المعارضة الجزائرية تغيب عن مأزق الانتخابات الرئاسية

مواقف محتشمة تعكس حجم ضرر استحواذ السلطة على المشهد.
الجمعة 2024/09/13
السلطة تتحكم في المشهد الجزائري

الجزائر - لا زالت قوى المعارضة السياسية غائبة عن استغلال مأزق الانتخابات الرئاسية، من أجل ثني السلطة عن خياراتها، واقتصر الأمر لحد الآن عن بيانات ومنشورات معزولة على الحسابات الرسمية في شبكات التواصل الاجتماعي، وطعون للمرشحين، دون ظهور أي مبادرة تمهد لاستعادة التوازن في مشهد استحوذت عليه السلطة قبل أن تدخل في مأزق مفاجئ بسبب الانتخابات الرئاسية.

واعتبر حزب جيل جديد المعارض على مخرجات الانتخابات الرئاسية الجزائرية، بـ”فشل الديمقراطية في البلاد، وأن نتائج الانتخابات تعتبر عرضا دالا على عدم التطابق الواضح بين نظام التمثيل والشعب”، في إشارة إلى المقاطعة الواسعة وللتفاوت الكبير بين النتائج المحصل عليها من طرف المرشحين.

وذكر في بيان بأن “المشاركة الضعيفة جدا للجزائريين في عملية التصويت، ولا مبالاتهم إزاء كل المؤسسات التمثيلية، هو إنذار أحمر، بل خطر على أمن الدولة. وليس الاحتجاج على بضع مئات الآلاف من الأصوات هو من سيغطي على عزوف 19 مليون مواطن”.

ورغم دخول نتائج الانتخابات المذكورة، في سياق الأمر الواقع، بعد تواتر التهاني والتبريكات من رؤساء وأمراء وملوك الدول، الذين هنأوا الرئيس عبدالمجيد تبون، بولايته الرئاسية الثانية، إلا أن تداعياتها الداخلية تفتح المشهد الجزائري على احتمالات مختلفة، ما دامت أزمة الشرعية تلاحق المؤسسات الرسمية، والقطيعة بين الشعب والسلطة مستمرة.

غير أن المعارضة السياسية لم تواكب المأزق السياسي الجديد، ولا زالت ردود فعلها محتشمة لحد الآن، ويقتصر الأمر على بيانات ومنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، رغم أن المقاطعة الواسعة صبت في وعاء المعارضين، ويبدو أن سياسة الكتم المنتهجة من طرف السلطة، أفقدتها القدرة على بلورة تصورات مناسبة لمختلف التطورات. 

وقال حزب جيل جديد في رد فعل نادر لحد الآن، “فلنتجاوز انعدام الكفاءة الواضح في تسيير الاقتراع من قبل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات والضغوط العديدة التي تتلقاها في سبيل تضخيم معدلات المشاركة. إذ أن غياب أي قدرة على التعبئة الشعبية، ولو كانت جزئية، لدى المجتمع السياسي (الأحزاب والجمعيات والنقابات) هو المثير للتساؤل”.

حزب جيل جديد شدّد على وجوب استرجاع الحريات وإطلاق سراح سجناء الرأي وإصلاح قانون الانتخابات

وأضاف، “من اقتراع إلى آخر، صارت استقالة الشعب وعدم ثقته في السياسيين تتضح أكثر. لقد تعرض أمل 22 فبراير 2019 للخيانة”، في إشارة لانتفاضة الحراك الشعبي.

ولفت إلى أن البلاد تعيش صدمة سياسية، “فالمسار الديمقراطي الذي انطلق في 1988 قد تم تحريفه منذ أمد طويل وقد وصل إلى محطته النهائية، وصارت الأزمة السياسية في الأفق ولا مفر منها، إذا لم يتم علاج أصل الوضع البائس للأمة. يجب على الرئيس تبون الذي سيتولى عهدة ثانية أن ينظر إلى هذا الاقتراع على أنه تجلٍّ واضح للإخفاقات السياسية الخطيرة لنظام الحكم. وعلى الدولة أن تفتح الباب لمشاورات حقيقية من أجل مراجعة عميقة لمبادئ سير النظام السياسي الحالي، وإعادة النظر في مقاييس وطرائق انتقاء الموارد البشرية وإعادة بناء طبقة سياسية أصيلة بعيدة عن الزبانية والجشع”.

وشدد الحزب على “وجوب استرجاع الحريات وإطلاق سراح سجناء الرأي وتحرير الإعلام وإصلاح قانون الانتخابات وإعادة التفكير في السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. على الدولة أن تختار بين أن تبني حياة سياسية سليمة بإزالة شوائب الماضي، أو أن تعلن ديكتاتورية تتحمل تبعاتها. لقد بات بناء الجزائر على الأكاذيب والتزوير والخداع وهميا. والواجهة الديمقراطية قد انهارت”.

وفيما حمّل أستاذ علم الاجتماع السياسي ناصر جابي، السلطة مسؤولية الإخفاق وفشل الاستحقاقات السياسية في حل الأزمات المتراكمة، أكد الوزير والدبلوماسية السابق عبدالعزيز رحابي، في منشور مقتضب، على أن “أخيرا قال الحراك الصامت كلمته. لقد حدث ما كنت أخشاه واستنكرته مرارا: البلاد تدخل مرحلة من اللا حكم بسبب عدم تلبية المطالب الكبرى للحراك (عدالة، حرية، محاربة الفساد) وإغلاق المجالين السياسي والإعلامي”.

وأشار متابعون للشأن السياسي الجزائري، بأن فكرة الحراك الشعبي التي اعتقد الكثير أنها تلاشت تحت تأثير القبضة الأمنية والقمعية، واستفراد السلطة بالمشهد العام، ليس كذلك، وإنما الذي حدث هو تعبير جماعي صامت عن موقف يجمع عليه قطاع عريض من الجزائريين، وهو تحقيق التغيير السياسي الشامل في البلاد.

ورغم أن الولاية الثانية للرئيس تبون، هي الآن في حكم الأمر الواقع، إلا أن رفض المرشحين المنافسين لمجريات الانتخابات والطعن في نتائج السلطة المستقلة للانتخابات، يمثل واحدة من الشوائب التي تعلق بولاية تبون، رغم أنه هو الآخر ندد بتلك المجريات.

وصرح مرشح حركة “حمس” عبدالعالي حساني شريف، “نملك أدلة وقرائن تثبت أن النتائج المعلن عنها تتناقض في كل معطياتها سواء ما تعلق بنسب المشاركة أو النتائج، مع المحاضر التي لدينا… والصادرة عن نفس الجهة”.

وأضاف، “الطعن له أبعاد سياسية لأن ما قامت به السلطة جريمة مكتملة الأركان فقد مست بصورة البلد وشوهت العملية الانتخابية أمام الرأي العام. كما مست بسمعة مرشحين”.

أما مرشح جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، فقد صرح للصحفيين، “طالبنا بإعادة فرز الأصوات في العديد من الولايات ومراكز الاقتراع بالنظر إلى التضخيم الكبير في نسبة المشاركة والأصوات المعبر عنها، وأن طعننا شمل كل التجاوزات التي لمسناها خاصة يوم الاقتراع وعند إعلان النتائج التي لا نتقبلها بتاتا ولا تعكس الإرادة الشعبية”.

وأضاف، “هذا يطعن بصفة قطعية في نزاهة الانتخابات التي أردنا أن تكون نقطة انطلاق لبناء مؤسسات شرعية”.

في حين ذهب جيل جديد، إلى أن “الولاء والزبانية وانعدام الكفاءة والرداءة والشعوبية والفساد وسوء التسيير هي التي تتغلب في النهاية على الدولة. ينبغي اليوم الخروج من هذا المأزق التاريخي بأقل قدر من الأضرار والتوجه بالأخص إلى الإصلاحات الحقيقية التي تحتاجها الأمة”.

4