المعارضة المتناحرة تخدم الحكومة المصرية المشغولة بانتخابات الرئاسة

الحكومة ستكون مستفيدة بشكل مباشر من تفتت المعارضة التي تحولت إلى تكتل يصعب التعويل عليه لإفراز بديل مدني قادر على أن يصل إلى رأس السلطة.
الاثنين 2023/08/28
انتكاسات المعارضة تخدم الحكومة

القاهرة- قدمت المعارضة المصرية مجموعة من الهدايا على طبق من فضة للحكومة المصرية بعد أن دخلت في أزمات داخلية تسببت في المزيد من المعاناة، وجعلت الانقسام قابلاً للتحول إلى قطيعة علنية، ما يخدم حكومة تواجه مشكلات اجتماعية واقتصادية، وتحاول تهيئة الظروف لإجراء انتخابات رئاسية مطلع العام المقبل.

وعبّر التصعيد الذي يقوده التيار الليبرالي الحر -ويضم أحزابا عدة تندرج تحت لافتة “الحركة المدنية المعارضة” للإفراج عن رئيس مجلس أمناء التيار هشام قاسم دون أن تشارك الأحزاب الناصرية صاحبة التكتل الأكثر قوة داخل الحركة التي تضم 12 حزبًا وطيفا من الشخصيات السياسية- عن حجم الخلاف الذي يدور داخل المعارضة.

وقد وقع رؤساء أحزاب التيار الليبرالي الحر وقياداته و11 منظمة حقوقية وأكثر من 100 شخصية عامة السبت على عريضة تطالب بالإفراج عن قاسم قبل أيام من محاكمته على ذمة قضية “السب والقذف ونشر أخبار كاذبة”، التي رفعها ضده وزير القوى العاملة الأسبق واليساري المعروف كمال أبوعيطة، على خلفية اتهامات متبادلة بين الطرفين على منصات التواصل الاجتماعي.

مصطفى كمال السيد: ما تعانيه المعارضة يتماشى مع أحوالها  العامة منذ فترات طويلة
مصطفى كمال السيد: ما تعانيه المعارضة يتماشى مع أحوالها  العامة منذ فترات طويلة

ومن المقرر أن يتخذ التيار الليبرالي الذي يضم في عضويته أربعة أحزاب -تتمثل في “المحافظين” و”الدستور” و”الإصلاح والتنمية” و”مصر الحرية”- موقفًا من المشاركة في انتخابات الرئاسة بشكل منفصل عن الحركة المدنية، مع الإعلان عن عقد مؤتمر صحفي اليوم الاثنين، يتطرق إلى الموقف من الانتخابات والانفتاح على الحوار مع السلطة.

وكشفت مصادر مطلعة في الحركة المدنية لـ”العرب” عن عقد اجتماع، غدا الثلاثاء، أي بعد يوم واحد من انعقاد اجتماع التيار الحر لمناقشة الموقف النهائي من انتخابات الرئاسة، وقد تدفع باتجاه موقف عام لا تظهر فيه المعارضة أمام الرأي بأنها مفككة، خاصة أن استجابة الحكومة لمطالبها في ملف الحريات العامة وتوفير الضمانات اللازمة لخوض الانتخابات مازالت ضعيفة.

ولا يحظى موقف المعارضة، سواء تعلق بالمشاركة في الانتخابات أو بمقاطعتها، باهتمام من قبل الشارع المصري، وستكون الحكومة مستفيدة بشكل مباشر من هذا التفتت الظاهر أمام الرأي العام، والحركة المدنية كتكتل يصعب التعويل عليها لإفراز بديل مدني قادر على أن يصل إلى رأس السلطة أو مستويات عليا داخلها.

وبعثت المعارضة إلى الرأي العام إشارات  دون أن تقصد أنها تعاني أوضاعا هشة من الداخل، وأفكارها التي تُعلنها، مثل تشكيل فريق رئاسي، ليس لها مجال للتطبيق على أرض الواقع، ما يدعم رؤى حكومية تشير إلى أن من يتواجدون على مقاعد المعارضة لا يعرفون أحيانا أبجديات العمل السياسي.

وقال أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة مصطفى كامل السيد إن ما تعانيه المعارضة يتماشى مع أحوالها العامة منذ فترات طويلة، ودائما تنشغل بقضايا صغيرة وتسهم في صرف النظر عن قضايا كبرى وهامة، والنتيجة تكرار ما تتعرض له من انتكاسات تخدم الحكومة مباشرة.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “أحزاب التيار الليبرالي الحر أخطأت حينما جعلت نفسها طرفًا في خلاف شخصي بين قطبين معارضين، ومبادرة حزب الكرامة وأحزاب التيار الليبرالي بإصدار بيانات ومواقف متعارضة استفادت منها الحكومة، ما تسبب في تداخل القضايا والتهم الموجهة إلى قاسم دون أن يحظى بدعم كبير”.

وأشار السيد إلى أن الموقف من انتخابات الرئاسة قضية خلافية داخل الحركة المدنية ولا أحد يعرف ماذا عن موقف رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران بعد أن أعلن نيته الترشح في ظل معاناته من أزمة صحية، كذلك الوضع بالنسبة إلى جميلة إسماعيل رئيسة حزب الدستور، فعليها اتخاذ موقف يتسق مع الموقف العام للتيار الليبرالي الذي يواجه ضغوطًا بعد حبس رئيس مجلس أمنائه هشام قاسم.

وتابع “كما أن أكرم قرطام رئيس حزب المحافظين لم يعلن موقفه النهائي من مطالبات حزبه بترشيحه في انتخابات الرئاسة المقبلة”.

أحمد بهاء الدين شعبان: الحركة المدنية تحاول رأب الصدع وحل المشكلة الراهنة والوصول إلى نتيجة منصفة للجميع
أحمد بهاء الدين شعبان: الحركة المدنية تحاول رأب الصدع وحل المشكلة الراهنة والوصول إلى نتيجة منصفة للجميع 

وبدلاً من أن تضع المعارضة الحكومة في مأزق بسبب عدم تجاوبها مع مطالبها السياسية وجدت نفسها في مأزق أكبر، لأن وجود تباينات في المواقف يقود إلى إنهاء ما بنته من تحالفات وإن حاولت الظهور متماسكة، وسيكون هدف المعارضة المدنية كيفية تحسين صورتها التي تشوهت في أنظار من عولوا عليها في ملء الفراغ العام.

وقامت رؤى المعارضة في السابق على أن تسجل مشاركة قوية في انتخابات الرئاسة، ودعم حضورها بشكل كبير في انتخابات البرلمان بعد ذلك، وركزت ضغوطها على إدخال تعديلات في قوانين الانتخابات قد تمكنها من شغل كتل برلمانية واسعة تدعم وجودها السياسي، لكن الآن عليها الوصول إلى صيغة تحفظ صورتها أمام المواطنين.

وأوضح القيادي البارز في الحركة المدنية أحمد بهاء الدين شعبان أن خلاف المعارضة غير حميد ويأتي في توقيت صعب قبل وقت قصير من انتخابات الرئاسة، وترتب عليه تباعد في صفوف المعارضة، بين جزء ناصري وآخر ليبرالي، وكان يمكن تجاوز الخلاف وحله بشكل ودي، لكنه تصاعد دون أن يتمكن أحد من تسويته.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “الحركة المدنية تحاول رأب الصدع وحل المشكلة الراهنة والوصول إلى نتيجة منصفة للجميع بما يخدم المعارضة والمصلحة العامة للدولة، والتي لن تحتمل إجراء انتخابات لا تتمتع بقدر كبير من المنافسة السياسية”.

وأشار الناشط العمالي ووزير القوى العاملة الأسبق كمال أبوعيطة إلى رفضه الوساطات التي تقودها قيادات في المعارضة لإنهاء خلافه مع هشام قاسم والتنازل عن القضية المرفوعة ضده، قائلا في تدوينه قصيرة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك “أعتذر للأصدقاء، لن أدير خدي الأيسر، أما الأعداء فأنا كفيل بهم”.

وتجعل القيود المفروضة على الحركة السياسية في مصر منذ عقود المعارضة غير قادرة على إيجاد آليات ديمقراطية تعالج التباينات بينها، ومازالت الأحزاب ترى أنه يجري التضييق عليها وتطغى نظرية المؤامرة على تفاعلها مع الأزمة بين أبوعيطة وقاسم، وبالتالي قد يتم إلصاق التهمة بالحكومة دون قدرة على حل الخلاف الداخلي في مرحلة بحاجة إلى ترسيخ مكتسبات ضئيلة حصلت عليها مؤخرا.

1