المعارضة التونسية تفشل في حشد الشارع: لا تملك بديلا عن مشروع سعيّد

تونس – تواجه المعارضة السياسية في تونس موقفا صعبا بعد فشل رهانها على حشد الشارع خلفها في الذكرى الثانية عشرة للثورة التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في العام 2011.
ويرى مراقبون أن من الأسباب الرئيسية التي حالت دون تمكن المعارضة من خلق حالة شعبية معارضة للرئيس قيس سعيّد، وجود قناعة سائدة في الشارع التونسي بأن هذه المعارضة التي كانت بالأمس القريب في السلطة أو مشاركة فيها بشكل أو بآخر، هي المتسبب الرئيسي في الصعوبات الاقتصادية التي يواجهونها اليوم، وبالتالي لا يمكن انتظار وصفة منها لحل أزمة البلاد.
ويشير المراقبون إلى أن ما زيد من نبذ الشارع التونسي لهذه المعارضة، أن جل تحركاتها تنصب في كيفية العودة إلى السلطة وبأي طريقة، دون أن يكون لها أي مشروع بديل عما يطرحه الرئيس سعيّد.
وسعى أقطاب المعارضة السياسية في تونس، تتصدرهم جبهة الخلاص التي تقودها حركة النهضة الإسلامية، إلى استغلال ذكرى الثورة لحشد الشارع والنزول بقوة يوم الرابع عشر من يناير، للمطالبة برحيل سعيّد، لكنهم اصطدموا بحضور شعبي ضعيف زاد من إحراج موقفهم، ومنح الرئيس سعيّد متنفسا.
وقال الكاتب والمحلل السياسي محمد ذويب “إن ما حصل له ما بعده وأن فشل الحراك السياسي وفقدان أي أمل في توافق المعارضة المقسمة ستكون له تداعياته على تكتيكات كل الأطراف، ولاسيما المعارضة لمسار الخامس والعشرين من يوليو، خاصة وأن الدور الثاني من الانتخابات التشريعية سيأتي بعد أسبوعين، وتركيز برلمان جديد سيلغي أي إمكانية للحديث عن البرلمان القديم”.
وحذر ذويب في تصريحات لـ”العرب” من أن “حركة النهضة لن تقف مكتوفة الأيدي وستحاول تأجيج الأوضاع بكل الطرق، مثل إثارة الاحتجاجات في بعض الأحياء الشعبية وبعض المدن الداخلية أو حتى اللجوء إلى العنف في عدة مناطق”، مستدركا بالقول “لا أعتقد أنها ستنجح في ذلك”.
وشهدت بعض المناطق في تونس ليل السبت – الأحد تحركات احتجاجية لم تخل من عنف، مثل محاولات السطو على بعض المؤسسات وحرق إطارات مطاطية في الشوراع، ما استدعى تدخلا من قوات الأمن.
ووجهت وزارة الداخلية التونسية اتهامات لبعض الأطراف بالسعي إلى التحريض على القيام بأعمال شغب في أحياء شعبية. وقالت الوزارة في بيان “تتوفّر معلومات لدى المصالح الأمنيّة مفادها سعي بعض الأطراف (لم تسمها) إلى تحريض عدد من المراهقين والقصّر وذوي السوابق العدلية للقيام بأعمال شغب في بعض الأحياء الشعبية (لم تحددها)”.
وأضافت الوزارة أن “العمل حثيث للقبض عليهم (المحرضين على الشغب) وإحالتهم إلى العدالة”. كما أشارت إلى أن “النيابة العامّة بالمحكمة الابتدائية في قرمبالية بمحافظة نابل (شمال شرق) أذنت السبت باعتقال 3 أشخاص بتهمة تكوين وفاق إجرامي”.
وذكرت أن تهمة المعتقلين هي “الإضرار بالأملاك الخاصة والعامة وبث الرعب في صفوف المواطنين وحيازة زجاجات حارقة للاعتداء على مقر الضابطة العدلية”.
ويرى مراقبون أن التحركات الليلية المتزامنة في عدد من المناطق، بينها أنحاء في العاصمة تونس، وفي ولايات القصرين وقفصة وبنزرت، لا يمكن أن تكون عفوية، وأن هناك بعض القوى تسعى فعلا لتأجيج الأوضاع، وأيضا استنزاف قوات الأمن.

ويشير المراقبون إلى أن مثل هذه التحركات تعكس وجود حالة من اليأس لدى من يقف خلفها لفرض تغيير بشكل سلمي، وهذا تطور خطير يشي بأن هناك من هو مستعد للذهاب بعيدا في عملية ابتزاز السلطة السياسية.
ويقول هؤلاء إن السلطات التونسية أظهرت قدرة كبيرة حتى الآن على التعاطي مع الاستفزازات الجارية، لافتين إلى أن الرئيس التونسي سيكون أكثر ارتياحا بعد فشل حشد المعارضة للشارع، وسيمضي قدما في تنفيذ مشروعه، وهو ما شدد عليه مرارا وآخرها في الجولة التي قام بها قبل يوم على الاحتجاجات في العاصمة تونس.
وأعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس فاروق بوعسكر الأحد أن الدور الثاني للانتخابات التشريعية المبكرة سيُجرى في التاسع والعشرين من يناير على أن تنطلق حملة الدعاية الاثنين.
وخلال مؤتمر صحافي عقد في تونس العاصمة، قال بوعسكر إن “الحملة الانتخابية ستنطلق الاثنين إلى غاية الجمعة السابع والعشرين من يناير، على أن يكون السبت الثامن والعشرين من يناير يوم الصمت الانتخابي (عشية الاقتراع)”.
وأضاف أن “الإعلان عن النتائج الأولية سيكون الأربعاء الأول من فبراير المقبل والنتائج النهائية للدور الثاني ستكون إثر انقضاء الطعون في أجل لا يتجاوز السبت الرابع من مارس المقبل”.
وأعاد بوعسكر التذكير بأن بأن 23 مرشحا، بينهم 3 نساء، فازوا في الدور الأول بمقاعد من أصل 154 مقعدا في مجلس نواب الشعب.
وبشأن الهوية السياسية للمرشحين المتنافسين في الدور الثاني، أفاد بأنهم “12 عن حركة الشعب و8 لحزب صوت الجمهورية و3 لحراك 25 يوليو ومرشح واحد عن حركة تونس إلى الأمام، فيما بقية المرشحين من المستقلين”.
وتابع أن “7 ملايين و853 ألفا و445 ناخبا مدعوون للدور الثاني للانتخابات (في 131 دائرة انتخابية) من أصل 9 ملايين و136 ألفا و502 ناخب”. وأوضح بوعسكر أن “23 دائرة حُسمت فيها الانتخابات من الدور الأول لن تُجرى فيها الانتخابات”.

وفي السابع عشر من ديسمبر الماضي أُجري الدور الأول وسجل نسبة مشاركة متدنية بلغت 11.22 في المئة من الناخبين، وهو ما اعتبرته أحزاب سياسية فشلا لإجراءات رئيس البلاد قيس سعيّد الاستثنائية، ودعت إلى انتخابات رئاسية مبكرة، فيما طالب الاتحاد العام التونسي للشغل بعدم إجراء الدور الثاني.
ويلفت المراقبون إلى أن ما حصل السبت لن يؤثر فقط على المعارضة السياسية، بل أيضا على القوى المجتمعية التي لا تخفي خصومتها مع الرئيس سعيّد، وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي توعد في وقت سابق بالتصعيد، في حال لم تلق المبادرة التي يعزم على طرحها صدى لدى الرئيس.
وقال المحلل السياسي التونسي ذويب إن “رفض الرئيس مبادرة الاتحاد قد يدفع الأخير إلى اللجوء إلى التصعيد بشن إضراب في عدة قطاعات وحتى المرور إلى إضراب عام، ولكن التساؤل المطروح هو هل سينجح هذا الإضراب؟ وحتى إن نجح فماهي الخطوة التي ستليه؟ ليبقى الواقع في البلاد مفتوحا على كل السيناريوهات”.
وأفاد الناشط السياسي حاتم المليكي بأن “الصراع السياسي في تونس يحجب الصراع الاجتماعي، وبات واضحا أن التونسيين غير معنيين بذلك”.
وأضاف المليكي في تصريحات لـ”العرب” أن “ما تريده المعارضة يرفضه المواطنون، ولا أعتقد أن حركة النهضة ما زالت تملك القدرات الكافية لزيادة حشد الشارع، لأنها بدأت تفقد جزءا كبيرا من قاعدتها الشعبية، والمسألة مرتبطة أساسا بحدة الاحتقان الاجتماعي”. وتابع المليكي أن إصرار الرئيس على عدم الحوار يفرض إكراهات معينة على المعارضة، ولاسيما اتحاد الشغل.