المصري محمد أبوالنجا يرصد الخراب ليشكّله خيالات ضاجة بالحياة

القاهرة – يفتتح الأحد غاليري “ديمي” بالعاصمة المصرية القاهرة، معرض “كاتم الأسرار” للفنان التشكيلي المصري محمد أبوالنجا، الذي يستمر حتى الرابع والعشرين من أكتوبر الجاري.
وعن المعرض قال أبوالنجا “يدور موضوع الأعمال حول منطقة كوم غراب التي تقع مواجهة لمرسمي بمصر القديمة، وهي تلة مهجورة تعلوها شجرة كبيرة، وهذه التلة عبارة عن بقايا لمنازل مهدّمة منذ زمن، هذا المثير البصري من جدران وألوان وأزقة وفتحات كالمغارات وما يسكنها حاليا من حيوانات.. هذه الصورة التي تقع عليها عيني كلما نظرت من مرسمي تخطفني لخيالات بديعة وتدفعني لمشروع بصري فني، محاولا التنقيب عن أسرار روح المكان والكشف عن مدلولات العناصر وشواهد الحياة التي كانت”.
وتابع “أسعى للوصول إلى قراءة السلوك الاجتماعي والثقافي الشعبي الذي ساد مناطق الفقراء والبسطاء، والذي تخبرنا به ألوان الحجرات التي تكشفها تلك الفانتازيا بين ألوان حجرات المعيشة وغرف النوم على سبيل المثال، من هنا انغمست في هذه التجربة وجذبتني روح المكان الطيبة والشريرة، والتي رأيت الشجرة التي تعلو هذه الهضبة رمزا لها”.
ويرى أبوالنجا أن الخراب كان ولا يزال مادة إنسانية تخوّل للفنان التنقيب في عناصره وتحويله إلى دلالة معرفية، قائلا “وأنا أتفحّص تلك الهضبة التي درج على وصفها بـ’كوم غراب’؛ جبل الفقراء بمصر القديمة، تخبرني طبقات تلك الهضبة بتواريخ إنسانية، لمجتمعات كانت تحتفي بتلك الحياة البسيطة؛ بذلك الإرث الفانتازي للحضور الشعبي، من هذه المادة استلهمت حفائري البصرية المحتفية بالبقايا المهدّمة من البيوت”.
من هذا المنطلق حوّل أبوالنجا بصريا كل تفصيلة تحتويها طبقات تلك الهضبة، إلى دلالة للوجدان الشعبي الاجتماعي الذي تراكم بطقوسه ومعارفه.
ويفتح الفنان هنا كل الأماكن السرية في روح الجبل، ويضيف إليها ما تكاثف في الذاكرة التي شكّلتها الأساطير والعقائد والأديان، ويجد المتلقّي في طيات وخبايا العمل تلك الأجساد التي أتت من تصاوير الواسطي والتصاوير الهندية القديمة، الأمر الذي يحيله إلى وصل ما ينكشف داخله من إرث إنساني.
وفي ذلك يقول أبوالنجا “نحن هنا أمام توليفة عجائبية تتعدّى مجتمع كوم غراب في تاريخه المعاصر الذي نعرفه، نحن أمام إعادة صياغة لفكرة إنسانية عمّقها تحقيب الفنان في التاريخ البصري للأثر”.
والفنان المصري مهتم بخامة وعجائن الورق، حيث نفّذ العديد من أعماله بهذه الخامة في رؤية حديثة تتّسم بالثراء الشكلي، متحرّرا من التقنيات التقليدية.
ومن أشهر أعماله الفنية مجموعة “وجوه الثورة” وهي بورتريهات استلهمها أبوالنجا من أحداث ثورة 25 يناير 2011 بمصر، وتحديدا من الأحداث التي شهدها شارع محمد محمود القريب من ميدان التحرير، والتي نتجت عنها إصابات كثيرة في العيون أدّت إلى أن يفقد العديد من الشباب الثائر بصرهم.
أما المجموعة الثانية فهي التي عرضها في الدوحة أواخر عام 2012 ضمن معرضه “القاهرة 11″، والتي حشد فيها رموزا من القاموس الثقافي المصري واستخدم فيها تقنيات علب الرّش “الاستنسل – القوالب المفرغة” المعروفة للاستخدام عند الكتابة والرسم على الجدران في الثورة، وفي ذلك تفاعل واضح من الفنان ليس مع موضوع الثورة فحسب، بل مع أدواتها وتقنياتها.
وشارك أبوالنجا بورشات عمل فنية محلية ودولية منها ورشة عمل دولية في اليابان عام 1996. ويعود له تأسيس ملتقى “نور الشكل” رمضان 2004، وهو صاحب فكرة “خيال الكتاب”، أنجح بينالي لكتاب الفنان في مكتبة الإسكندرية 2002 و2005، وفي العام 2009 نسّق بينالي الإسكندرية الخامس والعشرون لدول البحر المتوسط. كما قام بتصميم العديد من المجلات وأغلفة الكتب، وعمل ديكورات لعدد من الأعمال المسرحية المصرية، وله دراسة عن دور الخامة غير التقليدية في العملية الإبداعية.
حظيت باكورة أعماله الفنية باهتمام كبير في الأوساط النقدية عندما عرضت الأولى في مكتبة الإسكندرية الجديدة، حيث لا تزال حتى يومنا هذا موجودة هناك في المعرض الدائم للمكتبة. ومنذ مطلع التسعينات أقام العديد من المعارض الشخصية والجماعية المحلية والعربية والدولية، والتي تنوّعت بين التصوير والفيديو والتركيب، ورشّح لتمثيل مصر في بينالي القاهرة الدولي عام 1998، كما مثل مصر في بينالي فينيسيا 2002.
وولد الفنان التشكيلي المصري محمد أبوالنجا في مدينة طنطا عام 1960، وتخرّج من كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية (قسم تصوير) عام 1983، وحصل على شهادة الماجستير في الفنون عام 1992، لينال في العام 1997 من الجامعة نفسها شهادة الدكتوراه في فلسفة الفنون. وهو عضو نقابة الفنانين التشكيليين بالإسكندرية.
حصل سنة 1994 على منحة من هيئة اليونسكو (فنانو شمال أفريقيا)، وعلى منحة من المؤسسة اليابانية عام 1996 لمدة ستة أشهر، وهي المرة الأولى التي يحصل عليها فنان من الشرق الأوسط.
وحاز على العديد من الجوائز المحلية والدولية، منها: الجائزة الثانية من بينالي بورسعيد القومي الثالث 1996، وجائزة بيكاسو الشرفية التي نظمتها إسبانيا على مستوى العالم، وجائزة حوض البحر المتوسط عام 1997، وجائزة بينالي القاهرة الدولي 1999، وجائزة بينالي الإسكندرية 2001.
وتشكّل أعمال أبوالنجا جزءا من العديد من المجموعات الفنية الخاصة والعامة مثل متحف الفنون الحديثة في القاهرة، ودار الأوبرا في القاهرة، والمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة في عمّان، وأكاديمية الورق في كيوتو اليابان والصندوق العربي في الكويت.