المعارضة الإسلامية في الكويت تتحول إلى شرطة أخلاق

الكويت- استغل الإسلاميون الأزمة بين الحكومة الكويتية ومجلس الأمة، والخلافات داخل الأسرة الحاكمة، ليمرروا مشاريع قوانين تهدف إلى الالتفاف على مكاسب المرأة الكويتية وإعادة المجتمع إلى الوراء. ومن هذه المشاريع “وثيقة القيم” التي تسمح لهم بأن يتحولوا إلى شرطة أخلاق تتحكم في سلوك الناس.
وينظر الإسلاميون إلى الوضع في البلاد بشكل مختلف. وبدلا من تقديم برامج أو مقترحات للخروج من الوضع الاقتصادي الصعب في الكويت، يعتبرون أن الأزمة أخلاقية، وأن الحل يكمن في الاحتكام إلى الشريعة، دون مراعاة لمسار التطور الذي شهدته البلاد في السنوات الأخيرة.
وتشمل وثيقة القيم عدة بنود أهمها “العمل على تطبيق قانون منع الاختلاط”، و”رفض المهرجانات الهابطة”، و”تفعيل قانون اللباس المحتشم”.
ويقول مراقبون إن الوثيقة تسعى لإعادة الكويت إلى الوراء، وإن الكويتيين يجب أن يتخلوا عن خلافاتهم ويتّحدوا في وجه المشاريع الهدامة، خاصة أن الإسلاميين صاروا القوة المؤثرة في البرلمان، وإن التساهل مع أفكارهم سيشجعهم على تطبيقها.
اقرأ أيضا:
ويسعى الإسلاميون إلى جعل مجلس الأمة عدوّا للمجتمع الذي انتخبه وتحويله إلى أداة سلبية بدلا من سن القوانين التي ينتظرها الكويتيون، والتي تساعد على تحسين ظروف حياتهم.
وراهن هؤلاء على أن الليبراليين من نواب وسياسيين لا يمكن أن يقفوا في وجه الدعوة إلى تطبيق الشريعة أو الحفاظ على الأخلاق. وتزامن طرح الوثيقة مع انتخابات مجلس الأمة لإحراج المرشحين. لكن وثيقة القيم قوبلت بردّ فعل قوي من الكويتيات والجمعيات التي تدافع عن مكاسب المرأة الكويتية.
وطالبت الجمعيات بوقف العبث بمكتسبات المرأة الكويتية والالتزام بالدستور، متهمة النواب الإسلاميين بالسعي لتحجيم الحريات الشخصية والتركيز على قضايا هامشية “بينما تناسوا قضايا الوطن الملحة، ومنها تطوير التعليم، والقضاء على الفساد المستشري واستباحة المال العام”.
وسخرت ملك الرشيد، الأستاذة في جامعة الكويت، من مضمون الوثيقة، واعتبرت أن “من يقرأها سيتبادر إلى ذهنه أن المجتمع الكويتي مجتمع فاسق منحلّ أخلاقيّا، ولهذا يحتاج ممثلوه إلى إصدار مثل هذه الوثيقة، لانتشاله من الوحل كأولوية قبل التعليم والصحة”.
وعلى الرغم من أن المجتمع السياسي الكويتي لا يزال رجوليا إلى حد بعيد -حيث لم تتمكن من تخطي حواجز دخول البرلمان سوى امرأة واحدة هي جنان الشهري- تلعب المرأة الكويتية أدوارا وظيفية أخرى، سواء في المؤسسات الحكومية أو ضمن المؤسسات الخاصة، كما في الجامعات والشركات، مما يعني أن لها حضورا لا يمكن إنكاره.
وتقوم المناورة الجديدة التي يعتمدها النواب الإسلاميون على تمرير قائمة الممنوعات بالتقسيط بدلا من طرحها كمطلب يوحي بالحاجة إلى إنشاء “شرطة أخلاق” لملاحقة النساء.
ومن بين عمليات التمرير التي تمت بنجاح خلال الدور الأول لانعقاد المجلس، صادق البرلمان على المادة 16 من قانون إنشاء المفوضية العليا للانتخابات، بفرض إلزام المرأة بـ”الزي الشرعي” حين تترشح للانتخابات.
كما تم تقديم اقتراحات تقضي بقصر وظائف القضاء على الذكور باعتبار أنه “لا يجوز شرعا تولي المرأة القضاء، لأن القضاء ولاية عامة لا يتقلدها إلا الرجال”. وكذلك اقتراح حظر إجراء عمليات التجميل والوشم إلا بعد فحص وموافقة لجنة خاصة داخل وزارة الصحة، واقتراح آخر لـ”إعادة الرقابة المسبقة على الكتب والإصدارات” خشية أن تتضمن تلميحات لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية. وكان مجلس الأمة ألغى العمل بهذه الرقابة عام 2020.
ويقول مراقبون إن الهدف الرئيسي من قائمة الممنوعات هو تجريد القانون 17 لعام 2005، الذي منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية، من مضمونه. وهو القانون الذي كان بمثابة اعتراف بدور ومكانة المرأة في الحياة العامة.
وتشمل قائمة الممنوعات الأخرى حظر المهرجانات وبعض الحفلات، وفرض قيود على ارتياد المسابح ونوادي الفنادق، حيث تستهدف الفصل بين الجنسين، ومنع الأنشطة الرياضية المختلطة، أو تلك التي تقتضي ارتداء ملابس قصيرة أو ضيقة، ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي للحيلولة دون حدوث التعارف بين الجنسين، وتجريم اللقاءات الثنائية بينهما.
ويقول مراقبون إن هذه الممنوعات يفترض أن تطال تدريجيا الموظفات في الدوائر والمؤسسات الحكومية والشركات الخاصة، لتكون بمثابة “نظام قيم” يمتثل له المجتمع شيئا فشيئا.
وفي حين تعاني الكويت من مشكلات في الخدمات الأساسية والبنية التحتية وقضايا التنمية الاجتماعية، يحاول إسلاميو البرلمان الكويتي الجديد، حسب قول المراقبين، مقايضة تعاونهم مع الحكومة بتدْفيع المجتمع الكويتي الثمن، وذلك بالسعي لدفعه إلى تشدد تحاول الكثير من دول المنطقة أن تتجاوزه، بما فيها السعودية.