المصري أحمد عبدالكريم يحتفي بشجرة الجميز المعمّرة رسما ورمزا

أعمال عبدالكريم تتميّز بأنها متصالحة مع البيئة من حيث التشابك الموضوعي بين عناصر العمل والمدلول الذي يقدّمه.
الخميس 2021/11/18
شجرة الأرواح على الأرض

القاهرة - يستمرّ حتى السابع والعشرين من نوفمبر الجاري بقاعة الباب/ سليم بساحة متحف الفن المصري الحديث بالأوبرا معرض الفنان المصري أحمد عبدالكريم الذي جاء تحت عنوان “شجرة الجميز”.

وعن عبدالكريم وأسلوبه الفني قال خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية بمصر “يتميّز أسلوب أحمد عبدالكريم بالتنويع والثراء (…) وتُعدّ تجربته الفنية دليلا واضحا على ما يتمتّع به من قدرات رائعة على صياغة أفكاره إبداعا عذبا، سلسا، قادرا على إثبات البُعد الثقافي والبيئي، دلاليا وبصريا من خلال توظيف الرمز كأيقونات رئيسية في اللوحة لديه، ووسيلة لإثارة عين وعقل المُتلقي وجذبها لرموز يألفها وجدانه وتمتد لتتلاقى مع جذوره الحضارية”.

ويضيف “عند هذه النقطة يستحضر الفنان قدرته الإبداعية على دفعه إلى الحوار مع العمل بكل مفرداته التعبيرية التي نسجها معا بطابع رومانسي جمالي غير تصادمي مع المشاعر أو الأفكار”.

أحمد عبدالكريم: شجرة الجميز لها في الحضارة الفرعونية أبعاد دينية وطبية وفنية

وحول فلسفة ومضمون المعرض قال الفنان أحمد عبدالكريم “شجرة الجميز كانت من بين أهم الأشجار التي تناولها الفنان المصري القديم من عدة محاور حياتية ودينية وطبية وفنية، فاعتبرها شجرة الأرواح على الأرض ومنها نشأت أسطورة نشأة الكون”.

ويسترسل “يقول الأكاديمي المصري وائل سليمان في إحدى دراساته إن المصري القديم اعتقد أن شجرة الجميز المُعمّرة هي الشجرة الأم، والتي تثمر أوراقها أرواح البشر ويحرسها الإله تحوت إله الحكمة والكتابة، وقد اتخذت من هذه الجميزة وأسطورتها في التراث المصري القديم والحكاوى الريفية الشعبية منطلقا جماليا لمعرضي الجديد من خلال الصياغات البصرية التي تعتمد على حرية التقنية والخيال”.

وتتميّز أعمال عبدالكريم بأنها متصالحة مع البيئة من حيث التشابك الموضوعي بين عناصر العمل والمدلول الذي يقدّمه من خلال تلك العناصر، ولا يختلف هذا الأمر كثيرا بين اللوحات التي يعتمد فيها أسلوب التصوير التشكيلي والأعمال ثلاثية الأبعاد التي تنتمي إلى الاتجاه المفاهيمي أو تكوينات الأعمال الفنية المركبة، ففي كل الحالات تذهب أعمال الفنان المصري نحو البيئة لتستمدّ منها موضوعاتها التي هي بالضرورة اجترار لقضايا اجتماعية موجودة في الواقع المصري المعيش.

كما لا يفوّت عبدالكريم أي فرصة لاستحضار روح التراث المصري القديم مستدعيا رموز هذا الفن مثل الملكة حتشبسوت ورمسيس الثاني ونفرتيتي وإخناتون ورع حتب، كل هؤلاء الملوك يترجم الفنان عقيدتهم ما بعد الوفاة وعقيدة الخلود، وهي معالجة جديدة بألوان معاصرة وطرح جمالي حديث.

ويستخدم التشكيلي المخضرم من جهة أخرى خامات الألياف النباتية الخشنة والبكر، مستمدا من طاقاتها السحرية الفرعونية التأثير الأسطوري والإيكولوجي في آن واحد، فالمواد هشة متآكلة مجفّفة أو محنطة متهالكة الأهداب رثة الخيوط تتموضع في الفراغ التشكيلي وكأنها مخطوطة غامضة منتزعة من عالم الأبدية الذي يسيطر على هواجس المدافن المصرية ورسومها الشمعية.

وفي شتى هذه الحالات يبدو عبدالكريم ملونا مرهفا يرتشف رحيق المقامات اللونية النخبوية المنتزعة من فريسكات مصر القديمة، والألوان الشعبية البريئة التي تُزغرد بفراديس فرحة، وجنائن مصبوغة بألوان الأعراس والفرح الدائم. لوحاته ألوان من الحنة والقرميد والشمع متناغمة مع زرقة نهر النيل والسماء، وخضرة النخيل المطوّقة لضفافه، ومراكب صيد ذات أشرعة بيضاء، وقباب ريفية بيضاء أيضا ذات مناظر زخرفية متراكبة السطوح.

وهو في ذلك يقترح على المتلقي عبر خياله الجامح عالما مغتبطا يستمدّ عناصره من سكينة الريف، وبالتالي فهو يعمل بالعين والذاكرة في آن معا من خلال توازن دقيق بين مفهوم الفن الشعبي البكر والفن النخبوي المثقف، لذا تبدو ألوانه وعناصره في حال تطريب دائم، تصدح بسعادة ضوئية وتهشيرات قزحية حلمية تتعشّق خاماته وملامس سطوحه التأملية العميقة.

Thumbnail

وعنه يقول الفنان والباحث والناقد السوري أسعد عرابي “لا شك أن تربية خيال عبدالكريم الطفولي في ربوع الصعيد والمنيا أثّرت في الحفاظ على مشاهده الريفية، وهذا ما يفسّر استعاراته من الميثولوجيا الفرعونية التي درج على تأمّلها في معابد أبي سنبل ووادي الملوك والمدافن المنتشرة في كل مكان من هذه السطوح، مُستعيدا المفردات الهيروغليفية التصويرية من مثال حصانه المؤسلب وشكل المومياء المنمطة والمحنطة، وعنصر النخيل ونصف مفتاح الأبدية وطائر حورس ونجمة السماء والهدهد ومراكب الشمس.. إلخ”.

ويعتبر فن عبدالكريم فنا مركّبا يعكس اتصاله بالريف الذي عاش وفي كنفه، مستمدا منه نسخ مواده والأسطورة الفرعونية، كما انعكست دراساته للرقش في الفن الإسلامي من خلال بنائه الذرى الكتابي المتعامد مع شبكة الأرضية المحفورة بالأختام والوحدات والمفردات التشكيلية المهندسة.

والفنان أحمد عبدالكريم حاصل على بكالوريوس من كلية التربية الفنية جامعة حلوان في العام 1980 وماجستير التربية الفنية عن دراسة بعنوان “النظم الإيقاعية في الفن الإسلامي الهندسي” بالجامعة ذاتها في العام 1985، كما حصل على دكتوراه الفلسفة في التربية الفنية بكلية التربية الفنية جامعة حلوان بعنوان “تحليل محتوى نظم الزخارف الهندسية الإسلامية” سنة 1990.

وأقام الفنان التشكيلي عددا من المعارض الخاصة منها معرض عام 1983 بعنوان “معماريات وجدانية” بأتيلييه القاهرة، ومعرض عام 1987 بعنوان “المثلث الأبيض” بالقاعة المستديرة بنقابة الفنانين التشكيليين ومعرض عام 1989 بعنوان “حبر أسود على ورق أبيض” بقاعة إخناتون بمجمع الفنون بالزمالك.

كما شارك في عدد من المعارض الجماعية منها المعرض العام للفنون التشكيلية في نسخته التاسعة والثلاثين عام 2017، ومعرض ثنائي مع الفنانة ميرفت عزمي بعنوان “نهر أزرق أرض حمراء – مصر أبجدية الحضور” بقاعة الهناغر بدار الأوبرا المصرية عام 2018، وملتقى سلسبيل النيل الثاني بالقناطر الخيرية والمعرض العام للفنون التشكيلية في دورته الثانية والأربعين.

15