المعارضة العراقية ترسم ملامح كيان سياسي جديد عابر للطائفية

باريس - انطلقت في العاصمة الفرنسية باريس أعمال مؤتمر “المشروع الوطني العراقي” بحضور حشد من السياسيين والمفكرين ورجال الدين العراقيين من المنافي والداخل، وعدد من السياسيين والدبلوماسيين والمفكرين العرب والغربيين، وسط تفاؤل بأن يؤسس هذا المؤتمر لكيان عراقي جديد عابر للطوائف والإثنيات والقوميات.
ويأتي المؤتمر، الذي تستمر أعماله ليومين، بسبب انهيار العملية السياسية والأمنية والمجتمعية، وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء كبيرة من العراق وهو ما فتح المجال لبروز قوى وميليشيات إيرانية تنتهك حقوق العراقيين بحجة محاربة التنظيم المتطرف، فضلا عن فشل الحكومات العراقية السابقة من تنفيذ أيّ إصلاح سياسي، ومماطلة الحكومة الحالية في تنفيذ وعودها بهذا الصدد، وكذلك انتشار الفساد والمحسوبيات والمحاصصة وسياسات التمييز، ما أدى لوصول العراق إلى حافة الانهيار.
وعُقدت خلال اليوم الأول للمؤتمر ندوات شارك فيها نخبة من السياسيين والمفكرين العراقيين ممن لم يشاركوا في العملية السياسية بعد عام 2003 وبعض العرب والغربيين، حول الوضع في العراق وتأثيراته المختلفة على المنطقة والعالم، والاستراتيجية المطلوبة لإنقاذ العراق، ودور الأطراف الإقليمية والدولية في الأزمة العراقية، وغيرها من المحاور.
وقال الشيخ جمال الضاري، أحد زعماء قبيلة زوبع، ورئيس منظمة “سفراء من أجل السلام” في تصريحات لـ”العرب”، “لقد برزت الحاجة لمقاربة غير حكومية للسلام والمصالحة تُنقذ العراق وتخرجه من دوامة الحرب، وآن الأوان ليعمل الجميع من سنّة وشيعة ومسيحيين وأكراد وإيزيديين لإعادة اللاجئين إلى الوطن، وتحويل العراق لبلد آمن مزدهر سليم، وهذا المؤتمر هو جزء حيوي من أجل هذا المستقبل الذي نطمح له”.
وأضاف الضاري “لا نقول إن هذا المؤتمر سيحل المشكلة العراقية، لكنه سيحاول أن يضع الأسس الحقيقية للحل، التي من غير العراقيين لا يمكن أن تتم، والعراقيون جميعاً معنيون بإنجاح هذه الفرصة”.
وكشف الضاري لـ”العرب” عن أن “المؤتمر سيُنتج جسما سياسياً عراقياً جديدا عابرا للطائفية، وقائما على المواطنة التي فقدناها بعد عام 2003”.
وتقوم العملية السياسية الحالية التي أرساها الاحتلال الأميركي على أساس المحاصصة الطائفية وتلتقي الرؤية الأميركية مع إيران التي تمكنت خلال السنوات الأخيرة من التغلغل في العراق ومدّ نفوذها به عبر أداوتها الداخلية السياسية والميليشيات المسلحة التي تموّلها.
واعتبر المحامي صباح المختار، رئيس جمعية المحامين العرب في بريطانيا لـ”العرب” أن المؤتمر “سيساعد على فهم كيف يمكن لنا أن نخرج من محنتنا”.
العراقيون يحتاجون لمشروع عابر للقوميات والطوائف والأديان، مشروع يؤمن الاطمئنان والأمن والحماية، ويكرس الدولة المدنية
وعن غياب بعض الأطراف العراقية عنه أوضح المختار أن “الخلافات الموجودة بين أبناء الشعب العراقي، سواء منهم الموجودون داخل أو خارج البلد، ومن هم داخل العملية السياسية وخارجها، كبيرة جداً، وبالتالي لن يكون هناك أيّ عمل يجتمع عليه كل العراقيين، على الأقل في الوقت الراهن، لذلك هناك عدة محاولات من عدة جهات، للمّ شمل الجميع، وهذا المؤتمر لن يتأثر بغياب أو مقاطعة بعض العراقيين، وسنعمل في المستقبل، من خلال المؤتمرات التالية على إقناع كل القوى الأخرى الغائبة عن هذا المؤتمر بالانضمام إليه”.
واهتم المؤتمر، الذي يعتبره كثيرون خطوة مهمة في اتجاه إخراج العراق من الوضع المتردي الذي يعيشه، بدور إيران الخطير في تكريس الطائفية خدمة لمشروعها التوسعي.
وقال الشيخ السيد محمد علي الحسيني، “العراق بات محتلا من قبل ولاية الفقيه”، وشدد على أن الإيرانيين “جاؤوا للهيمنة على العراق وزرع الفتنة والفساد، وعملوا على مشروع تقسيمي طائفي يهدد الكيان العراقي كله”.
ورأى أن العراقيين يحتاجون لمشروع عابر للقوميات والطوائف والأديان، مشروع يؤمّن الاطمئنان والأمن والحماية، ويكرس الدولة المدنية.
وأثنى على المؤتمر، وأكد أن الجبهة العراقية الوطنية التي ستنبثق عنه “ستكون سفينة النجاة” بعيداً عن المذهبية والطائفية.
أما السفير دافيد ويلدون، العضو السابق في الكونغرس الأميركي فشدد على أهمية أن يواصل أبناء المنطقة مبادراتهم، لأن هناك زخما لجعل العراق مختبرا إيجابيا للشرق الأوسط كله، كما أن هناك فرصة لإعادة كتابة تاريخ الشرق الأوسط.
وشدد ويلدون على أن العملية السياسية والتغيير في المنطقة يجب أن يبدآ من العراق على الرغم من تركيز العالم على الوضع السوري حالياً.
وأكد على ضرورة إشراك كل العراقيين دون تمييز في عملية إعادة بناء الدولة والمجتمع، ضمن عملية إصلاح شاملة وحكومة تكنوقراط بعيدة عن المحاصصات الحزبية والعشائرية والطائفية، تعمل على تغيير الذهنيات، وتحويل الوعي لشيء ملموس ضمن مقاربة جامعة تشاركية، مع تشديده على ضرورة إلغاء قانون عزل البعثيين وإصدار عفو شامل والعمل على إجراء مصالحات بين الجميع، مع إشارته إلى أن عملية التحول والإصلاح السياسي يجب أن تسبق الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية لأن الأمر قد يحتاج لسنوات طويلة.
ورأى برادلي بلاكمان، مستشار الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، أن هذا المؤتمر خطوة إيجابية ليس فقط لمحاربة الإرهاب والفكر المتطرف في العراق بل في المنطقة بشكل عام، وقال إن على العراقيين عدم انتظار الإدارة الأميركية والعمل ـ كما في هذا المؤتمر- على التوجه لدول أخرى ومختبرات صناعة القرار والتفكير، والمجتمعات والمؤسسات المدنية والأهلية والباحثين، وتجاوز البيئة السياسية، والتفكير بقادة ما وراء المصالح السياسية لإيجاد منصة يمكن أن تبني المستقبل العراقي.
وجرت خلال المؤتمر مناقشات ومداخلات أشارت إلى الدور السلبي الذي لعبته الولايات المتحدة منذ احتلالها للعراق، وخطئها اللاحق بانسحابها السلبي لصالح توسع النفوذ الإيراني وهيمنة إيران على مصير العراق، وطالب البعض الولايات المتحدة بضرورة تقديم اعتذار من الشعب العراقي، ومحاولة إصلاح ما أفسدته منذ بدء حربها على البلاد.
ورأى جيرالد ويل، العضو السابق في الكونغرس الأميركي، أن واشنطن مرغمة على مناقشة قضايا الحروب في الشرق الأوسط لأن مثل هذه القضايا برأيه تؤثر على الأمن الأميركي، وشدد على أن أمن وازدهار العراق أمر متصل بشكل مباشر مع أمن الولايات المتحدة، وقال بضرورة نبذ الطائفية ومحاربة الفساد كمدخل للتحول السياسي.
وجرت مداخلات أشارت إلى عملية التنمية وإعادة البناء، ومكافحة الفساد، وضرورة القضاء على الميليشيات الطائفية والتنظيمات الإرهابية، وكذلك التأثيرات الاقتصادية على الوضع السياسي بشكل عام، ومدى استعداد الولايات المتحدة مستقبلا لتقديم دعم مادي ومعنوي لاستقرار البلد وأمنه وإعادة إعماره.
ومن المقرر أن تكون جلسات الأحد، مغلقة على الصحافيين، وسيتم خلالها انتخاب رئيس للمؤتمر، وتشكيل لجان لكتابة الوثائق الأساسية تحضيراً للإعلان عن “مشروع العراق الوطني” الذي سيكون وفق الشيخ الضاري كيانا سياسيا شاملا للمعارضة العراقية، وسيتم انتخاب رئيس وأعضاء له.