المطبعون القدامى غير مرتاحين للمطبعين الجدد

القاهرة- أكد المؤتمر الذي عُقد بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة الأحد لدعم وحماية القدس أن المطبعين القدامى، مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، غير مرتاحين لسياسات المطبعين الجدد من دول عربية وأفريقية مختلفة، حيث استدعى المطبعون القدامى التذكير بالثوابت الرئيسية في التعامل مع القضية الفلسطينية.
وبدأ توجه إسرائيل نحو زيادة وتيرة التطبيع مع دول عربية وأفريقية، آخرها السودان وتشاد، مريحا لها لأنه يأتي منفصلا عن القضية الفلسطينية ومركزا على العلاقات الثنائية والفوائد التي يمكن أن يتحصل عليها كل طرف بلا قيود نمطية.
ويبدو أن مصر والأردن وفلسطين شرعت في الاستثمار السياسي لملف القدس الذي يشهد تجاوزات حاليا من قبل إسرائيل، وتعتزم الحكومة اليمينية الجديدة طمس هوية المدينة وقصرها، بشقيها الغربي والشرقي، على اليهود فقط.
◙ القاهرة تشعر بقلق بالغ من تسارع وتيرة التطبيع بين إسرائيل ودول عديدة، خاصة مع وصول سفينته إلى السودان وتشاد
وسعى قادة الدول الثلاث من خلال المؤتمر الذي استضافته جامعة الدول العربية للتأكيد على أن “الهرولة” نحو إسرائيل تحت لافتة التطبيع والاتفاقيات الإبراهيمية لن تلغي القضية الفلسطينية، ويمكنهم أن يتخذوا خطوات تقطع الطريق عليهما.
وحاول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) دغدغة مشاعر الشعوب العربية باختيار القدس عنوانا للمؤتمر لتمرير رسائلهم السياسية الرافضة لمنهج التطبيع الحديث.
وانطوى المؤتمر على إشارات عديدة، من أهمها أن المطبعين القدامى يستطيعون فرملة خطوات نظرائهم الجدد، ولديهم من الأدوات الرمزية ما يساعدهم على إحراج الفريق العازف إلى حد كبير عن التنسيق معهم، والمصمم على تبني رؤى مستقلة عنهم.
وحرص الاجتماع على أن يكون خطابه متسقا مع أدبيات السلام الدولية بالتركيز على الشرعيات القانونية والسياسية والاتفاقيات السابقة التي منحت الفلسطينيين حقوقا لا يجب تجاهلها في خضم تفاعلات يمكن أن تصبح فيها إسرائيل رقما أساسيا.
وبدأت القاهرة تشعر بقلق بالغ من تسارع وتيرة التطبيع بين إسرائيل ودول عديدة، وزاد القلق إثر وصول سفينته إلى كل من السودان وتشاد مؤخرا، ما يمنح تل أبيب تفوقا نوعيا في أفريقيا ودول تمثل أهمية إستراتيجية لمصر قد لا تستطيع الحفاظ عليها.
ويتجاوز تحرك قادة مصر والأردن وفلسطين في الوقت الراهن أبعاد التركيز على ثوابت القضية الفلسطينية والحفاظ على مكانة القدس في الوجدان العربي العام، حيث أردوا الإيحاء بصعوبة تخطي أدوارهم المحورية وعقد صفقات مع إسرائيل من وراء ظهورهم، ما يمثل خطورة كبيرة على مصالحهم الإقليمية، وأن المطبعين السابقين يملكون أدوات سياسية يمكن من خلالها خلط أوراق المطبعين الجدد.
ويقول مراقبون إن مؤتمر دعم القدس تضمّن شحنة معنوية مناهضة لتحييد القضية الفلسطينية في خطوات التطبيع الجديدة، عكس الخطوات السابقة التي جعلت فيها كل اتفاقيات السلام التي عقدت بين الجهات الثلاث وإسرائيل هذه القضية ركنا أساسيا.
ولم تظهر الدول الخليجية تحمّسا كبيرا لدعم مصر والأردن وفلسطين بتوفير حزم اقتصادية إضافية، وقررت تعديل توجهاتها في المساعدات وتحويلها إلى استثمارات مباشرة دون اعتداد بالأزمات الحادة، خاصة في كل من مصر والأردن.
وكشفت مصادر عربية أن دولا خليجية، مثل السعودية والإمارات، لم تهمل القضية الفلسطينية، وربطت تطوير علاقاتها مع إسرائيل بالبحث عن أدوات لتسوية هذه القضية والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني.
ولفتت المصادر نفسها لـ”العرب” إلى أن التمسك بهذا التوجه ينزع المتاجرة بالقدس، ويقلّل الخطوات التي تستهدف التشكيك في توجهات هذه الدول العربية ودعم القضية الفلسطينية.
وحمل مؤتمر دعم القدس رسالة من القاهرة وعمان أفادت بأن المكتسبات التي تتوقعها إسرائيل والدول العازمة على توقيع شراكات معها والتمهيد لتحولات في الأولويات بموجب التطبيع يمكن أن تتعرض للانهيار، أو الاهتزاز على الأقل، إذا ترك البلدان بلا غطاء مادي ومساعدات سخية تنقذهما من توابع الأزمة الاقتصادية في كليهما.
واستخدم الرئيس الفلسطيني أبومازن كلمات قاسية في خطابه أمام المؤتمر تؤكد على ثوابت القضية الفلسطينية وما تعرضت له من تجاوزات وتنكيل ومؤامرات تاريخية، في محاولة لإعادة الزخم إليها، ومساعدته على الخروج من المأزق الذي يواجهه في الداخل بسبب قلة حيلته في التعامل مع تحركات الحكومة المتطرفة في إسرائيل.
واستدعى الرئيس السيسي أمام المؤتمر القاموس السياسي الذي يمكّنه من المواءمة بين أهدافه المصرية والفلسطينية والعربية من جهة، وبين الأوضاع الدولية التي بدأت تتجاهل الثوابت الرئيسية للقضية الفلسطينية باعتبارها أم القضايا التي تؤدي معالجتها إلى فتح الطريق لتسوية الكثير من الصراعات في المنطقة.
◙ مؤتمر دعم القدس تضمّن شحنة معنوية مناهضة لتحييد القضية الفلسطينية في خطوات التطبيع الجديدة
وجاء اجتماع القاهرة من وجهة نظر القادة الثلاثة على خلفية ظروف طارئة ومتأزمة تواجه القضية الفلسطينية وظروف تهدد الأمن الإقليمي ومفهوم التعايش بين شعوب المنطقة، حيث تستمر الإجراءات أحادية الجانب المخالفة للشرعية الدولية، من استيطان وهدم للمنازل وتهجير ومصادرة للأراضي، وعمليات تهويد للقدس ممنهجة، واقتحامات غير شرعية للمسجد الأقصى، بشكل يزيد الاحتقان على الأرض ويهدد بانفلات الأوضاع الأمنية.
وشدد الرئيس السيسي على موقف بلاده الثابت إزاء رفض وإدانة أيّ إجراءات إسرائيلية لتغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم لمدينة القدس، محذرا من محاولة استباق أو فرض أمر واقع يؤثر سلبًا على أفق مفاوضات الوضع النهائي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وأكد اجتماع القدس على الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، بما في ذلك المسجد الأقصى باعتباره مكان عبادة خالصًا للمسلمين.
وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور لـ”العرب” إن “اجتماع القدس ربما يحرك المياه الراكدة في القضية الفلسطينية ويعيدها إلى تصدر المشهد عند تعامل المطبعين الجدد مع إسرائيل كي لا تبدو دولهم وكأنها ضحت عمدا بهذه القضية في سبيل مصالحها السياسية والاقتصادية”.
وأضاف أن “أهمية المؤتمر تأتي من دوره في إمكانية العودة إلى ثوابت الموقف من العلاقة مع إسرائيل، والتي أرست قواعدها مبادرة السلام العربية منذ حوالي عقدين، والتذكير بأهمية التنسيق بين المطبعين السابقين واللاحقين للحفاظ على قدر كبير من التوازن، فاختزال الأمر في وجود فريقين مختلفين ومتصارعين يصب في مصلحة إسرائيل”.