المصور الجزائري حسين عماري: التكنولوجيا في فن التصوير تمثل سلاحا ذا حدين

يحمل الجزائري حسين عماري كاميرته معه في كل مكان وزمان، فهي سلاحه لتوثيق التراث والحياة اليومية في بلاده، فهو يدرك مدى أهميتها كما يدرك أهمية التكنولوجيا في العمل الفني والحياة عامة، لذلك جعل منهما وسيلتين ليترجم من خلالهما إحساسه ونظرته إلى البشر والطبيعة على حد السواء.
الجزائر – أراد الفنان الجزائري حسين عماري منذ طفولته أن يكون تعبيره عن ذاته وعن الآخر والحياة مختلفا عن أساليب التعبير المتاحة لجميع البشر، فاختار التصوير الفوتوغرافي كوسيلة لتوثيق معالم بلاده منطلقا من الأوراس أين ولد وكبر.
ولأنه كان طفلا شديد الانتباه لروتين الحياة من حوله وتفاصيله الجميلة، بدءا من سلوك أمه والجيران وصولا إلى المواقع الأثرية وحركة الطبيعة المتواترة بين ليل ونهار، وصيف وشتاء، وجبال وصحارى، عاد حين كبر ليعيد النظر في كل ما لفت نظره ويصوره ليلفت به نظر المتلقي لصور وأحداث وتغيرات قد لا تنتبه إليها إلا عين الفنان.
ولازال المصوّر الفوتوغرافي حسين عماري يحاول الترويج للتراث الماديّ الجزائريّ من خلال كاميرا التصوير، مع أنّه لم يتعلّم فن التصوير في معهد متخصّص، إلا أنّه توجّه إلى هذا المجال عن طريق الهواية والموهبة والميولات التي وجدها في نفسه.
ويقول الفنان في تعريفه بنفسه إن “روحه المتمردة حملته على مغادرة مقاعد الدّراسة عند المرحلة النّهائيّة. فهو لم يجد ذاته في منظومة تربويّة تقوم على التّلقين. وتقدّس الماضي على حساب الحاضر والمستقبل، بما خلق مفارقة صارخة في حياة الإنسان الجزائريّ الذي يُواجه يوميًّا شعاراتٍ تقول له إنّك حفيد لجدٍّ عظيم، من غير أن تأخذ بيده إلى أن يعيش لحظته ويكون امتدادًا خلّاقًا لأجيال قادمة، فعوّضتُ من خلال فنّ التّصوير ما فاتني في الجامعة”.
ويقول هذا المصوّر المولود سنة 1969 بمنطقة الأوراس بولاية باتنة في شرق الجزائر إنّ ّ”فنّ التصوير ككلّ الفنون الأخرى، هو موهبة وهدية ربّانية، لا يتوجّه إليها الإنسان اختيارًا، لكنّه يولدُ فنّانًا أو لا يكون كذلك”.
ومع اعترافه أنّ الموهبة تُعدُّ الدعامة الأساسية في فن التصوير، إلا أنّ حسين عماري يرى أنّ التكوين من العوامل الضرورية التي تساعد المصوّر على إنضاج موهبته ووضعها في الطريق الصحيح.
ويضيفُ أنّ عدسته تصطاد كلّ ما تراه عيناه؛ ففنُّ التصوير -بحسب رأيه – لا ينحصرُ في اختصاص أو مجال معيّن، غير أنّه يُفضّلُ أن تكون عدستُه في خدمة مواضيع التراث، والطبيعة، والبورتريه، أكثر من غيرها من المواضيع الأخرى.
التراث المادي الجزائري يأخذ جزءًا كبيرًا من وقت الفنان، كما يسترعي انتباهه التراث المعنوي الذي دفعه لحب الفن
ويرى هذا المصوّرُ أنّ التكنولوجيات الحديثة لم تقتل فنّ التصوير بل طوّرته، فيقول “السلاحُ حين يكون في يد صيّاد ماهر يكون الصيدُ مُتعة وغنيمة سهلة، والتكنولوجيا جيّدة لكلّ الفنون، لكنّها لن تفيد من لا يتحكّم فيها ويفتقد ملكة وموهبة الفن، حتى ولو امتلك أحدث آلات التصوير”.
وفي هذا الشأن، يُشير إلى أنّ التكنولوجيات الحديثة تُسهّل عمل الفنان الفوتوغرافي، وتُعطيه حرية أكبر للتحكُّم في أبجديات عمله، لكنّ هذا لا يعني أنّ المصوّرين القدامى لم يُقدّموا فنًّا جميلًا رغم ضعف الإمكانات في زمنهم.
ويُشدد حسين عماري على أنّ الصورة في الأساس هي ترجمة لإحساس الفنان، لذلك يجب أن يكون المصوّرُ صادقًا ومُلمًّا بكلّ تقنيات التصوير، وإلاّ فإنّه يُصبح مجرّد مصوّر هاوٍ يلتقطُ صورًا للذكرى.
وبالفعل، تكشف صور المصور الجزائري مدى افتتانه بأصوله وجذوره، حيث تعرض صفحاته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي وتلك المعنية بالفنون، لوحات له وصورا يرصد فيها الجمال الأمازيغي الذي تتميز به ملامح سكان الأوراس، مسقط رأسه، وهو رصد لا يكتفي بتصوير الوجوه الجامدة وغير المعبرة، وإنما هو يرصد الحركات والتعبيرات أيضا فتأتي أعماله ناطقة بأصوات ومعان يفهمها المتفرج كل حسب قراءته الخاصة للعمل. كما تبدو أعمال الفنان بمثابة سلسلة من الصور وقصصا بصرية مترابطة عن حكايات من الحياة اليومية، وعن مراحل وأجزاء من تاريخ الجزائر، الذي تعد الأوراس جزءا مهما منه، فهي تحضر في الموروث والذاكرة الجماعية للجزائريين بمناطقها الطبيعية المبهرة لكنهم لا ينسون أيضا أن جبال الأوراس، المكان الذي انطلق منه البطل الأمازيغي طارق بن زياد لفتح بلاد المغرب وشبه الجزيرة الإيبيرية، وأيضًا المكان الذي كان مهد الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي (1954 – 1962).

ويعتبر عماري، هذا المصوّرُ العصامي، أنّ التراث يُمثّل عالمًا واسعا وهو يحاول أن يستنطقه وينقل رسائله بطريقته الخاصّة، وأنّ التراث المادي الجزائري يأخذ جزءًا كبيرًا من وقته، كما يسترعي انتباهه التراث المعنوي الذي يشعرُ أنّه دفعه إلى حبّ فنّ التصوير وعشقه.
ويقول حسين عماري “أنا من منطقة الأواس، والتراث الشاوي وحده كثيرٌ ومُتنوّعٌ وغنيٌّ، وأنا منذ سنوات عديدة أسافر في ربوعه، ولم أستطع الإلمام بكلّ تفاصيله، إنّه فعلا كنزٌ بأتمّ معنى الكلمة”.
ويعترفُ حسين عماري الذي يشتغل في الأعمال الحرّة، بأنّه يقفُ مشدوهًا أمام ما قام بها أجدادنا بعبقريتهم، وذلك ما يتجلّى في معالم معروفة ومشهورة كمنطقة تيمقاد، وغوفي، والقنطرة، وغيرها، وهناك مناطق أخرى تبقى مجهولة، رغم أنّها لا تقلُّ أهميّة، كقلاع بالول، وايقلفن بمنطقة جبل الأزرق، بما تُمثّلُه من عمارات من 8 طوابق تقفُ شاهدة على قرون بعيدة سجّلتها عبقرية الإنسان الشاوي الذي أبدع في تشييدها.