المعارضة المصرية تصعّد ضغوطها على النظام متعمدة إنهاكه سياسيا

تحاول المعارضة المصرية بمختلف أطيافها انتزاع بعض التنازلات من السلطة السياسية لاسيما فيما يتعلق بالحصول على ضمانات لانتخابات رئاسية شفافة، وقد صعّدت المعارضة ضغوطها في هذا الاتجاه، ووصلت هذه الضغوط إلى حد المطالبة بعدم ترشح الرئيس عبدالفتاح السيسي حيث تقول المعارضة إنه عنصر أزمة بدل حل.
القاهرة – صعدت جهات مختلفة محسوبة على المعارضة حملاتها على النظام المصري خلال الأيام الماضية، وقد اتخذت مسارات متعددة، جميعها تصب في مجال محاولة إنهاكه سياسيا، وكشف تناقضات بين تصوراته المعلنة وتصرفاته الفعلية.
واتهم البرلماني المصري السابق أحمد الطنطاوي، الذي أعلن عزمه الترشح لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة في مصر، سلطات الأمن في البلاد بارتكاب “جرائم أمنية” بحق أعضاء حملته الانتخابية.
وكتب على حسابه في منصة إكس الأربعاء أن الأجهزة الأمنية “صعدت خلال الأيام الأخيرة من وتيرة وحدة تصرفاتها غير القانونية واللاأخلاقية تجاه حملتي الانتخابية، مستخدمة أساليب متنوعة مرصودة وموثقة لدينا”.
وأعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إحدى المنظمات الحقوقية المحلية غير الحكومية، انسحابها من الحوار الوطني الذي يتم بين مؤيدين للنظام المصري ومعارضيه لمناقشة مجموعة من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عقب اعتقال القيادي العمالي محمد زهران.
كما نددت الحركة المدنية الديمقراطية في مصر بعودة الإيقافات، معلنة أنها “تتمسك بشكل حاسم بانتخابات تنافسية حقيقية بين عدد من المرشحين الجادين وحيادية كاملة من مؤسسات الدولة. لكن المؤشرات التي نراها حتى الآن مخيبة”.
وأصدرت بيانا حادا قبل أيام طالبت فيه بعدم ترشح الرئيس عبدالفتاح السيسي، معتبرة أن البلاد لن تحتمل فترة رئاسية ثالثة له، وحذّرت من أن التأخر في فتح مسار آمن للتغيير يضع مصر على شفا الانفجار.
وأكدت الحركة المدنية، التي تضم اثنى عشر حزبا وعددا من الشخصيات السياسية المعارضة، أن التغيير ضرورة ملحة في ظل وجود أزمة مستحكمة يمر بها الوطن، وتركت المصريين يعانون حياة يومية قاسية أغلبهم لا يحتملونها.
ولم تعلن المعارضة المصرية مقاطعتها للانتخابات الرئاسية المقبلة صراحة، لكنها أعلنت تمسكها بانتخابات تنافسية بين عدد من المرشحين الجادين وحيادية كاملة من مؤسسات الدولة، لأن الاستحقاق فرصة لإحداث تغير سلمي وآمن وشحن طاقات الأمل.
وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن الهدف من تصعيد الحركة المدنية وبلوغ الأمر المطالبة بعدم ترشح السيسي هو أن “تستقيم الأوضاع السياسية والاقتصادية”، لكنه يحمل إنهاكا معنويا لمؤيدي السلطة، وقد يدفع الشارع نحو المزيد من الإحباط، في ظل ضبابية المشهد وتعقد الأزمة الاقتصادية وعدم وجود أفق واضح للخروج منها.
وفسّر خالد داوود، الناطق باسم الحركة المدنية الديمقراطية، لـ”العرب” الهدف من عدم تحمل مصر فترة رئاسية ثالثة للسيسي بأن “البلاد لن تستطيع الوصول إلى بر الأمان طالما استمر تطبيق نفس التوجهات الخاطئة، كأن تعقد انتخابات رئاسية على هيئة استفتاء أو يأتي برلمان منزوع الدسم السياسي والصلاحيات”.
وأكد داوود أن تطبيق السياسات ذاتها في الولاية الثالثة سوف يزيد من حجم الضغوط والمشاكل، والمعارضة “لن تمانع في خوض الانتخابات إذا تأكدت من توافر ضمانات عقدها بشكل حر ونزيه وفقا للدستور، ولن تقبل بتكرار سيناريوهات قديمة بأن يخوض الرئيس المنافسة من دون منافسين حقيقيين”.
وتستثمر الحركة المدنية في بطء إجراءات الحكومة للإعلان عن الجدول الزمني لانتخابات الرئاسة وعدم توفير الضمانات التي تلزم الدولة بأن يكون الاستحقاق الرئاسي نزيها وشفافا وبلا تدخل من أي جهة، ما جعلها تصعّد نبرة الهجوم وهي ترى أن الحكومة لم تستقر بعد على الطريقة التي تمتص بها غضب المعارضة.
النظام المصري لن يقدم تنازلات في ملف يخدم مصالح الإخوان، وهو ما يفرض على الدوائر السياسية في السلطة أن تفرق بين مطالب مدنية وبين خطاب مؤدلج تعتمد عليه الجماعة لإحراج السيسي
ويرى مراقبون أن أزمة الكيانات المعارضة في مصر ترتبط بتصدير إخفاقها المتكرر نحو السلطة وقلة العمل على تنظيم صفوفها والتوحد حول هدف يتعلق بتقوية قواعدها لخوض الانتخابات وهي تقف على أرض صلبة ومدعومة جماهيريا.
ويعتقد هؤلاء المراقبون أن سعي الحركة المدنية لإنهاك النظام ومؤيديه قد يجلب لها ضمانات طفيفة ويرفع بعض القيود عن حركتها، لكنْ ستظل المعضلة في عدم استثمارها بوادر فرصة لاحت لها يمكن أن تحولها إلى فرصة حقيقية.
وأوضح بيان للحركة المدنية أن المؤشرات الحالية “مخيبة للآمال” وأن التعامل الخشن مع كل من يتقدم لانتخابات الرئاسة والحملات الإعلامية ضد أي فاعلية للمعارضة بهدف مناقشة ترتيبات الانتخابات ينبئان بأن “هناك محاولات لإدارة انتخابات رئاسية مهندسة مسبقا لتمكّن الرئيس الحالي من استكمال مدته الثالثة”.
وأوحى تصعيد الحركة المدنية أنها جعلت من الرئيس السيسي، العقدة والحل في آن واحد، بألا يترشح لفترة رئاسية ثالثة، وفي غياب البديل الذي يمكن أن يواجه التحديات الداخلية والخارجية بات هو نفسه البديل.
وذكر داوود في تصريحاته لـ”العرب” أن النظام المصري يقول إنه وصل إلى مرحلة غير مسبوقة من الاستقرار على المستويين السياسي والأمني، “ومن الأجدر أن يتخذ خطوة جادة نحو عقد الانتخابات بشكل مختلف، ولا مانع في توافر شروط وضمانات طالما أن هناك استقرارا، لكن استمرار التضييق على المرشحين المحتملين واعتقال مواطنين لمجرد دعم آخرين غير السيسي يقودان المشهد إلى أزمة معقدة”.
وهناك اقتناع لدى الكثير من القوى السياسية وبعض الدوائر القريبة من السلطة بأن غياب السيسي عن المشهد ليس حلا لكل المشكلات التي تعيشها مصر، وهو نفسه سبق أن صرّح بأنه ليس حريصا على المنصب بقدر خوفه على المستقبل أمام التحديات التي تواجهها البلاد، ولا يمكن تركها تسقط مرة أخرى.
يبدو النظام المصري غير مكترث بخطاب تكسير المعنويات الذي تتبناه قوى معارضة مختلفة، حيث يعتقد أن سلطته قوية وراسخة ومستمرة ويصعب النيل منها
ويبدو النظام المصري غير مكترث بخطاب تكسير المعنويات الذي تتبناه قوى معارضة مختلفة، حيث يعتقد أن سلطته قوية وراسخة ومستمرة ويصعب النيل منها، وأي سباق ستخوضه المعارضة معه خاسر، لأنها ضعيفة وبلا قواعد شعبية.
وبدأ إعلام الإخوان ينقل خطاب المعارضة المتناغم نسبيا مع أهدافه في زاوية السعي لتغييب السيسي عن المشهد العام، ما يمثل ضعفا للمعارضة في الداخل، لأنه ليس من مصلحتها أن يتم وضعها والإخوان في سلة واحدة الآن، وهو ما يحاول الإعلام المؤيد للسيسي تضخيمه مؤخرا.
ومن المستبعد وجود تنسيق ممنهج بين الحركة المدنية والإخوان حيال الموقف من انتخابات الرئاسة المقبلة، ولا يخرج الأمر عن تقارب في نغمة الخلاف، وإذا تأكدت السلطة من وجود تفاهمات بين الطرفين فسوف يزداد المشهد العام تعقيدا.
ومعروف أن النظام المصري لن يستجيب لمطالب أو يقدم تنازلات في ملف يخدم مصالح الإخوان، وهو ما يفرض على الدوائر السياسية في السلطة أن تفرق بين مطالب مدنية خاصة بإجراء انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة وتنافسية، وبين خطاب مؤدلج يعتمد عليه الإخوان لإحراج الرئيس السيسي.
ومن المهم أن تقتنع الحكومة بأن المسار الذي سلكته الحركة المدنية بمحاولة إنهاك مؤيدي النظام معنويا هو نتاج طبيعي لحالة التضييق التي تعرضت لها المعارضة على مدار سنوات ومنعتها من تقوية قواعدها وتنظيم صفوفها.