المضي في قانون المحكمة الدستورية يهدد الانتخابات في ليبيا

إصرار مجلس النواب على تحدي سلطة المحكمة العليا يهدد بتقسيم السلطة القضائية.
الأربعاء 2023/04/19
تمسك كل طرف بموقفه سيؤدي إلى انسداد سياسي

بنغازي - تقول أوساط سياسية ليبية إن نشر مجلس النواب لقانون المحكمة الدستورية في الجريدة الرسمية بمثابة لغم قد يهدد التوافق الهش بينه وبين المجلس الأعلى للدولة، الأمر الذي سينعكس على جهود إجراء الانتخابات.

وصدر قانون المحكمة الدستورية العليا بالجريدة الرسمية في التاسع والعشرين من مارس الماضي، دون أن ينتبه له الكثيرون، بدليل أنه لم يحدث الكثير من اللغط إلا مؤخرا، رغم الضجة التي أحدثها عند مصادقة مجلس النواب عليه في ديسمبر الماضي.

وتعتبر المادة الأولى من أكثر المواد إثارة للجدل، لأنها تنص على أن يكون مقر المحكمة الدستورية مدينة بنغازي (شرق)، بدلا من العاصمة طرابلس، ما قد يعتبر هيمنة للمنطقة الشرقية على السلطة القضائية بعدما سيطرت على السلطة التشريعية.

وهذا الأمر دفع المجلس الأعلى للدولة في طرابلس (نيابي استشاري) لتعليق تواصله مع مجلس النواب “إلى حين إلغاء القانون”، بعد يوم فقط من مصادقة برلمان طبرق على القانون.

وتحت ضغط من مجلس الدولة وعدة أطراف في المنطقة الغربية، اضطر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح للتراجع، واتفق مع رئيس مجلس الدولة، في الثالث والعشرين من ذات الشهر، على عدم إصدار “قانون المحكمة الدستورية العليا”.

وبناء عليه، استأنف مجلس الدولة تواصله مع مجلس النواب في الثاني من يناير الماضي. وتزامن رفع التعليق، مع إعلان مجلس الدولة قرب التوصل إلى توافق بينهما بخصوص القاعدة الدستورية، التي ستجرى على أساسها الانتخابات.

انقسام السلطة القضائية سيعطل الانتخابات، لأنه لن تكون هناك جهة قضائية موحدة للفصل في القضايا الانتخابية

وتبين فيما بعد أن التوافق بين المجلسين كان حول تعديل بعض مواد الإعلان الدستوري، والذي صادق عليها مجلس النواب، بشكل مفاجئ في 10 فبراير، لكن أكثر من 50 عضوا في مجلس الدولة عارضوا التعديل وقاطعوا الجلسات، ما عطل انعقاد جلسة التصويت أكثر من مرة، فسارع مجلس النواب لنشر التعديل في الجريدة الرسمية، دون انتظار التصديق عليه من مجلس الدولة، كما ينص عليه الاتفاق السياسي.

وتحت تلويح المبعوث الأممي عبدالله باتيلي بتشكيل لجنة تسييرية عليا تكون بديلا لمجلسي النواب والدولة سارع مجلس الدولة بالمصادقة على تعديل الإعلان الدستوري، حتى بعد نشره في الجريدة الرسمية ما أثار مزيدا من الانقسام والجدل بين أعضائه.

وفي ظل هذه التجاذبات السياسية أصدرت المحكمة العليا في الخامس من مارس الماضي، حكما “بعدم دستورية” قانون إنشاء محكمة دستورية.

وبعد صدور هذا الحكم من أعلى هيئة قضائية، ظن الجميع أن ملف المحكمة الدستورية “طوي وأصبح من الماضي”، لكن مجلس النواب تجاهل حكم المحكمة العليا وأصدر القانون في الجريدة الرسمية ما يعني دخوله حيز التنفيذ.

ووفق الجريدة الرسمية، فإن قانون إنشاء المحكمة العليا صدر في 29 مارس. ويقول المحلل السياسي صلاح البكوش إن مجلس النواب نشر القانون في الجريدة الرسمية في 6 أبريل الجاري أي “بعد يومين فقط من أول اجتماع للجنة المشتركة بين مجلسي النواب والدولة (6+6) لإعداد قوانين الانتخابات”.

وما يرجح أنه تم التوقيع على القانون ونشره في الجريدة الرسمية قبل الإعلان عنه رسميا، حتى لا يؤثر ذلك على اجتماع لجنة (6+6)، التي أوكلت إليها مهمة حساسة تتمثل في الاتفاق وحسم مسألة ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية.

المادة الأولى تعتبر من أكثر المواد إثارة للجدل، لأنها تنص على أن يكون مقر المحكمة الدستورية مدينة بنغازي بدلا من العاصمة طرابلس

ويرى البعض أن إصرار مجلس النواب على تحدي سلطة المحكمة العليا، التي سبق وأن أصدرت حكما بعدم دستوريته في 2014، يهدد بتقسيم السلطة القضائية التي ظلت موحدة نسبيا، طيلة السنوات التي انقسمت فيها مؤسسات البلاد التشريعية والتنفيذية والسيادية.

وتمسّك كل طرف بموقفه سيؤدي إلى وجود مؤسستين قضائيتين بنفس المهام تقريبا، الدائرة الدستورية التابعة للمحكمة العليا في طرابلس، والمحكمة الدستورية العليا في بنغازي.

ومن شأن انقسام السلطة القضائية تعطيل إجراء الانتخابات، لأنه لن تكون جهة قضائية موحدة للفصل في القضايا المتعلقة بالاستحقاق.

وتضم تشكيلة المحكمة الدستورية، 13 عضوا، 4 منهم من بين مستشاري محكمة النقض (المحكمة العليا) تختارهم الجمعية العمومية للمحكمة، و3 يختارهم المجلس الأعلى للقضاء، و3 تختارهم هيئة رئاسة مجلس النواب، و3 يختارهم رئيس الدولة.

وفي حال رفض القضاة، سواء في المحكمة العليا أو المجلس الأعلى للقضاء، انتخاب ممثليهم في المحكمة الدستورية أو اختيارهم، فلا يمكن تشكيل المحكمة أو انعقادها في غياب نصف أعضائها.

كما أن المجلس الرئاسي، الذي يعتبر حاليا بمثابة القائم بمهام رئيس الدولة، يمكن هو الآخر ألاّ يختار الأعضاء الثلاثة في المحكمة الدستورية، وبالتالي سيكون صعبا من  الناحية العملية تشكيل المحكمة الدستورية، لكن خطوة من هذا النوع يمكن استخدامها كورقة للمساومة، كأن يتنازل مجلس النواب عن قانون إنشاء المحكمة الدستورية مقابل أن يتنازل ممثلو مجلس الدولة في لجنة (6+6) عن رفض ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية.

لكن تمسك كل طرف بموقفه سيؤدي إلى انسداد سياسي، ما سيعجل تفعيل المبعوث الأممي لخياره البديل المتمثل في اللجنة التسييرية العليا وإلغاء أي دور مباشر لمجلسي النواب والدولة في إعداد قوانين الانتخابات.

4