلا عن المستحدثات والكلمات الجديدة التي يستعملها الكاتب، مسجلة في هذا الصدد دور السياق في معرفة المعنى الذي يصبو إليه الكاتب.
يشار إلى أن الدورة الحالية للمعرض الدولي للنشر والكتاب تعرف مشاركة 737 عارضا من 51 بلدا، منهم 287 عارضا مباشرا، و450 عارضا غير مباشر، يمثلون 51 بلدا، فيما يحل إقليم كبيك ضيف شرف على الدورة. كما تعرف الدورة تقديم عرض وثائقي يتجاوز عدد عناوينه 120 ألفا بحقول معرفية مختلفة ورسالة ثقافية مشتركة، ليكون زوار المعرض من المغاربة والأجانب في رحاب أكبر مكتبة مفتوحة.