المعاهد العليا للفنون في تونس تبحث "قلق الفن: نحو أماكن تفكير بديلة"

المشاركون في المؤتمر يبحثون مستقبل الفن في كل تجلياته وسط هيمنة التكنولوجيا الحديثة وهيمنة الصورة والوسائط التكنولوجية المتعددة.
الخميس 2023/06/01
قلق الفن، قلق تفكير

تونس- اختتمت في مدينة الكاف الواقعة شمال غرب تونس فعاليات المؤتمر العلمي السنوي للمعاهد العليا للفنون والذي التأم على مدى يومين تحت عنوان “قلق الفن: نحو أماكن تفكير بديلة”.

نظم هذا المؤتمر حضوريا، وفسح المجال للمشاركات الافتراضية، وذلك بهدف مشاركة الباحثين من تونس ومن عدة دول شقيقة وصديقة.

بوكس

وبحث المشاركون في هذا المؤتمر مستقبل الفن في كل تجلياته وسط هيمنة التكنولوجيا الحديثة وهيمنة الصورة والوسائط التكنولوجية المتعددة.

تمحورت الجلسات العلمية حول التكنولوجيا والحرية وتجارب الفن ومعاناة المبدع في علاقاته بمختلف الفنون، سواء أكان مؤثرا فيها أم متأثرا بها.

وقال رياض زمال مدير المعهد العالي للمسرح والموسيقى بالكاف إن “هذا المؤتمر الدولي الذي يشارك فيه عدد من الباحثين من تونس والخارج يبحث محاور تهتم بواقع الفن في ظل محيط متغير جراء العولمة والتطور التكنولوجي المتسارع”.

وأضاف أن “الدورة الحالية تشهد مشاركات متنوعة وتهتم بكل الفنون كالمسرح والرسم والموسيقى والسينما”.

وتضمن برنامج هذا المؤتمر مداخلات حضورية وأخرى افتراضية بثت عبر منصة المركز العربي الديمقراطي في العاصمة الألمانية برلين، بما يجعل هذه المداخلات في متناول الباحثين في مختلف أنحاء العالم.

كما تضمن ورشة تحت عنوان “مسرح العبث” وذلك بفضاء المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية في الكاف. وقد تولى تأطيرها عدد من المختصين من تونس وإيطاليا.

وتطرق المؤتمر إلى ستة محاور كبرى هي: الفنون بين صرامة البراديغمات وحرية التدبر الواعي لقضايا العالم، وأنسَنَة الفنون أمام التهديدات والمخاطر الجذرية التي تجتاحها اليوم، والفنون بما هي مدارات أزلية لشواغل الإنسان في البحث عن أماكن بديلة للتفكير، وتطوّر نظم الفنون في حضور تحولات التكنولوجيا المعاصرة، وتصنيف الإنتاج الفني بين الثقافي والتجاري، أو من الأثر الفني إلى المنتوج الفني.

قدم البيان المصاحب للمؤتمر موضعه العام بالقول “لقد اعتقدنا أنّ الإستيطيقا هي ضرب من محو التقاطع بين الأدوار الثقافية والتمييز الاجتماعي. لكنّ الإشكال اليوم، وبعد حالة الارتباك الشديد التي تمظهرت في اهتزاز الذات، قد صار أعتى وأشد. إذ علينا تخليص الفن من الإستيطيقا، ليس بوصفها خطابا، ولكن بوصفها نظاما من التعيينات التي تخطّها الإستيطيقا على ظهر الفن. إنّ القلق الذي يحياه الفن اليوم، لهو البراديغم الذي يدور حوله الملتقى. هذا القلق الذي انزاح من أفق الإستيطيقا وهاجر إلى دائرة الممارسة”.

بوكس

واستدرك “لكن كيف يسعنا قراءة قلق الفن بوصفه أهم الأزمات وأشدّها؟ يتعرض الفن اليوم إلى خسارة مواقعه المميزة، حيث أنه لم يعد يحافظ على مكانته داخل الإنتاجات الثقافية. وعلى قدر تراجعه، فإنّ ‘جغرافيا الثقافة’ تغير خارطتها ومعطياتها وتستبدل ‘الفاعلين’. ليس ذلك فحسب، بل إن البراديغمات التي يشتغل وفقها الفن اليوم أضحت مترهلة، نتيجة مساهمة الإستيطيقا في تأثيثها. ومن ثمة لا يشكل الفن اليوم نداء حقيقيا إلا داخل حقله المغلق. فكلّ ما حقّقه الفن أنه صدّر تقنياته مفتقرة من طابعه الأنطولوجي”.

وتابع نص البيان قائلا “ثمة قلق من جنس آخر، ذلك أنّ الفن اليوم لم يعد يحتمل من الجرأة إلاّ تلك الجرأة الطقوسية والمؤطرة، أمّا صبغته الاختراقية فقد تم التنازل عنها، وتم عقد مصالحات مع الحدود. تعود هذه المسألة إلى سببين: الأول يعود إلى أن هناك انسدادا في مجال البحث لم يعرفه الفن الحديث، أمّا السبب الثاني فهو يعود إلى الأطر القانونية التي صادق عليها الفن. وإذا كان علينا الخلاص فعلينا إبداع أشكال ممارسة جديدة. الشكل هنا ليس بمعنى الطابع الخارجي للأشياء، بل بالمعنى الذي طرحه الإغريق، أي الفكرة”.

ورأى منظمو المؤتمر أن “على الفن إذن، وإذا ما كان يريد حفظ مكانته الأنطولوجية، أن يخترع أماكن تفكير بديلة. غير أن ذلك المكان لن يتم استنهاضه إلا من داخل زمنية المعاصرة ذاتها. لذلك فالفن مدعوّ اليوم إلى سكنى المِكسر ليكون ضربا من التفكير والتضميد. ومن ثمّة، عليه اختراع أمكنة تفكير جديدة خارج دائرة الإشباع. إنّ فكرة الإشباع، تلك، تلقي اليوم بظلالها استنادا إلى بذخ الصورة وغزارتها… وفي حقيقة الأمر أنّ هذا ما نعثر عليه مسرحيا، أو سينمائيا أو موسيقيا، أو داخل الفنون المرئية عامة. غير أن فكرة الإشباع تلك، يمكن أن تكون مادة الفن ذاتها من أجل الأخذ بالقرار نحو إنشاء جغرافيات جديدة”.

وخلص المؤتمر إلى أن “قلق الفن” هنا هو “قلق التفكير” من أجل لغة مغايرة لا تتهيكل إلاّ وفق مساحة الفراغ التي يمكن اختراعها من أجل بدائل راهنة تتخطى الحدود لمغادرة مساحة الأزمة التي وضع الفن نفسه فيها: ضرب من مغادرة الانفلات الذي لا يمكن التنبؤ بمآلاته.

14