المعارضة التركية واثقة من إزاحة أردوغان

مساع للاصطفاف خلف مرشح رئاسي واحد.
الجمعة 2022/12/30
شارع مهيأ للتغيير

تقترب أحزاب المعارضة التركية من خوض الاستحقاق الرئاسي في ربيع 2023 بمرشح رئاسي موحد، وهي خطوة يقول مراقبون إن من شأنها إزاحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن ذلك يستوجب المزيد من تكثيف الجهود لتجاوز الخلافات بينها.

 أنقرة - على الرغم من الضغوط السياسية المتزايدة في الآونة الأخيرة، تعتقد المعارضة التركية أنها ستتمكن من استبدال الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات المقبلة، بعد عقدين من حكمه. إلا أن ذلك يستوجب خطوات عملية أهمها الاصطفاف خلف مرشح رئاسي واحد، وهو ما لم يُتفق عليه حتى الآن.

وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري، المعارض الرئيسي العلماني، كمال كلينجدار أوغلو الخميس “لقد سئم الناس من أردوغان… يقولون كفى”. وأضاف كلينجدار أوغلو بمقر حزبه في أنقرة أن أغلب الأتراك يتوقون إلى “الديمقراطية والحرية والعدالة”.

وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري “ستبدأ حقبة جديدة”، في إشارة إلى الانتخابات الحاسمة المقرر إجراؤها في منتصف عام 2023. ومن المقرر إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في تركيا في منتصف يونيو القادم، لكن وسائل إعلام محلية تكهنت مؤخرا بإجراء انتخابات مبكرة.

تورهان جوميز: الناس يستعدون لتلقين أردوغان درسا في صناديق الاقتراع
تورهان جوميز: الناس يستعدون لتلقين أردوغان درسا في صناديق الاقتراع

وينتظر أن تعلن كتلة معارضة من ستة أحزاب، بقيادة حزب الشعب الجمهوري وحزب إيي (الخير) الوطني المحافظ، عن مرشح موحد لمواجهة أردوغان.

وتعد الكتلة، وهي مزيج نادر من الديمقراطيين الاجتماعيين والمحافظين اليمينيين والإسلاميين في تركيا، بالعودة إلى نظام الحكم البرلماني، وإنهاء النظام الرئاسي الذي بموجبه يتمتع أردوغان بسلطات واسعة منذ عام 2018. ولم يحدد ائتلاف المعارضة المكون من ستة أحزاب بقيادة حزب الشعب الجمهوري، الذي ينتمي إليه عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، مرشحا رئاسيا بعد.

ويدور الحديث حول رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو بكونه منافسا محتملا، وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه قد يفوز على أردوغان، لكن حظرا سياسيا أصدرته محكمة تركية على إمام أوغلو ألقى به خارج المنافسة. وقال المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا إن منافس أردوغان قد لا يستطيع حكم البلاد حتى لو فاز بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويشير مراقبون إلى أن التصريحات التي جاءت على لسان رئيس المجلس الأعلى للانتخابات يمكن أن تعرض للخطر فرصة ترشيح عمدة إسطنبول من قبل قادة المعارضة لخوض انتخابات يونيو، بعد إدانته بإهانة مسؤولين.

وحوكم إمام أوغلو بسبب خطاب ألقاه عام 2019 بعد انتخابات إسطنبول، قال فيه إن من ألغوا التصويت الأولي، الذي هزم فيه بفارق طفيف مرشح حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان، “حمقى”. وقال إمام أوغلو إن التعليق جاء ردا على وزير الداخلية سليمان صويلو لاستخدامه اللغة نفسها ضده.

وبعد إلغاء النتائج الأولية فاز في انتخابات الإعادة بفارق مريح، منهيا حكم حزب العدالة والتنمية وأسلافه الإسلاميين (استمر الحكم 25 عاما) لأكبر مدينة تركية.

وعلى الرغم من زيادة السلطات من القضاء إلى التمويل، فإن شعبية أردوغان تتراجع بسبب المشاكل الاقتصادية وأعلى معدل تضخم منذ سنوات بلغ أكثر من 80 في المئة، وفقا لمساعد أردوغان السابق والسياسي المعارض في حزب الخير تورهان جوميز. وقال جوميز “الناس يستعدون لتلقين أردوغان درسا في صناديق الاقتراع”.

ويقول مراقبون إن نظام أردوغان الذي يواجه أزمة اقتصادية خطيرة وتضخما تجاوز 85 في المئة خلال الأشهر الـ12 الماضية، يريد إضعاف المعارضين الذين طالتهم أساسا موجات من الاعتقالات أعقبت محاولة الانقلاب في 2016.

وكان أردوغان يخوض حملته الانتخابية على أساس سجل الرخاء الاقتصادي والتنمية، لكن الوضع الاقتصادي التركي تدهور كثيرا. ويرى أتيلا يسيلادا، المحلل في شركة جلوبال سورس بارتنرز التي تتخذ من إسطنبول مقرا لها، أن “سنوات السياسات غير المسؤولة أضرت بالاقتصاد التركي”.

نظام أردوغان يريد إضعاف المعارضين الذين طالتهم أساسا موجات من الاعتقالات أعقبت محاولة الانقلاب في 2016

وسيكون الوضع الاقتصادي محددا لمسار الانتخابات القادمة ومقياسا لتوجهات الناخبين، فإذا نجح أردوغان خلال الفترة المتبقية قبل الانتخابات في كبح انهيار الليرة وخفض معدل التضخم وتحسين الأوضاع المعيشية للأتراك، قد يستعيد جزءا من ثقة الناخبين ويرفع أسهم شعبيته. لكن إذا استمر الوضع على حاله أو ازداد سوءا، فإن ذلك سيؤثر حتما على حظوظه وحظوظ حزبه.

وتحمّل المعارضة التركية الرئيس التركي مسؤولية انهيار الليرة والارتفاع القياسي لمعدل التضخم، وكذلك تردي الوضع المعيشي للمواطنين، متهمة أردوغان بتدمير الليرة بسبب تدخلاته في السياسة النقدية وبتقويض مصداقية واستقلالية البنك المركزي بفرضه تخفيضات قسرية لأسعار الفائدة.

كما ترى المعارضة وشق واسع من الشخصيات السياسية والأكاديمية والحقوقية أن الأزمة التي تعيشها تركيا هي نتاج طبيعي لسياسات أردوغان ولمعاركه الخارجية المدفوعة بطموحات شخصية.

ويشير المعارضون إلى أن التدخلات العسكرية الخارجية في ليبيا وسوريا وفي نزاع ناغورني قره باغ استنزفت موازنة الدولة وسممت علاقات تركيا الخارجية، موضحين أن النهج الصدامي والعدائي الذي انتهجه أردوغان تجاه الشركاء الغربيين والخليجيين في السنوات الأخيرة، أضر بالاقتصاد التركي وجعل المستثمرين الأجانب يتجنبون ضخ استثمارات في السوق التركية.

وسيكون سباق الرئاسة في تركيا استثنائيا بكل المقاييس مقارنة بالانتخابات السابقة، حيث سيواجه أردوغان منافسين شرسين نجحوا في الاستفادة من الأزمة المالية الطاحنة لجهة تعزيز موقعهم في مقابل إضعاف خصمهم.

Thumbnail

وبدأت في الأشهر الماضية ترتسم ملامح تحالفات حزبية هدفها تشكيل جبهة قوية، فقط من أجل عزل أردوغان سياسيا. واللافت أن جزءا من التحالفات المتوقعة سيشمل أحزابا جديدة، بعضها ولد من رحم حزب العدالة والتنمية الحاكم إثر الانشقاقات الواسعة التي أضعفت الحزب. ومن بين المنشقين والمرشحين المحتملين لمنافسة أردوغان رئيس وزرائه السابق أحمد داود أوغلو والوزير الأسبق علي باباجان.

وتعكس استطلاعات الرأي سأم الناخبين من الرئيس، بعد سنوات قليلة مضطربة في تركيا تميزت بتصاعد التوترات مع بعض حلفاء البلاد في الناتو وبتصاعد الاستقطاب الاجتماعي في الداخل. وهذه النتائج تشير إلى انتصار محتمل للمعارضة، إنْ لم يكن في السباق الرئاسي فسيكون في البرلمان، حيث تأمل في انتزاع الأغلبية التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان.

وتعرض أردوغان لانتقادات حادة في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان والديمقراطية وكذلك استهداف المؤسسة العسكرية عبر تطهيرها بذريعة الانقلاب الفاشل في 2016، كما تراجع سجل البلاد في ملف حرية التعبير والصحافة، لكن الرئيس التركي يشدد على أن بلاده تتعرض إلى ضغوط لأسباب غير موضوعية.

وكان أردوغان قد جدد في أكتوبر الماضي رغبته طويلة الأمد في وضع دستور تركي جديد يكون “ديمقراطيا وبسيطا وذا رؤية”. وقد اعتبر بعض المراقبين أن هذا المشروع يجسد رغبة في تعديل الحد الأقصى لولايتين رئاسيتين، المنصوص عليه في الدستور الحالي.

5