المصالحة بين أردوغان والأسد لن تحصل بين عشية وضحاها

أكراد سوريا المتضرر الأكبر من التطبيع بين أنقرة ودمشق.
الاثنين 2024/07/22
مصير مبهم لشمال غرب سوريا

يواجه مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق مطبات كثيرة، ويتعين على كلا الطرفين معالجة قضايا شائكة، في مقدمتها الوجود التركي في شمال غرب سوريا، ومسألة الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق البلاد.

دمشق - توحي مؤشرات بأن الاجتماع المنتظر بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره السوري بشار الأسد قد بات وشيكا، لكن محللين يستبعدون حصول تطبيع سريع في العلاقات بين البلدين بالنظر إلى حجم القضايا الشائكة التي تعترض مساره.

وتقول نائب رئيس مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد السلام الأميركي منى يعقوبيان إن المصالحة “لن تحصل بين عشية وضحاها، بغض النظر عمّا يحدث، حتى لو جرى لقاء بين أردوغان والأسد”.

وتشير يعقوبيان إلى “تعقيدات” في ملفات عدة عالقة، تجعل من المؤكد أن استعادة العلاقات “ستحصل في أحسن الأحوال بشكل تدريجي وطويل الأمد”. وقبل اندلاع النزاع في العام 2011، كانت تركيا حليفاً اقتصادياً وسياسياً أساسياً لسوريا لسنوات. وقد جمعت علاقة صداقة بين أردوغان والأسد.

وقد انقلبت العلاقة بينهما رأساً على عقب مع بدء الاحتجاجات ضد نظام الرئيس الأسد، حيث سارعت أنقرة إلى إعلان دعمها للمعارضة، مطالبة بتنحي الأسد عن السلطة. ولم تقف أنقرة عند الدعم السياسي بل عمدت إلى تدريب وتسليح فصائل إسلامية لمواجهة الجيش السوري.

ويرى متابعون أن تركيا كانت تراهن على وصول حلفائها الإسلاميين إلى السلطة بهدف الحصول على نفوذ لطالما حلمت به في البلد الجار، كما هو حال العراق مع إيران.

منى يعقوبيان: استعادة العلاقات ستحصل في أحسن الأحوال بشكل تدريجي
منى يعقوبيان: استعادة العلاقات ستحصل في أحسن الأحوال بشكل تدريجي

لكن المشروع التركي سرعان ما اصطدم بعدة معوقات لاسيما بعد دخول روسيا مباشرة على خط الأزمة في العام 2015، وإسناد الجيش السوري ودعمه في استعادة مناطق واسعة من البلاد.

وقال أردوغان الشهر الحالي إنه قد يدعو الأسد الى تركيا “في أيّ وقت”، بعدما كان أرسل مؤشرات إيجابية تجاه الأسد في العام 2022، وعقد مسؤولون من البلدين لقاءات ثنائية بوساطة روسية.

وأبدى الأسد الاثنين إيجابية تجاه مبادرة أردوغان، لكنه قال إن المشكلة ليست في حصول اللقاء بحدّ ذاته إنما في مضمونه.

وجاءت تصريحات أردوغان على وقع تفاقم مشاعر معادية للاجئين السوريين في تركيا التي تستضيف نحو 3.2 مليون لاجئ سوري، يشكّل مصيرهم قضية حساسة في السياسة الداخلية مع تعهد خصوم أردوغان بإعادتهم إلى بلدهم.

ويقول آرون شتاين، رئيس معهد أبحاث السياسة الخارجية ومقره الولايات المتحدة، لوكالة فرانس برس إن “سوريا واللاجئين السوريين باتوا عبئاً كبيراً على أردوغان”. ويعتبر أن “استثمار أنقرة في المعارضة السياسية، من وجهة نظر عسكرية، باء تماماً بالفشل”.

وتقول تركيا إن هدف وجودها في سوريا، هو “القضاء على الهجمات الإرهابية والتهديدات ضد أراضيها ولمنع إنشاء ممر إرهابي” قرب حدودها، في إشارة إلى المقاتلين الأكراد الذين يقودون قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية الكردية.

وشنّت تركيا عمليات عسكرية عدة داخل سوريا منذ العام 2016، استهدفت بشكل رئيسي وحدات حماية الشعب الكردية، التي تصنّفها “إرهابية” وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها على أراضيها منذ عقود.

وتشترط دمشق منذ العام 2022 أن تسحب تركيا قواتها، التي سيطرت بفضل عملياتها العسكرية على شريط حدودي واسع في شمال البلاد وتحظى بنفوذ في شمال غربها، كمقدمة للقاء الأسد وأردوغان.

وسأل الأسد الاثنين “ما هي مرجعية اللقاء؟ هل ستكون إلغاء أو إنهاء أسباب المشكلة التي تتمثل بدعم الإرهاب، وانسحاب (القوات التركية) من الأراضي السورية؟”، مضيفاً “هذا هو جوهر المشكلة”.

ووفق شتاين، إذا قال أردوغان إن اللقاء مع الأسد ممكن، فقد يحصل. لكنه يوضح في الوقت ذاته أن “رقصة التانغو تتطلب وجود شريكين، وشريكه هو قاتل يكرهه”، وهو تعبير استخدمه أردوغان إثر اندلاع النزاع لوصف الأسد.

سونير كاغابتاي: أنقرة تريد من الأسد أن يقضي على حزب العمال
سونير كاغابتاي: أنقرة تريد من الأسد أن يقضي على حزب العمال

ورغم التباينات، تتفق أنقرة ودمشق على رفض الحكم الذاتي للأكراد. وبينما تريد أنقرة إبعادهم عن حدودها، تحمل دمشق عليهم “نزعتهم الانفصالية” وتلقّيهم الدعم من واشنطن، بعدما شكلوا رأس حربة في دحر تنظيم الدولة الإسلامية.

وتثير المؤشرات على تقارب بين دمشق وأنقرة مخاوف الإدارة الكردية، التي يقول محللون إنها قد تدفع الثمن الأكبر، مع رغبتها بالحفاظ على مكتسبات حققتها خلال سنوات الحرب.

ويرى مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن سونير كاغابتاي أن أنقرة “تريد من الأسد أن يقضي على حزب العمال الكردستاني حتى يصبح التنظيم في حالة سبات”.ويضيف “عندها سيبدأ التطبيع الحقيقي في شمال غرب سوريا، مع التزام تركيا سحب قواتها تدريجياً”.

ويثير هذا السيناريو مخاوف الملايين من السوريين المقيمين في منطقة إدلب ومحيطها، وأكثر من نصفهم نازحون فروا تدريجياً من محافظات سورية أخرى مع سيطرة القوات الحكومية عليها.

في مرحلة انتقالية، لا يستبعد كاغابتاي أن يعترف أردوغان بسلطة الأسد في شمال غرب سوريا، لكن مع أن يبقى الأمن “في يد أنقرة”، على أن يكون الهدف النهائي إعادة اللاجئين السوريين من تركيا.

لكنّ “الجزء الصعب” هو أن المعارضين للأسد لا يرغبون في العيش تحت حكمه مجدداً، ويمكن أن يناصبوا حينها العداء لتركيا.

وعند بروز مؤشرات تقارب عام 2022، خرجت تظاهرات غاضبة في مناطق عدة في إدلب، تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (تنظيم القاعدة). وخرجت تظاهرات مماثلة وإن كانت محدودة خلال الشهر الحالي رفضاً لـ”التطبيع” بين أنقرة ودمشق. وفي شمال شرق البلاد، يرى شتاين أن الوجود الأميركي سيجعل أيّ هجوم تشنه تركيا بتفويض من دمشق تجاه الأكراد خياراً محفوفاً بالتحديات.

لذا، فإن تفعيل اتفاقية أضنة الموقعة بين تركيا وسوريا هي “الأداة الوحيدة المتاحة.. كونها تخول تركيا شن عمليات في سوريا على عمق خمسة كيلومترات من الحدود” إذا تعرض أمنها القومي للخطر.

وأنهى الاتفاق عند توقيعه في العام 1998 توتراً بين الدولتين، حين حشدت تركيا قواتها قرب الحدود احتجاجاً على دعم قدمته دمشق لحزب العمال الكردستاني.ولطالما اتهمت دمشق أنقرة بخرق الاتفاق منذ بدء النزاع عام 2011.

وتقول يعقوبيان إنه يتعين الانتظار لمعرفة ما إذا كان بالإمكان “إعادة صياغة” الاتفاق مع سيطرة الأكراد على مساحات واسعة. ومع قرب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة واحتمال وصول إدارة جديدة، لا تستبعد يعقوبيان أن يكون التقدم نحو المصالحة بمثابة “تحسب لأيّ تحول محتمل في السياسة الأميركية” تجاه سوريا.

2