المعارضة تستثمر المشاركة المتدنية في الانتخابات التشريعية لمهاجمة قيس سعيّد

تونس – مثلت المشاركة الضعيفة في الدورة الثانية للانتخابات النيابية في تونس والتي بلغت 11.3 في المئة، مادة جاهزة للمعارضة وفي مقدمتها حركة النهضة الإسلامية عبر واجهتها "جبهة الخلاص"، لمهاجمة الرئيس قيس سعيّد ومشروعه السياسي، ومطالبته بالتنحي عن منصبه.
ويرى مراقبون أن هذه المعارضة لا تملك القدرة على دفع الرئيس إلى هذه الخطوة أو حتى على تعديل المسار الذي خطه في ظل تشرذمها، وانفضاض الشارع التونسي من حولها، حيث يحملها الأخير جزءا كبيرا من المسؤولية عن تردي الأوضاع في البلاد.
وعقب الإعلان عن النتائج الأولية مساء الأحد، التي أسفرت عن مشاركة متدنية، سعت "جبهة الخلاص"، أبرز القوى المعارضة التي تقودها حركة النهضة، إلى استغلالها واستثمارها سياسيا من خلال دعوة وجهتها لمختلف الأحزاب والمنظمات الاجتماعية إلى توحيد موقفها من أجل "رحيل" الرئيس قيس سعيّد وتنظيم انتخابات مبكرة.
وأدلى 887.638 شخصا بأصواتهم من مجموع 7.8 مليون ناخب مسجلين بحسب نتائج أولية، على ما أفاد رئيس الهيئة فاروق بوعسكر في مؤتمر صحافي.
وبلغت نسبة المشاركة 11.3 في المئة وفق ما أعلنت عنه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عقب غلق مكاتب الاقتراع مساء الأحد، وهي نسبة مشابهة للدور الأول والبالغة 11.22 في المئة.
وقال رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي في مؤتمر صحافي "أطلب من الحركة السياسية والمدنية أن نضع اليد في اليد لكي نحدث التغيير وهو رحيل قيس سعيّد والذهاب إلى انتخابات رئاسية مبكرة".
ويرى مراقبون أن الاستجابة لهذه الدعوة سيكون مآلها الفشل، فالحزب الدستوري الحر الذي تتزعمه عبير موسي، ولئن يتقاطع مع هذه القوى بشأن الدعوة إلى انتخابات مبكرة، فإنه يتعارض معها في العديد من التوجهات، خصوصا وأنه يعلم جيدا أن من يقودها هي حركة النهضة التي يعتبرها عدوه اللدود، وقد خاض معارك كثيرة ضدها وضد كل التشكيلات المنضوية تحت راية الإسلام السياسي خلال السنوات الماضية.
كما أن الاتحاد العام التونسي للشغل وعمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ترفض الانخراط مع هذه القوى السياسية التي لم تعد تحظى بالثقة في المجتمع التونسي، وهو ما دفعها إلى التقدم بمبادرة تقصي منها الأحزاب.
ونأى الاتحاد الشغل أكثر من مرة عن انخراطه مع المعارضة الحزبية وقد هاجمها أمينه العام نورالدين الطبوبي في أكثر من مناسبة، وكشف عن مساعيها لتوظيف الإضرابات لأجنداتها الخاصّة. كما دعاها إلى الكف عن تضليل الرأي العام والافتراءات.
وقال الشابي في هذا الصدد "أتوجه للاتحاد العام التونسي للشغل وعمادة المحامين ورابطة حقوق الإنسان وأقول لهم نحن في مركب واحد والحل يكون في قيادة سياسية جديدة".
ووصف الشابي الانتخابات البرلمانية الجارية "بالمسخ والفشل الذريع" لسعيّد، مضيفا "لن نعترف بها".
كما قالت حركة النهضة الإسلامية في بيان لها "هذه الانتخابات المهزلة بمثابة المسمار الأخير الذي دقه الشعب التونسي الفطن في نعش الانقلاب البغيض والمنقلب وإنهاء شرعيته".
ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تعكس أن المعارضة التي تعاني إلى جانب الانقسام، ظلت تراوح مكانها ولم تفهم مطالب التونسيين الذين لم تعد تعنيهم السياسة والأحزاب، وأن ما يهمهم هو كل ما يتعلق بأوضاع المعيشة، ومسألة التشغيل، والخدمات التي تراجعت بشكل كبير بعد الثورة.
ويشير المراقبون إلى أن من الدوافع الأساسية التي أفزرت هذه المشاركة الضعيفة أيضا هو وجود قناعة حتى لدى أولئك الذين يدعمون الرئيس التونسي بأن البرلمان الجديد محدود الصلاحيات، وبالتالي فإنه لا جدوى من الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
ويلفت هؤلاء إلى أن على الرغم من بروز تململ في الشارع التونسي حيال الوضع الاقتصادي الصعب، لكن ذلك لا يعني أن الشارع مستعد للالتفاف حول المعارضة الحالية، لاسيما تلك التي قادت المنظومة السابقة، والتي شكلت سببا رئيسيا في ما آلات إليه الأوضاع في البلاد.
ويعتقد أن التحدي الأبرز الذي يواجهه الرئيس سعيّد بعد الانتهاء من الانتخابات التشريعية ليس المعارضة بل هو الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها البلاد، لاسيما مع غياب أي مؤشرات حتى الآن على قرب التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي.
ويبدو أن هناك عوامل عدة تؤدي إلى إبطاء الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، أهمها وفق الباحث في "مركز كولومبيا" يوسف الشريف "دور الولايات المتحدة"، الفاعل الأبرز في صندوق النقد الدولي، والتي لديها تحفظات على النهج الذي تسلكه تونس.
وأعلنت وكالة التصنيف الائتماني الأميركية موديز السبت خفض تقييم ديون تونس طويلة الأجل درجة إضافية إلى "سي.إي.إي 2" مع نظرة مستقبلية "سلبية"، مشيرة إلى وجود "مخاطر أكبر" في ما يتعلق بقدرتها على سداد مستحقاتها.
ويرسم الخبير السياسي حمادي الرديسي في تصريح لوكالة فرانس برس صورة قاتمة عن حال تونس، قائلا إنّ "الوضع الاقتصادي مأسوي والبلاد على وشك الانهيار".
ومن مظاهر الأزمة الاقتصادية تباطؤ النمو إلى أقل من 3 في المئة، وارتفاع البطالة إلى أكثر من 15 في المئة، فيما تزداد مستويات الفقر الذي دفع 32 ألف تونسي إلى الهجرة بحرا نحو إيطاليا بشكل غير قانوني عام 2022.