المعارضة المصرية توظف الجدل حول اتحاد القبائل العربية للخروج من عزلتها

وجدت بعض أحزاب المعارضة في مصر في الجدل المجتمعي الذي رافق الإعلان عن تأسيس اتحاد القبائل العربية، توحي تسميته بتوظيف القبيلة في العمل السياسي ما يهدد التماسك المجتمعي، فرصة مواتية لفك عزلتها السياسية والعودة إلى تصدر المشهد السياسي العام.
القاهرة - دخلت بعض أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة في مصر على خط الجدل الدائر بشأن تأسيس اتحاد القبائل العربية مؤخرا، ودعت إلى مؤتمر – ندوة، اليوم الأربعاء، لمناقشة ما وصفته بـ”مخاوف تأسيس الاتحاد”، ووجهت الدعوة لبعض الشخصيات السياسية التي لها مواقف معارضة من تدشينه، ما يشي بأنها وجدت فرصة للعودة إلى المشهد العام بعد فترة من الانزواء تأثراً بخلافات داخلية.
واعتادت المعارضة في مصر تحديد مواقفها تجاه قضية بعينها من خلال عقد اجتماعات مغلقة، غير أن عدم التوافق حول الموقف العام من الاتحاد دفع بعض الأعضاء للقفز على مسألة الرؤية الموحدة مع إعلان أحزاب تجميد عضويتها وأخرى ترفض المضي في خط المعارضة المطلقة لتأسيس الاتحاد القبلي قبل التعرف على دوره، ما يشير إلى أن المؤتمر، أو الندوة، يتماشى مع رؤية سياسية رافضة للخطوة.
وأصدر عدد من الأحزاب المعارضة بيانا بعد تأسيس اتحاد القبائل العربية دون أن يكون ذلك تحت مظلة الحركة المدنية، وتم استدعاء أحزاب ناصرية بينها جناح جرى تشكيله منذ عشر سنوات تحت مسمى “التيار الناصري الموحد” للإعلان عن موقف رافض للاتحاد قبل أن يعلن الحزب العربي الناصري، أبرز الأحزاب داخل التيار، أنه “الكيان الوحيد الشرعي الذي يعبر عن التيار الناصري”.
ويضم التيار الناصري أحزاب: العربي الناصري والتحالف الشعبي الاشتراكي وتيار الكرامة وحزب الوفاق. وحسب البيان الذي أصدره ونشره المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي على منصة إكس، فإنه يرفض تأسيس “أيّ كيان على أساس عرقي أو قبلي أو طائفي”، وهي معايير قال التيار إنها تنطبق على اتحاد القبائل العربية، مطالباً أجهزة الدولة بـ”الاضطلاع بمسؤولياتها في الحفاظ على الأمن القومي والتماسك المجتمعي”.
وقال الحزب العربي الناصري، وهو أحد أحزاب الحركة المدنية قبل أن ينفض عنها، إنه لم يشارك في صياغة البيان الصادر عن التيار الناصري الموحد، معتبرا تأسيس اتحاد القبائل أمرا مهما لخلق إطار شعبي وطني جامع، يضم أبناء القبائل العربية، هدفه توحيد الصف وإدماج كافة الكيانات القبلية في إطار واحد دعما لثوابت الدولة الوطنية.
ويرى مراقبون أن الهواجس التي تركتها خطوة تدشين الاتحاد ألقت حجرا في مياه السياسة الراكدة مع زيادة الاهتمام بالأوضاع الاقتصادية والمشكلات على الحدود مع قطاع غزة، وهو ما تحاول الحركة المدنية توظيفه سياسيا، لكنها تصطدم بعدم القدرة على أن تكون لديها حرية حركة تستطيع بها حشد الرأي العام وراء موقفها. وتبحث الحركة عن خيارات بديلة تظهر عبر استدعاء تيار صغير أو عقد مؤتمر تسجل من خلاله موقفها بعد أن واجهت انتقادات لعدم تفاعلها مع أزمات داخلية عدة.
وعلى جانب آخر، تعاني المعارضة من تضييق في حركتها، وتنتظر فرصة سانحة تدخلها في المشهد العام للتأكيد على تواجدها، وتكون دائما رد فعل لأخطاء تقع فيها الحكومة فتظهر كأنها تساير رؤى مجتمعية لديها اعتراضات كثيرة على توجهات دوائر رسمية في ظل أوضاع اقتصادية ضاغطة قد تخلق حالة من الاحتقان.
وقال المحلل السياسي جمال أسعد إن إقدام الحركة المدنية على الدعوة إلى مؤتمر – ندوة في وقت تفتقر فيه إلى الحضور الفاعل في أزمات عديدة يهدف إلى التواجد في المشهد، لأن اتحاد القبائل العربية لاقى اعتراضات، وتبلور رأي عام ينادي بضرورة الابتعاد عن أيّ شبهات يمكن أن تؤثر سلبًا على تماسك الوطن ووحدته.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن أحزاب المعارضة تستفيد من مخاوف المصريين الآن، ووجدت مناخًا عامًا يمكن أن يتجاوب مع القضية التي تناقشها، وهناك قناعة بأن الجدل حول اتحاد القبائل العربية يجب أن يسمو فوق الخلافات المرتبطة بالمواقف السياسية الأخرى باعتبار أن القضية تمس الدولة، وتتجاوز أيّ خلافات بين المعارضة والنظام، لافتًا إلى أن الأجواء بعد الإعلان عن الاتحاد تشجع المعارضة على التحرك.
وتأسس اتحاد القبائل العربية في مصر قبل أيام برئاسة رجل الأعمال إبراهيم العرجاني بهدف دعم عملية البناء والتنمية في سيناء. وشدد كمال أسعد في حديثه لـ”العرب” على أن الأحزاب إذا لم تنجح في الوصول إلى الجماهير عبر رؤية سياسية واضحة قد تضلّ طريقها، وهو ما يحدث في مصر بعد أن تحولت الأحزاب إلى نسخ مكررة تتبنى مواقف متشابهة أحيانا، كذلك الوضع بالنسبة إلى أحزاب الموالاة، وكلاهما يفتقد الرؤية السياسية التي تقوده للالتحام بالشارع.
وأوضح أن المرجو أن تكون القضايا الإستراتيجية الكبرى متجاوزة للخلاف مع النظام، وتصبح بداية لتواصل حقيقي مع الجماهير، ولا يقتصر الأمر على مؤتمر أو صالون ثقافي أو بيان صحفي، وأن تتداخل الأحزاب مع نبض المواطنين، وحال التضييق فإن توظيف مقارها لتدريب وثقيف الكوادر وعقد اللقاءات سيكون مفيدا.
ويخشى مراقبون أن تدخل أحزاب محسوبة على تنظيمات إسلامية محظورة في مصر على خط الموقف من تأسيس الاتحاد، خاصة أنها نشطت الأيام الماضية عبر إصدار بيانات سعت فيها للتشكيك في أهداف الاتحاد والقائمين عليه، وتصوير الدولة كداعمة لإنشاء “ميليشيات مسلحة”، وهو موقف له بعد آخر يتعلق بالخطط المستمرة طيلة السنوات لجماعة الإخوان والمحسوبين عليها لضرب الدولة ومحاولة إضعافها.
وتنفخ أحزاب إسلامية، بينها حزب البناء والتنمية التابع للجماعة الإسلامية، في مسألة المخاوف من تأسيس جماعات مسلحة على غرار ما يحدث في دول قريبة على الحدود، مع أن هذه الأحزاب كانت أول من دعمت وجود الميليشيات في سيناء قبل أن يحقق الجيش المصري نجاحات مهمة في إبعاد خطرها، ما يشي بأن اتحاد القبائل سوف يصبح ثغرة توجه من خلالها الاتهامات للنظام عبر اتجاهات سياسية مختلفة، بغرض النيل من تحركاته في توفير الاستقرار بالطريقة المناسبة.