المصادقة على تشكيل مفوضية الانتخابات تثير أزمة سياسية في الصومال

المعارضة تتهم الرئيس حسن شيخ محمود بتقويض الاستقرار الهش في البلاد.
الاثنين 2024/11/18
إصرار الرئيس الصومالي على الاقتراع المباشر يصطدم برفض المعارضة

تمهد خطوة البرلمان الفيدرالي الصومالي بالمصادقة على مشروع قانون تشكيل مفوضية الانتخابات والحدود لتطبيق إصلاحات هي محل خلاف واسع بين القوى السياسية في الصومال، وتتعلق أساسا بإجراء انتخابات عبر الاقتراع المباشر.

مقديشو - يواجه الصومال أزمة سياسية جديدة على خلفية مصادقة البرلمان الفيدرالي على مشروع قانون حول إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات والحدود. وأعلنت كتلة المعارضة عن رفضها الشديد للقانون، معتبرة أن المصادقة عليه في البرلمان “لم تتم بالتوافق”، وشككت في دوافع الخطوة.

وكان البرلمان الفيدرالي صادق في وقت سابق السبت، في جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ، على مشروع قانون إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات والحدود، بحضور 173 نائبا. ويبلغ عدد مقاعد مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) 275 مقعدا، بينما يبلغ عدد مقاعد مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) 54 مقعدا.

وتُعدّ مفوضية الانتخابات والحدود الجهة المسؤولة عن تنظيم العمليات الانتخابية وتحديد الحدود الإدارية للولايات. وتقول الحكومة الفيدرالية إن من دوافع إعادة تشكيل المفوضية، تحديث وتفعيل المؤسسات الدستورية لضمان سير العملية الديمقراطية بسلاسة، خاصة أن البلاد مقبلة على انتخابات رئاسية وبرلمانية عام 2026.

وترى أن تشكيل مفوضية جديدة يتماشى مع الإصلاحات السياسية المطلوبة ومنها إجراء الانتخابات عبر الاقتراع المباشر بعكس الوضع السابق حيث كانت تُجرى بشكل غير مباشر. لكن كتلة المعارضة ترى أن البلاد غير جاهزة بعدُ لانتخابات بالاقتراع المباشر بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة.

واعترض الرئيس الصومالي الأسبق شريف شيخ أحمد، والنائب عبدالرحمن عبدالشكور، في مؤتمر صحفي مشترك السبت على قانون إنشاء لجنة الانتخابات والحدود المستقلة. وأشار شريف إلى أن البرلمان مُنع من ممارسة عمله، وأضاف أن الطريق الذي سلكه البرلمان عند الموافقة على قانون إنشاء لجنة الانتخابات والحدود غير شرعي.

شريف شيخ أحمد: لا يمكن إجراء انتخابات صوت واحد لشخص واحد
شريف شيخ أحمد: لا يمكن إجراء انتخابات صوت واحد لشخص واحد

وأوضح الرئس الأسبق أنه لا يمكن إجراء انتخابات “صوت واحد لشخص واحد” لا تشارك فيها ولايتا بونتلاند وجوبالاند والسياسيون المعارضون مع عدم وجود أجواء أمنية تسمح بإجراء الانتخابات المذكورة حتى في العاصمة مقديشو. ويرغب الرئيس حسن شيخ محمود بإجراء اقتراع شعبي مباشر حيث يرى أنه يتوافق مع الدستور المؤقت وأن البلاد باتت مستعدة له، لكن معارضيه يتهمونه بالسعي لتمديد ولايته الرئاسية.

وقال الرئيس شيخ محمود في الثاني من نوفمبر الجاري إن “الشعب يريد إجراء انتخابات مباشرة حرة ونزيهة في المناطق المحررة من قبضة حركة الشباب وفي الولايات التي تسيطر عليها الحكومة.” وأضاف أن “الانتخابات غير المباشرة تتعارض مع دستورنا، والمكوث فيها في الأوقات الماضية كان مفروضا علينا، أما الآن فلدينا فرصة لنتخلص منها.”

وتابع “أكثر من نصف قرن لم تشهد فيه البلاد انتخابات شعبية حرة، ونتطلع الآن إلى اجتياز الانتخابات التقليدية وأن يفهم الجميع العقبات المورثة من إجراء انتخابات غير مباشرة من فساد وجور بعض القبائل.”

وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته كتلة المعارضة، وجه النائب عبدالرحمن عبدالشكور ورسمي انتقادات شديدة إلى زملائه في البرلمان، وشكك في حضور العدد الذي أُعلن أنه صادق على قانون إنشاء لجنة الانتخابات والحدود، ودافع ورسمي عن حق الولايات الإقليمية في عقد الانتخابات الخاصة بها وفقا للنظام الفيدرالي المعمول به في البلاد.

وبشكل منفصل أبدى رئيس الوزراء الصومالي السابق حسن علي خيري معارضة شديدة لقانون إنشاء لجنة الانتخابات والحدود. وشن خيري هجوما على الرئيس شيخ محمود الذي قال إنه علّق العمل بالدستور وقوض وحدة البلاد والشعب، الأمر الذي من شأنه أن يقود الصومال إلى المزيد من الصراع وعدم الاستقرار السياسي.

وحث رئيس الوزراء السابق الرئيس الصومالي على عدم تجاهل الواقع الذي تشهده البلاد، ودعاه إلى فتح منصة وطنية للاتفاق على الانتخابات بمشاركة ولايتي بونتلاند وجوبالاند وأصحاب المصلحة السياسية لإنقاذ الشعب الصومالي من الارتباك وعدم اليقين السياسي.

وشهد الصومال آخر انتخابات مباشرة في عام 1968، حين أُجريت انتخابات برلمانية ورئاسية، فاز فيها حزب “الشباب” (لا علاقة له بحركة “الشباب الصومالية” الجهادية). وشارك في تلك الانتخابات 88 حزبا، واختار الناخبون 190 نائبا انتخبوا رئيس الجمهورية، وسرعان ما تحالفت معظم الأحزاب مع حزب “الشباب”.

وفاز في الاستحقاق آنذاك الرئيس عبدالرشيد علي شارماركي. لكن سرعان ما تلاشت آمال الشعب في الحكومة المدنية، واندلع صراع على السلطة وزادت النعرات القبلية، ما مهد الطريق لاغتيال شارماركي في عام 1969 برصاص أحد عناصر الشرطة. وقادت عملية الاغتيال إلى انقلاب عسكري وتولى محمد سياد بري حكم البلاد، ثم أُطيح بحكومة بري العسكرية المركزية عام 1991.

وبعد حروب أهلية دموية استمرت أكثر من ثلاثة عقود، إثر انهيار الحكومة العسكرية، بدأ الوضع السياسي يتحسن تدريجيا، وصار قطاع من الشعب الصومالي يتطلع إلى إجراء انتخابات بالاقتراع العام المباشر. ومنذ عام 2000، يعتمد الصومال على نظام انتخابات غير مباشرة، مبني على المحاصصة القبلية، أي تقاسم المناصب السيادية على “قاعدة 4.5″، بمعنى أربع قبائل كبرى وخمس قبائل صغرى.

حسن علي خيري: الخطوة من شأنها أن تقود الصومال إلى المزيد من الصراع
حسن علي خيري: الخطوة من شأنها أن تقود الصومال إلى المزيد من الصراع

ويقوم أعضاء المجالس التشريعية في الولايات ومندوبو القبائل باختيار أعضاء البرلمان الاتحادي، الذين يختارون بدورهم رئيس البلاد. لكن في عام 2018 اتفقت الحكومة ورؤساء الولايات الفيدرالية على إجراء انتخابات بالاقتراع العام المباشر، وبالفعل صادق البرلمان على هذه الخطوة. غير أن رؤساء الولايات تراجعوا خشية أن تؤدي مثل هذه الانتخابات إلى تغيير المعادلة السياسية في البلاد، وتمنح فرصة لاستمرار الرئيس آنذاك محمد عبدالله فرماجو لولاية إضافية.

وبعد تجاذبات كاد يغرق البلد العربي في فوضى سياسية عارمة، واتفقت الحكومة ورؤساء الولايات الفيدرالية في سبتمبر 2022 على استمرار الانتخابات غير المباشرة. وفي مايو من ذلك العام، فاز حسن شيخ محمود بانتخابات الرئاسة، وأعلن أمام البرلمان قبل أيام اعتزامه على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في 2026 بالاقتراع العام المباشر.

ويتصاعد الجدل والخلاف بين الحكومة والولايات المعارضة، وبينها ولايتا بونتلاند وجوبالاند وإدارة خاتمو إستيت المنفصلة من ولاية أرض الصومال (شمال)، بشأن طريقة إجراء الانتخابات المقبلة، وما إذا كانت البلاد مستعدة للاقتراع العام المباشر.

ويقول محللون وخبراء إن الانتخابات المباشرة رغم كونها الأداة الديمقراطية المثلى، لكن البلاد في واقع الأمر ليست مستعدة لها، في ظل فجوة الثقة بين الحكومة الفيدرالية والمعارضة والولايات، فضلا عن الوضع الأمني الهش الذي تشهده البلاد.

واعتبر المحلل السياسي بدرالدين رشيد أن “تطبيق النظام الانتخابي الجديد يحتاج إلى توصل الأطراف السياسية إلى حل سلمي ومصالحة". في المقابل رأى المحلل السياسي إسماعيل محمد إسحاق أنه “يمكن للحكومة إجراء انتخابات مباشرة في العاصمة والمناطق التي تسيطر عليها والولايات التابعة لها.”

ورهن إسحاق الأمر بـ”مدى جاهزية الأنظمة والمؤسسات الحكومية المخصصة لشؤون الانتخابات البرلمانية والرئاسية” وأيضا بـ”توفر الدعم المالي واللوجستي من الأمم المتحدة والدول الحليفة، وبينها تركيا والولايات المتحدة، وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي.”

2