المعجزة الصينية أمام خيارات صعبة: تباطؤ النمو أو تراكم جبال الديون

شروط ترامب لإنهاء الحرب التجارية ستفاقم التحديات الاقتصادية، والحفاظ على النمو يتطلب مواصلة إغراق الشركات الحكومية بالديون.
السبت 2019/03/09
وفرة الأموال لا تحل المشاكل دائما

تزايدت المؤشرات على أن الصين تواجه معارك اقتصادية متناقضة بين الدفاع عن معدلات النمو وشبح ارتفاع الديون إلى مستويات خطرة، في وقت تزيد فيه شروط واشنطن لإنهاء الحرب التجارية من صعوبة تلك المهمة.

بكين - يختزل إقرار الصين على لسان رئيس وزرائها لي كيتشيانغ، بأنها تحتاج إلى الاستعداد لخوض “معركة اقتصادية قاسية قادمة” حجم الخيارات المرّة التي تنتظرها في الأشهر المقبلة.

ويتحتم على بكين خوض حرب على جبهتين متناقضتين يصعب التوازن بينهما إذا أرادت حماية معدلات النمو التي تحتاجها بشدة ويحتاجها أيضا الاقتصاد العالمي.

وتتمثل الأولى في مطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخفض دعم الشركات الحكومية لتفادي فرض رسوم عقابية على تلك الشركات، أما الثانية فهي حاجة الشركات الصينية الخاصة المتعثرة للدعم الحكومي دون المغامرة بارتفاع ديونها إلى مستويات غير مقبولة.

ومنحت الحكومة الصينية هذا الأسبوع نفسها مساحة للمناورة من خلال تقليص معدل النمو الاقتصادي المستهدف للعام الحالي إلى ما بين 6 و6.5 بالمئة، وهو أقل معدل نمو للاقتصاد الصيني منذ أكثر من 3 عقود.

وأشارت وكالة بلومبيرغ إلى أن المحللين الاقتصاديين رحبوا بخفض بكين لمعدل النمو المستهدف، لأنهم كانوا قد حذروا من أن أي محاولة لزيادة معدل النمو عن تلك المستويات، كانت ستحتاج إلى إجراءات تحفيز مفرطة تهدد الاستقرار المالي للصين على المدى الطويل.

لي كيتشيانغ: يجب أن تستعد الصين لخوض كفاح قاس لمواجهة الظروف الاقتصادية الراهنة
لي كيتشيانغ: يجب أن تستعد الصين لخوض كفاح قاس لمواجهة الظروف الاقتصادية الراهنة

ولا يمكن للحكومة الصينية مواصلة معدلات النمو المرتفعة إلا بمواصلة الإنفاق الشامل السخي على مشروعات الطرق وخطوط السكك الحديدية وغيرها من مشروعات البنية التحتية العملاقة.

لكن ذلك يمكن أن يؤدي إلى اختلالات كبيرة في التوازنات المالية ولا بد لها من تخفيف تلك الوتيرة، رغم استمرار تنفيذ الكثير من مشروعات الطرق والسكك الحديدية الكبرى.

وللخروج من الاشتباكات المتقاطعة قررت الحكومة خفض الكثير من الضرائب وهو تطور إيجابي سيمنح الشركات الخاصة مساحة للحركة والتقاط الأنفاس حتى لو كانت النتيجة نموا أبطأ.

وأعلن رئيس وزراء الصين هذا الأسبوع حزمة تخفيضات ضريبية بقيمة تصل إلى 298 مليار دولار، وتعهّد بالمزيد من إجراءات تحفيز الاقتصاد خلال الفترة المقبلة.

ورغم أن تلك الإجراءات قد تمثل تراجعا عن تعهدات العام الماضي بكبح جماح المخاطر المالية وتقليص الموازنة، فإن الهدف العام مازال هو تعزيز نمو الاقتصاد دون السماح بتسارع وتيرة نمو الديون مرة أخرى. لكن هذا التحرك المتوازن سيخضع للاختبار بشدة إذا ما ظهرت أي تهديدات جديدة للنمو الاقتصادي.

ونقلت بلومبيرغ عن مايكل سبينسر، مدير وحدة الدراسات الاقتصادية في فرع دويتشه بنك في هونغ كونغ قوله، إن “الحكومة الصينية مترددة في العودة مجددا إلى إقامة مشروعات بنية تحتية لتعزيز النمو الاقتصادي، إذا لم تكن هناك حاجة لهذه المشروعات”.

وحذّر رئيس الوزراء الصيني من أن بلاده تواجه خلال العام الحالي ظروفا أصعب وأشد تعقيدا، في وقت تحاول فيه تنشيط الإقراض للقطاع الخاص، رغم إدراكها أن إجمالي الديون في الصين يقترب من 300 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وقال كيتشيانغ إنه “يجب أن تستعد الصين تماما لخوض كفاح قاس″ في مواجهة الظروف الاقتصادية الراهنة.

والحقيقة أن المشكلة الاقتصادية في الصين ليست شأنا محليا فقط. فمع تباطؤ وتيرة النمو في أوروبا والشكوك التي تحيط باستمرار نمو الاقتصاد الأميركي، فإن اشتداد تباطؤ الاقتصاد الصيني سيكون نبأ سيئا للاقتصاد العالمي، ويمكن أن يشيع الاضطراب في الاقتصادات الآسيوية التي اندمجت في سلسلة الإمدادات المرتبطة بالصين.

ويركّز صناع السياسة الاقتصادية في الصين على إدارة تراجع النمو تدريجيا على المدى الطويل بعد أن تراجع من 10 بالمئة في بداية العقد الحالي إلى نحو 6.5 بالمئة في العام الماضي.

وقد أعلنت بكين هذا الأسبوع عن خفض ضريبة القيمة المضافة في قطاع الصناعات التحويلية من 10 إلى 7 بالمئة كجزء من إجراءات تستهدف دعم الاقتصاد الصيني المتباطئ. كما خفضت تلك الضريبة على القطاعات الأخرى إلى 9 بالمئة.

بولين لونغ: الصين مصرة على تعزيز النمو ولا يبدو أنها مهتمة بخفض حجم الديون
بولين لونغ: الصين مصرة على تعزيز النمو ولا يبدو أنها مهتمة بخفض حجم الديون

وتشير تقديرات بنك مورغن ستانلي إلى أن إجمالي ما ستوفره تخفيضات ضريبة القيمة المضافة للمستهلكين والشركات الصينية يمكن أن يصل إلى 240 مليار دولار.

وفي الوقت نفسه تستهدف الحكومة الصينية بلوغ عجز موازنة العام الحالي 2.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 2.6 بالمئة العام الماضي. وتعهّدت في تقريرها الذي قدمته أمام مؤتمر نواب الشعب الصيني بخفض الأعباء الضريبية عن الصناعات الرئيسية.

ورغم التخفيضات الضريبية، تعهد تقرير رئيس الوزراء باستمرار استقرار معدل الكفاية المالية خلال العام الحالي. وهذا قد يكون هدفا صعبا.

وترى بولين لونغ، المدير الإداري لشركة آشيا انالاتيكا للاستشارات في هونغ كونغ، أن الرسالة الصادرة عن اجتماعات البرلمان الصيني، هي تعزيز النمو الاقتصادي، قاعدة جديدة، وأن تخفيض حجم الديون “خارج النطاق بالتأكيد”.

وقفزت قروض البنوك في الصين في يناير الماضي إلى مستوى قياسي جديد، كما ارتفعت التمويلات غير المصرفية خلال أول 11 شهرا من العام الماضي.

وحذر رئيس الوزراء الصيني نفسه، من أن القروض قصيرة الأجل تتزايد بسرعة مفرطة.

وعلى خلاف السنوات السابقة، لا توجد مستهدفات لمعدل نمو مبيعات التجزئة ولا الاستثمار في الأصول الثابتة في الصين خلال العام الحالي. وأكد التقرير الحكومي الصادر هذا الأسبوع أن السياسة النقدية ستظل “عقلانية” في حين ستكون السياسة المالية “استباقية وأكثر فاعلية”.

وقال رئيس الوزراء إنه “سيتم خفض الاحتياطيات الإلزامية للبنوك الصغيرة في الصين مجددا”.

ويأتي ذلك في وقت تقترب فيه الولايات المتحدة والصين من التوصل إلى اتفاق تجاري يمكن أن يؤدي إلى إلغاء أغلب أو كل الرسوم الأميركية على المنتجات الصينية، مع التزام الصين بتنفيذ تعهداتها التي تتراوح بين تحسين حماية حقوق الملكية الفكرية وشراء كميات كبيرة من المنتجات الأميركية.

وسيؤدي هذا الاتفاق إلى تبديد واحدة من أصعب السحب التي تخيّم على الاقتصاد الصيني، وتجعل الرئيس الصيني شي جينبينغ أقل احتياجا إلى اللجوء لإجراءات تحفيز الاقتصاد لدعم النمو.

ويرى ليو ليغانغ كبير خبراء الاقتصاد الصيني في فرع سيتي غروب المصرفية في هونغ كونغ، أن “معدل النمو المستهدف للعام الحالي، يشير إلى أن بكين لا تريد إطلاق حزم تحفيز اقتصادي كبيرة، رغم تزايد الغموض الناجم عن التطورات الخارجية”.

10