المعارضة المصرية تضيق بانتقادات درجت على توجهيها إلى الحكومة

المواقف المتعارضة تشير إلى وضع قضية هامشية فوق صفيح ساخن عمدا وتوظيفها بالدرجة التي لم يعد أحد يتذكر الاتهام الرئيسي.

الأربعاء 2023/08/23
معركة هامشية تعبر عن ضيق في نفس المعارضة

القاهرة - كشفت الأزمة بين قياديين في المعارضة المصرية، أحدهما محسوب على التيار الليبرالي والآخر على اليساري، عقم المشهد السياسي العام وبؤس العلاقة في صفوف المعارضة، حيث وفرت شكوى تقدم بها وزير القوى العاملة سابقا وأحد أقطاب تيار اليسار كمال أبوعيطة إلى النيابة العامة ضد أمين عام التيار الليبرالي هشام قاسم فرصة للنظام المصري لتأكيد المستوى الذي وصلت إليه المعارضة.

وأكد اتهام أبوعيطة لقاسم بالسب والقذف في حقه لمجرد أن كتب الثاني منشورا على صفحته الخاصة على فيسبوك رد فيه على اتهامات وجهت إليه بالعمل لحساب جهات خارجية، ضيق نفس المعارضة من انتقادات درجت على توجيهها إلى الحكومة.

وأخذت القضية منحى دراميا بعد أن بدأت النيابة العامة تحقيقاتها، الأحد، مع هشام قاسم ثم قررت الإفراج عنه بمبلغ خمسة آلاف جنيه (نحو 150 دولارا) وهو ما رفضه معتبرا الكفالة إدانة ضمنية، وامتنع عن دفعها محذرا أصدقاءه من القيام بذلك.

وتعمد قاسم عدم دفع الكفالة، وتضامن معه حزب المحافظين، ومكث الأحد والاثنين في قسم شرطة السيدة زينب بوسط القاهرة، وتمسك بموقفه متوعدا بتصعيد يطال السلطة التي بدأت تظهر في الصورة، إذ رأى قاسم أن قضيته تتجاوز اتهام أبوعيطة.

◙ النظام المصري أراد الاستفادة من معركة أبوعيطة - قاسم فهما من الشخصيات المعارضة والأزمة التي جمعتهما تثبت أن السلطة تواجه فصيلا منقسما ولن يزعجها سياسيا

وازداد الأمر تعقيدا بعد أن تقدم ضباط وجنود بقسم السيدة زينب ببلاغ جديد للنيابة ضد هشام قاسم حوى اتهاما له بالسب والقذف أيضا في حقهم، فقامت النيابة بضم بلاغهم مع بلاغ أبوعيطة، ثم أمرت مساء الاثنين بحبس قاسم أربعة أيام، في رسالة واضحة على الصرامة معه وعدم استبعاد تحويل الأمر إلى قضية تنظرها المحكمة.

واعتاد القيادي في التيار الليبرالي على توجيه انتقادات إلى النظام المصري والعديد من المسؤولين وأبدى تحفظات عدة على الوضع الإعلامي الذي يضيق بالمعارضين.

وتعرض الرجل لانتقادات من إعلاميين قريبين من الحكومة المصرية وظهر في لقاءات مع محطات تابعة لجماعة الإخوان وأخرى دولية، ووجه اتهامات مباشرة إلى السلطة بالتغول والتضييق على الحريات وتهميش المعارضة وعدم إتاحة الفرصة لإصلاحات سياسية واقتصادية تخرج الدولة من الأزمات التي تلاحقها.

وجاء المشهد العاصف، والذي قاد هشام قاسم إلى النيابة وليس بلاغ كمال أبوعيطة، وهو توجيهه انتقادات حادة إلى القائمين على الإعلام في مصر، وتجاوز كلامه الخطوط الحمر المتعارف عليها باتجاهه إلى من يديرون المشهد الإعلامي، ووعد بعدم التوقف عن التشهير بهم، وفهم أنه قصد التمادي في إحراج الدولة المصرية.

ويقول مراقبون إن القيادي في التيار الليبرالي لم يشأ إنهاء القضية عندما قررت النيابة الإفراج عنه بكفالة مالية زهيدة، وتعمد التصعيد ووجد الأمر فرصة ليثبت أنه مستهدف كمعارض ما يوفر له زخما داخليا وخارجيا يفيده في معركة بدأها الأشهر الماضية.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن النظام المصري أيضا أراد الاستفادة من معركة أبوعيطة – قاسم، فهما من الشخصيات المعارضة والأزمة التي جمعتهما تثبت أن السلطة تواجه فصيلا منقسما ولن يزعجها سياسيا، بالتالي الاتهامات التي توجه إليها بأنها تنال من المعارضة غير دقيقة، فإذا كانت قياداتها تنهش في جسمها فكيف تصبح ندا للسلطة؟

ويحاول كل طرف توظيف أزمة أبوعيطة – قاسم، فالأول رفض اتهامه بالفساد عندما كان وزيرا للقوى العاملة وأكد أنه حصل على براءات من التهم التي وجهت إليه، والثاني أراد أن ينفي تهمة “العمالة” للولايات المتحدة التي يرددها خصومه، في وقت تسعى فيه الحكومة إلى تعرية المعارضة ومحاولة جني ثمار سياسية من معاركها.

وتشير المواقف المتعارضة إلى وضع قضية هامشية فوق صفيح ساخن عمدا وتوظيفها بالدرجة التي لم يعد أحد يتذكر الاتهام الرئيسي (السب والقذف) الذي وجهه قاسم أيضا إلى أبوعيطة وأراد أن يختبر جدية النيابة في التحقيق معه في بلاغ مشابه.

وتحول السب والقذف إلى مطية سياسية، فالحكومة التي قيل إنها حرضت المعارض السابق كمال أبوعيطة تسعى إلى الاستثمار فيه، وهو المعروف أنه أحد أبرز “الهتيفة” في المظاهرات والاحتجاجات، وكان يقودها في بعض الميادين وتم حمله مرارا على الأعناق وترديد شعارات سياسية ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.

وبينما تعمل المعارضة، وعلى رأسها قيادات التيار الليبرالي الحر الذي تشكل منذ أسابيع قليلة، على توريط الحكومة في البلاغ الموجه ضد قاسم وتأويله سياسيا بالربط بين أبوعيطة والسلطة الحاكمة التي لم تحرك قضية ضد قاسم بعد تجاوزاته ضدها ودفعت بمعارض لتحريكها لتبدو الأزمة بعيدة عنها، معارضة ضد معارضة.

ولا تنطلي هذه المسألة على المتابعين للشأن المصري، ولذلك تجاهل هشام قاسم خصمه المعلن كمال أبوعيطة، واتجه إلى خصمه الحقيقي وهو النظام الحاكم برمته، ولم يوجه انتقادات حادة إليه بعد جره إلى النيابة وذهب إلى رأس النظام المصري الرئيس عبدالفتاح السيسي مباشرة، ما يعني أن القضية قابلة للمزيد من التصعيد.

◙ القيادي في التيار الليبرالي لم يشأ إنهاء القضية عندما قررت النيابة الإفراج عنه بكفالة مالية زهيدة، وتعمد التصعيد ووجد الأمر فرصة ليثبت أنه مستهدف كمعارض

وتأتي الأهمية من ارتباك يعم المشهد السياسي بمصر في وقت حرج، حيث من المنتظر الإعلان عن موعد تحديد إجراء انتخابات الرئاسة قبل نهاية العام الجاري، والتي يمكن أن تحمل ملامح سخونة في حالة تهيئة الأجواء لمنافسة شفافة بين المرشحين، أو في حالة إجراء انتخابات لا تتوافر لها المعايير الدولية اللازمة للنزاهة.

ورأت مصادر مصرية تحدثت لـ"العرب" أن من دفعوا كمال أبوعيطة أو أوحوا لعناصر الشرطة في قسم السيدة زينب بالتقدم ببلاغ ضد هشام قاسم في النيابة العامة أخطأوا في قراءة المشهد إذا كانوا من المعارضة أو قريبين من الحكومة.

وإذا اعتبر الموقف معارضة في مواجهة معارضة فهذا سوف يسبب لها المزيد من الضعف، أما إذا أرادت السلطة التهكم على المعارضة وأيّ ليونة معها ليست ضعفا، فإنها وفرت مناخا للجدل في غنى عنه لأن تداعياته ربما ترتد عليها.

وأكدت المصادر ذاتها أن مشاكسات القيادي في التيار الليبرالي أشارت إلى عزمه الدخول في معركة مع السلطة يعلم أنها غير متكافئة، لكن تقديره أن المساس به من قبل أجهزة الأمن أو هذا النوع من القضايا (السب والقذف) يوفر له جاذبية سياسية وإعلامية يستطيع أن يستغلها لتسليط الأضواء على انتقاداته المتعددة للقاهرة.

واللافت أن الخطوة التي اتخذتها الحكومة المصرية بالإفراج عن نشطاء سياسيين، أبرزهم وآخرهم أحمد دومة وإخلاء سبيل الصحافي كريم أسعد، أجهضها التحقيق في النيابة مع هشام قاسم، وعلى الرغم من أن الحكومة لا علاقة لها مباشرة بهذه القضية، لكن كان بإمكانها معالجتها سياسيا من قبل بعض الحكماء القريبين منها، فالتصعيد الذي يمكن أن تحدثه قد تشتعل نيرانه في ثوبها.

 

2