المصريون يواجهون زيادة سعر العيش بغضب مكتوم

مخاوف من زيادات كبيرة في سلع أخرى أساسية.
الخميس 2024/05/30
حيرة بين المصريين بعد القرار

القاهرة- أنهت الحكومة المصرية ترددها في تخفيض دعم الخبز (العيش)، كإحدى أهم السلع الأساسية التي يستهلكها قطاع واسع من المواطنين، الأربعاء، وقررت رفع سعر الرغيف المدعم ثلاثة أضعاف سعره الحالي، اعتبارا من الأول من يونيو المقبل، في وقت يكتفي فيه المصريون بمتابعة هذه الزيادات بغضب غير معلن.

وكسر الإعلان عن هذه الزيادة أحد المحرمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، حيث خشيت حكومات سابقة من ردة فعل شعبية ترفض المساس بسعر العيش الذي تعتمد عليه شريحة واسعة من المصريين، بعد حدوث احتجاجات عارمة يومي 18 و19 يناير 1977 اعتراضا على زيادة زهيدة في سعره، خلال عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ما اضطره إلى التراجع عنها، ووصف المحتجين بـ”الحرامية”، حيث عمّ ما يشبه الفوضى في مناطق مختلفة.

كريم العمدة: التضحية بالحكومة ستكون أبرز نتيجة لتحريك سعر الخبز
كريم العمدة: التضحية بالحكومة ستكون أبرز نتيجة لتحريك سعر الخبز

ويقول مراقبون إن الخوف ليس من الزيادة في الخبز، والتي يمكن تحمّلها، بل من الدلالات التي تنطوي عليها بالنسبة إلى سلع أخرى، مثل الكهرباء والمحروقات والأدوية، والمتوقع أن تمثل الزيادة فيها إرهاقا ملموسا لشريحة من المواطنين لن تستطيع مجاراتها، أو تتمكن الدولة من تعويضها بوسائل الحماية الاجتماعية التي توفرها.

ويضيف المراقبون أن القلق أو الغضب من رفع سعر الخبز المدعم سيظلان مكتوميْن في نفوس المصريين، ويصعب التعبير عنهما صراحة، خوفا من مواجهتهما بقسوة أمنية من الحكومة، وتعرض من يقفون خلفهما لاتهامات بخدمة أجندات قوى معارضة أو أجنبية، في وقت تواجه فيه الدولة تحديات إقليمية بالغة.

ووصلت الحكومة إلى قناعة بأن الغضب لن يتجاوز حدود مواقع التواصل الاجتماعي، لأن أغلب المواطنين لا يريدون المجازفة باحتجاجات أو الإعلان عن مواقف رافضة حادة تؤدي إلى تدهور أمني وفوضى تصعب السيطرة عليها.

ومررت الحكومة قرارها بعد رسائل متباينة لجس نبض الشارع الفترة الماضية، راكمت من خلالها رصيدا كبيرا من رفض استمرار دعم العديد من السلع، بينها الخبز، أو على الأقل تقليله لما يمثله من إرهاق للدولة، في وقت تعاني فيه أزمة اقتصادية خانقة، وهي مطالبة من قبل صندوق النقد الدولي باتباع نهج إصلاحي حقيقي في سياساتها، من دون تجاهل توفير نوع من الحماية الاجتماعية للمتضررين من رفع الدعم.

وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إن سعر الخبز المدعم لم يتم تحريكه منذ أكثر من 30 عاما، مبيناً أن “سعر الخبز خلال تلك الفترة تضاعف عدة مرات”.

وتبلغ كلفة رغيف الخبز الواحد المدعم على الدولة حوالي 1.25 جنيه وكان يباع بخمسة قروش (الجنيه = 100 قرش)، وتبلغ قيمة الدعم السنوي للخبز 120 مليار جنيه (2.5 مليار دولار)، والإنتاج السنوي يصل إلى 100 مليار رغيف.

pp

وأعلن وزير التموين علي مصيلحي أن السعر الجديد يمثل 16 في المئة من كلفة الرغيف المدعم، قائلا “نستهلك سنويا نحو 8.5 مليون طن من القمح لإنتاج الخبز المدعم”.

وأوضح الباحث في شؤون الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن الكلفة السياسية الأكبر من تحريك سعر الخبز ستكون التضحية بالحكومة الحالية، وعلى مستوى المواطنين لن يكون هناك حراك ضد القرار، لأن السعر الجديد مازال مقبولا من المصريين.

وذكر لـ”العرب” أن الحكومة أخفقت في إنشاء قاعدة بيانات دقيقة لمحدودي الدخل، بما يحول دون المساس بهم، وهناك فئات متوسطة الدخل تستفيد من الخبز المدعّم، وأحيانا تتم سرقته وبيعه من خلال تجار وأصحاب مخابز، لذلك فترشيد الدعم مطلوب.

70

مليون مواطن يستفيدون من بطاقات الخبز المدعم في بلد يتجاوز عدد سكانه 106 ملايين نسمة

وأشار إلى أن الدعم المفرط للخبز كان رشوة رسمية للبسطاء عبر أنظمة متعاقبة، حتى أن البعض من المؤيدين والمعارضين كانوا يتاجرون به سياسيا، ولا يمكن استمرار سعر الرغيف كما هو منذ ثلاثين عاما، والمتعارف عليه اقتصاديا أن يكون دعم الحكومة لسلعة بعينها للبسطاء مرتبطا بنسبة وتناسُبٍ.

وقال كريم العمدة لـ”العرب” إن مشكلة الحكومة أنها لم تقدّم قرار خفض الدعم للخبز بحنكة سياسية، وبدا خطابها موجها لطبقة بعينها، مع أن الفئة المستهدفة هي البسطاء، وهذا قد يؤثر على علاقتها بالطبقة الكادحة التي تمثل القاعدة الأكبر في المجتمع، ومن المتوقع التضحية بحكومة مدبولي لترضية الشارع.

وتمر مصر بأزمة اقتصادية جراء نقص النقد الأجنبي، دفعت البنك المركزي المصري في مارس الماضي إلى تحرير سعر صرف الجنيه ليفقد ثلث قيمته أمام الدولار الأميركي، وعقدت القاهرة صفقة رأس الحكمة مع دولة الإمارات التي أمنت لها استثمارات عاجلة بقيمة 35 مليار دولار، ثم اتفقت مع صندوق النقد على زيادة حجم قرض من ثلاثة إلى ثمانية مليارات دولار، ما أحدث انتعاشة اقتصادية.

وأكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عام 2021 اعتزام الحكومة زيادة ثمن رغيف الخبز المدعم، مشيرا إلى أن الوقت قد حان لزيادة سعر رغيف الخبز المدعم عن خمسة قروش، وفي إشارة إلى ضآلة هذا السعر قال “ليس من المعقول أن أبيع 20 رغيفا بثمن سيجارة.. هذا الأمر يجب أن يتوقف”.

ويستفيد من بطاقات الخبز المدعم نحو 70 مليون مواطن في بلد يتجاوز عدد سكانه 106 ملايين نسمة، ويعيش أكثر من ثلثهم تحت خط الفقر، وتقدم الحكومة الخبز المدعم للأشخاص المستحقين بمعدل خمسة أرغفة للفرد في اليوم.

 

اقرأ أيضا:

       نقابة الأطباء المصريين تحمل السيسي مسؤولية حل أزمة تأجير المستشفيات

1