المصري حسن حماد: من كتب التاريخ العربي.. إنهم الذكور

تساؤلات كثيرة تشتعل في مجتمعاتنا العربية؛ تساؤلات اقتصادية وسياسية ودينية وفكرية وثقافية وغيرها، بعضها يخص أوضاع الداخل وعلاقات السلطة بالشعب، وبعضها يخص تأثيرات ما يجري في المحيط الخارجي سواء الإقليمي أو العالمي وانعكاساته، حتى ليستشعر المواطن من فرط تراكم تناقضات الرؤى والأفكار التي تطرحها النخب أنه أمام مشهد ضبابي لا يرى فيه موضع قدميه. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الأكاديمي وأستاذ الفلسفة المصري حسن حماد لنقاش البعض من هذه الأسئلة.
تساؤلات كثيرة باتت تشغل العرب اليوم، منها قضية العلاقة مع السلطة، الاغتراب، والهوس بكشف الجسد والجنس مقابل هوس التكفير والتحريم، والذهنية التكفيرية التي تصب لعناتها على المرأة، وتراجع سلطة ثقافة التنوير وقبول الآخر واحترامه.. وغيرها.
هذه التساؤلات محور الحوار مع حسن حماد أستاذ الفلسفة وعلم الجمال والعميد السابق لكلية الآداب جامعة الزقازيق، الذي قدم عددا من المؤلفات المهمة جلها يذهب إلى تحليل ما يجري في المجتمع العربي من خلال رؤية فلسفية منها “دوائر التحريم” و”ذهنية التكفير” و”الخلاص بالفن”، و”الإنسان المغترب”، و”قوة الأمل”، “البحث عن السعادة عند نيتشه”، “هربرت ماركيوز.. فيلسوف النفي والتحرر” وغيرها.
هيمنة السلطة
المرأة على الدوام – خاصة في حضارتنا الإسلامية الأبوية الذكورية – خطر ينبغي على الرجل أن يحتاط له
انطلاقا من تناوله في عدد مهم من كتبه قضايا جوهرية فيما يتعلق بالإنسان والسلطة، يوضح حماد أن السلطة جزء من الثقافة الإنسانية، ولا يمكن أن نتصور مجتمعا بشريا بغير سلطة، لأن غياب السلطة يؤدي إلى الفوضى والعدمية. وقد تنبه العالم والفيلسوف العبقري سيغموند فرويد إلى أن الحضارة تنشأ من خلال كبت الرغبات وقمع غرائز العدوان لدى البشر. فالسلطة حاضرة وماثلة في كل ما نفكر فيه أو نتخيله أو نؤديه من أفعال، إنها تلازمنا منذ لحظة الميلاد، وحتى الممات.
ويضيف “إن السلطة تضع بصمتها وشعارها وإشهارها فوق جبين الإنسان منذ لحظة ولادته. فسواء ولدنا في عشيرة أو قبيلة أو على قارعة الطريق أو داخل مؤسسة طبية أو في مدينة أو قرية أو في أسرة فقيرة أو غنية، في كل هذه الحالات أو غيرها لا بد للسلطة من أن تنحت صورتها على هويتنا وذاتنا، فتختار لنا اسما وديانة وموطنا وجنسية ورقما، ومنذ تلك اللحظة تتوالى علينا خطابات السلطة المتنوعة: المجتمعية والأسرية والثقافية والتربوية والأخلاقية والدينية والسياسية، وهي صيرورة لا تتوقف ولا تنتهي إلا بانتهاء حياة الإنسان. وحتى لحظة الممات نفسها لا تنجو من أفاعيل هذه السلطة”.
ويواصل حماد “السلطة حاضرة معنا وفينا في كل لحظة وفي كل حين إنها تتواجد وتتكاثر وتتوالد بطريقة دينامية لا حدود ولا نهاية لها. وبهذا المعنى فإن السلطة تمتزج بكافة أوجه العلاقات الإنسانية في الحياة الاجتماعية واليومية، وهي ماثلة في كل تنظيم مؤسسي، وتخترق حياة الأفراد والجماعات معا. إنها قوة يخلقها الوعي الجمعي الغرض منها تأمين ديمومة الجماعة والحفاظ على استقرارها واستمرارها. وتنطوي السلطة دوما على مفارقة: فهي مادية ومعنوية وواقعية وخيالية، وهي مرغوبة ومرفوضة ومحبوبة ومكروهة، وهي علنية وخفية وجماعية وفردية، وهي شعورية ولا شعورية وخارجية وباطنية، وهي حاضرة وغائبة، غيابها يؤدي إلى الفوضى، وحضورها المكثف يؤدي إلى القهر والقمع والاستبداد. السلطة هي الداء والدواء، فلا غنى عنها ولا مفر منها، ومع ذلك فنحن نتمرد عليها ونرفضها وكثيرا ما يكون في تحطيمها خلاصنا وتحررنا”.
المجتمعات العربية تعاني خللا في الهوية، فهي مجتمعات أبوية وقبائلية وذكورية تختزل هويتها في الدين واللغة بشكل خاص
ويرى حماد أن السلطة – خاصة السياسية – ماكرة ومخادعة ومراوغة ومخاتلة، إنها أشبه بامرأة لعوب لا تصون عهدا ولا تحفظ ودا ولا تمنح حبا، ولذلك وصفت السلطة دوما بأوصاف سلبية ووضيعة أشهرها أن السلطة “لعبة قذرة”، غير أن هذه الطبيعية لم تطفئ بريقها ولم تحد من غوايتها، ولم تمنع الناس من التقرب منها ومن أصحابها، ومن السعي الدؤوب للاستحواذ عليها. إن كلمة سلطة في اللغة العربية تعني القوة والتسلط والتحكم والسيطرة والتمكن والسلطان. أما في اللغة الإنجليزية فهناك كلمتان تستخدمان بمعنى السلطة: الأولى “Power”، والثانية “Authority”، الأولى تدل على السلطة في نطاقها العام والشامل، وهي تعني القوة والقدرة والمقدرة والاستطاعة.
وبهذا المعنى تستخدم للدلالة على تجليات السلطة، فنقول مثلا: سلطة المقدس، سلطة الدولة، سلطة الجموع، سلطة المال، سلطة الرأي العام، سلطة التقاليد، سلطة الإعلام، سلطة الكلمة، سلطة المعرفة، سلطة الشهرة والنجومية، سلطة القديم، سلطة رجال الدين، سلطة الأسطورة، سلطة المعتاد، سلطة المجهول، سلطة الوهم، سلطة التفاهة، سلطة النص، سلطة العقل، سلطة العلم.. إلخ. أما المعنى الثاني “Authority” فيشير غالبا إلى الحق الشرعي والقانوني في استخدام السلطة وإصدار الأوامر في مجتمع ما. أي للدلالة على السلطة بمعناها المؤسسي والذي يفترض أولا وجود طرفي السلطة: من يصدر الأوامر ومن يتلقاها، ويفترض ثانيا الإطار المؤسساتي الذي ينظم تلك العلاقة السلطوية ويمنحها المبرر والمشروعية والقبول.
ويؤكد أن قدر الفلسفة أن تدخل في مواجهة دائمة مع السلطة وتتمرد عليها، بل وتحرص على انتهاك التابوهات: المقدس والجنس والسياسة. إن بقاء الفلسفة مرتهن بقدرتها على ممارسة فعل التمرد والرفض، لا إبداع بغير تمرد على النظام السائد للأشياء، ولا حداثة بغير قطيعة مع الماضي. لذلك تموت الفلسفة وتختفي حينما تتصالح مع الواقع وترتمي في أحضان السلطة أو حتى تهادنها.
الاغتراب والهوية
يشير حماد إلى أن ظاهرة الاغتراب ظاهرة إنسانية، فلا يتصور مجتمعا إنسانيا يخلو من هذه الظاهرة، والاغتراب هو علاقة انفصال بين طرفين أحدهما الإنسان، فالإنسان هو الذي يغترب، وهو الذي يعاني من مشاعر الاغتراب. أنا كإنسان يمكن أن أغترب عن ذاتي، أو عن الآخر أو الآخرين، أو أغترب عن المجتمع (الأسرة، المؤسسات، النظام السياسي.. إلخ)، أو أغترب عن أفعالي ولا أسيطر عليها، أو أغترب عن ممتلكاتي، أو أغترب عن زمني. في كل حالات الاغتراب لا بد أن نفترض وحدة يليها انفصال أو اغتراب. فمثلا أنا لا يمكن أن أغترب عن علاقتي بامرأة لا توجد بيني وبينها علاقة، ولا يمكن أن أغترب عن مجتمع لم أنتم إليه من قبل كأن أشعر بأنني لا أنتمي مثلا إلى الحضارة الأميركية، هذه الحالة نسميها غرابة لا اغتراب.
الاغتراب، وفق حماد، يفترض وجود علاقة تعرضت للتصدع والانقسام. ولذلك نجد أبوحيان التوحيدي في الإشارات الإلهية يصف الغريب بأنه الشخص الذي يكون غريبا في وطنه، ويكون غريبا في أسرته، ويكون غريبا مع محبيه. هناك فارق كبير بين الاغتراب والآخرية. هناك أسباب اقتصادية وسياسية ودينية وثقافية تعمّق ظاهرة الاغتراب وتجعلها أكثر اتساعا وأكثر إلحاحا. ومع ذلك لا يمكن للإنسان أن يتحرر من ظاهرة الاغتراب تحررا كاملا: الأشياء والآلات هي فقط التي تنجو من مشاعر الاغتراب. أما الإنسان فيظل مسكونا بالاغتراب لأنه يشعر دوما بأنه جاء إلى عالم لم يختره ولم يرتبه كما يريد وكيفما يبغي. إننا وفقا لهايدغر ملقى بنا في هذا الكون، إننا مهجورون، منسيون، مهملون، وجودنا في العالم يشبه رمية النرد العشوائية!.. إننا جميعا أبناء تلك الصدفة العمياء!
ويؤكد أن المجتمعات المصرية والعربية تعاني خللا في الهوية، فهي مجتمعات أبوية وقبائلية وذكورية تختزل هويتها في الدين واللغة بشكل خاص، وبهذا المعنى هويتها ماضوية تنتمي إلى الماضي، ولا علاقة لها بحركة المستقبل والتطور. ومع ذلك فإن هذه الهوية المثقلة بتراث الماضي تجد ذاتها وجها لوجه أمام التطورات التقنية الرهيبة التي تتسارع وتيرتها يوما بعد يوم، وتجد نفسها مرغمة على التعامل مع كافة وسائل السوشيال ميديا، لذلك يعاني الناس في مصر من ازدواجية رهيبة بين الفكر والسلوك، بل وبين السلوك والسلوك النقيض.
ويتابع “فكما عبرت في سؤالك تتزايد مساحة التحريم ويتضاعف الهوس بالتكفير في حين تزداد مساحة الانكشاف والتحرر الجنسي خاصة لدى الطبقات الميسورة في المنتجعات السياحية والمدن الفندقية (الرحاب ومدينتي والتجمع الخامس) حيث يتمتع الناس في هذه المناطق المغلقة بشكل من أشكال الحرية السلوكية ربما نفتقده في المناطق الفقيرة والعشوائية والمتوسطة. وأظن أن الرغبة في كشف بعض المناطق من الجسد تكون أكثر ظهورا لدى الفتيات المراهقات، وهي مظاهر لا تعبر عن تحرر حقيقي بقدر ما تعبر عن تقليد ومحاكاة للآخر الغربي، فضلا عن التأثير السحري للسوشيال ميديا. عموما التحرر الجنسي الذي نلاحظه نادرا ما يرتبط بالتحرر العقلي بدليل أن عددا من الفنانات ممن كن يقمن بأدوار إغراء أو حتى أداء أدوار درامية عادية حدث لهن تحول من النقيض إلى النقيض وقمن بالتحجب واعتزال الفن بوصفه عملا لا أخلاقيا وأقرب إلى ممارسة الدعارة”.
ويتساءل حماد “من كتب التاريخ العربي؟” ويقول”هم الذكور، لذلك جاء التاريخ ذكوريا، ولعنت المرأة في معظم الحضارات، وتم إلصاق تهمة الخطئية بها فهي مسؤولة الخطيئة في هذا العالم سواء أكانت “بندورا” الإغريقية أو “حواء” في الديانات الإبراهيمية. أفلاطون وأرسطو قديما وشوبنهور ونيتشه حديثا احتقروا النساء، ومعظم الفلاسفة اتخذوا موقفا عدائيا من المرأة، ربما لأنهم فشلوا في التعامل معها، وهذا أمر يحتاج إلى كلام كثير”.
ويقول “على أي حال مثلت المرأة على الدوام – خاصة في حضارتنا الإسلامية الأبوية الذكورية –خطرا ينبغي على الرجل أن يحتاط له، إنها بالنسبة إليه تمثل الغواية، الشيطان، المجهول، الهاوية التي لا نهاية لها، الكائن الغامض، المتقلب ذا الأهواء، الثقب الذي يثير الخوف والغموض.. إلخ. هذه النظرة تتدعم وتتعزز من خلال التحريمات والقيود التي تنتصب من خلال الدين حول المرأة. ففي الإسلام كما يذهب معظم الفقهاء ينبغي على المرأة ألا تخرج من بيتها معطرة أو مزينة، وكل ما فيها عورة: وجهها، صوتها، جسدها، إيماءاتها. كل هذا ينبغي حجبه وفرض نوع من الإخفاء عليه، لذلك يحرص الأصوليون على أن ترتدي نساؤهم النقاب الكثيف الذي يخفي كل ملامح وقسمات الوجه والجسد. إنهم بهذا يحدون من خطورة هذا الكائن المراوغ، إنهم يضعون عليه أقفال العفة، ويروضونه وبذلك يأمنون خطر تمرده أو تحرره ويضمنون امتلاكهم لنسائهم مثلما تمتلك الأرض والبهائم والأشياء”.
تهميش الثقافة والمثقف
يرى حماد أن “المجتمعات العربية كلها تحكم من خلال براديم أو نموذج “الراعي والرعية” لأن الأنظمة السياسية لم تزل أنظمة أبوية وذكورية وهيراركيه وتحكمها آليات السلطة القبائلية. ورغم التطورات التي حدثت في معظم دول العالم العربي، إلا أن الشعوب لم تستطع أن تصل إلى سن النضج نتيجة أن الثقافة السائدة في كل العالم العربي – دون استثناء – ثقافة لاهوتية تقوم على السمع والطاعة، وعلى تقديس أولي الأمر، والوعي الجمعي للشعوب العربية هو وعي سحري – أسطوري يقوم على الإيمان بالمسلمات والخوارق والمعجزات، ولذلك ليس مستغربا أن تنتظر الجموع العربية في لحظات الضعف والإحساس باليأس، المخلص الذي ينقذها من غيها وضلالها، وعادة ما تجد هذا المخلص متجسدا في جماعات الإسلام السياسي بأطيافها المختلفة السنية الدعوية والأزهرية والإخوانية والجهادية. هذه الجماعات هي التي تملك الشارع المصري الآن رغم قوة وقدرة النظام الحالي على السيطرة على مقاليد ومفاتيح السلطة”.
لكن كلما ازدادت وطأة الأزمة الاقتصادية والحرمان المادي كلما اتسعت مساحة اليأس لدى الجماهير وراحت تفتش عن حلول سحرية ومعجزات وتنتظر المخلص. أو كما اختصر المشهد كله في هذه العبارة: “كلما ضاقت الأرض اتسعت السماء” وبهذا المعنى فإن الدين يلعب دورا مزدوجا، فهو في لحظات معينة يمكن أن يكون أفيونا للشعوب، وفي لحظات أخرى يمكن أن يكون تنهيدة المعذبين كما يقول كارل ماركس.
ويلفت حماد إلى أن الثقافة في مجتمعاتنا العربية لا تمثل سلطة، مضيفا “كما قلت في الإجابة عن سؤالك السابق العقل الجمعي عقل لاهوتي تماما، ورغم وجود جامعات ومراكز بحثية وعلمية، إلا أن العلم لم يستطع أن يغير من رؤيتنا للعالم، نحن محكومون بالرؤية اللاهوتية علاقتنا بالعلم هي علاقة استهلاك: نحن نستهلك نظريات الآخر، وندرسها لكننا لم نضف إليها شيئا، نحن نستهلك منتجات الغرب التقنية لكن لا ننتج شيئا. نحيا كالكائنات الطفيلية على الآخر الذي يفكر ويحلم ويتأمل ويبدع ونحن نستهلك ولسان حالنا يقول: سبحان من سخر لنا هذا. ونكتفي بأن نوهم أنفسنا بأنهم عبيد لنا، ونحن في واقع الأمر العبيد لأننا نحيا على إنتاجهم ونتلقى بقاياهم ونفاياتهم! وإذا عدنا إلى الوراء سنجد أن معظم الفلاسفة والعلماء من أمثال ابن سينا والفارابي وابن رشد والخوارزمي ومحمد بن زكريا الرازي.. وغيرهم قد تم تكفيرهم وإقصاؤهم من تاريخ الإسلام ولم نستبق سوى أفكار ابن حنبل وابن تيمية وأبوحامد الغزالي، لذلك فقد تم اعتقال العقل العربي مبكرا وجرى تصفيده وتصفيته من كافة العناصر الحداثية والإبداعية والتحررية”.

ويشدد حماد على أن المثقف في مصر تحديدا أصبح كائنا زائدا عن الحاجة، المجتمع لم يعد بحاجة إلى المثقف، لأنه استبدل رجل الدين بالمثقف، وأصبح المثقف مغتربا ومقهورا بفعل التهميش وبفعل تضييق مساحة الحرية وتدني الحالة الاقتصادية لمعظم المثقفين. إن التواطؤ الخفي بين ثقافة السلعة والأصولية الدينية جعل الثقافة في مصر تنحدر إلى أدنى مستوياتها، وإذا نظرت حولك الآن ستجد أن المسرح مات والسينما في سبيلها إلى الانهيار بعد موجة أفلام البلطجة والدعارة والمخدرات التي قادها محمد رمضان.
أما فن الأغنية كما كنا نعرفه أصبح شيئا ينتمي إلى الماضي لأن اللون السائد الآن هو أغاني المهرجانات وهي أكثر أشكال الأداء الغنائي انحطاطا وابتذالا. أما المدارس والجامعات فقد تحولت إلى بوتيكات لعرض السلع التعليمية. مصر للأسف يوما بعد يوم تفتقد قوتها الناعمة، تلك القوة الناعمة هي وسيلة المجتمعات لبناء الإنسان ولتطور الحياة وارتقائها وإذا فقدنا هذه القوة، فاعلم أننا نمضي بأقصى سرعة إلى هاوية التخلف والانحطاط والهمجية.
ويرى حماد أن مقولة تجديد الخطاب الديني مقولة ساذجة، ماذا يعني أن نجدد الخطاب الديني، وما الذي يتجدد، هل قراءة النصوص، وإعادة تفسيرها، هل تعيد غربلة التراث؟ هل نريد أن نقرأ النصوص قراءة تاريخية ونربط بين النص وزمانه ومكانه؟ هل المقصود هو تفكيك النصوص والتعامل معها مثلما نتعامل مع أي نص بشري؟. كل هذه أسئلة تطرح إشكالية صعبة جدا في التعامل مع النصوص خاصة في ظل وجود مؤسسة متشعبة في الحياة اليومية وفي مؤسسات التعليم والقانون والتشريع مثل مؤسسة الأزهر.
إن التجديد يحتاج إلى إستراتيجية، وليس مجرد شعارات تقال، التجديد إن كان في الإمكان لن يقوم به رجال الدين، بل السلطة السياسية ذاتها متسلحة برؤى المثقفين والمفكرين. وهذا هو الممكن المستحيل، لماذا؟ لأسباب كثيرة لا داعي للتطرق إليها، وفي مقدمتها دكتاتورية وقوة الجموع التي تم إرضاعها بخطاب أصولي هوسي متشنج منذ عصر السادات وحتى كتابة هذه الكلمات. هذه الجموع، ومعها النخبة التي تسلفنت وتأخونت سوف تقاومان بكل ما تملكان من قوة ومن جبروت أي محاولة لتغيير هذا الخطاب. لكن القضية في رأيي تكمن في أن نبدأ، أن تبدأ الدولة خطوات فعلية وملموسة من أجل تحرير الحياة اليومية للبشر في مصر من وصاية رجال الدين وتدخلهم في كل صغيرة وكبيرة من حياة الناس. للأسف لا توجد أي بادرة أمل، وما زلنا نردد كالببغاء شعارات جوفاء!