المشي حافيا

ذات مرة، كان شاب يسير على طول الطريق وهو يأكل حبات من الكمّثرى، إلى أن صادفه طبيب عجوز من الاتجاه المعاكس.
قال الطبيب العجوز للشاب “بالرغم من أن الكمّثرى لذيذة، فلا يجب أن تأكل كثيرا. إنها جيدة للأسنان لكن الكثير منها سيكون ضارا للطحال”.
عند سماع كلام الرجل العجوز، وضع الشاب الكمّثرى بعيدا، وأخرج من جيبه حبّات من التمر قائلاً “لذا يمكنني أكل التمر وليس الكمّثرى، وذلك لحماية طحالي. ماذا عن أكل التمر؟”. أجاب الطبيب العجوز “التمر له وظيفة تغذية الطحال، لكن الإفراط في تناوله سيضر بالأسنان، لذا لا يجب تناوله بكميات كبيرة”.
بعد سماع ما قاله الرجل العجوز، نظر الشاب إلى التمر في يده وتردد ولم يعرف كيف يتصرف.
بعد التفكير برهة، قال “ما رأيك بهذه الطريقة؟ عندما نأكل الكمّثرى، فإننا نمضغها بأسناننا فقط ونبصقها بدلا من ابتلاعها، فنضمن سلامة الطحال، وعندما نتناول التمر نبتلعها كاملة بدلا من مضغها، وبذلك لا نؤذي الأسنان”.
تقول الحكاية الصينية القديمة أن تلك الكلمات جعلت الطبيب العجوز في حيرة من أمره: هل يضحك أم يبكي؟
أمامنا في حياتنا كمّ ضخم من التناقضات اليومية بسبب الزخم الهائل من المعلومات التي تواجهنا والتي تقف وراءها شركات جشعة لا يهمّها سوى أن نكون مستهلكين نهمين لمنتجاتها، علينا أن نعمل وندفع لها ما نكسبه من تعبنا اليومي فقط لأننا نصدّق ما يتم نشره من أخبار وتقارير ودراسات عن فوائد هذه المادة الاستهلاكية أو تلك، ولاسيما إذا تعلق الأمر بالغذاء والمكمّلات الغذائية التي تحفظ الصحة وتوفّر القوة وتمنح الطاقة وتحارب الشيخوخة وتحافظ على الشباب وتجدد الخصوبة وتطيل العمر، والتي تحمي القلب والشرايين والرئتين والكبد والطحال وتقي من الزهايمر ومن الموت المبكر، وما إلى ذلك من العناوين الدعائية.
قد تعترضك بشكل دائم جداول من مختصين تتضمن أرقاما وحسابات محددة عما تحتاج إليه يوميا من الفيتامينات ومن نسب البروتينات والكربوهيدرات والدهون وغيرها، وعما يستوجب منك حذر الاقتراب منه حتى لا تصاب بالخلل وتحاصرك الأمراض والعلل، مع جداول أخرى للسعرات الحرارية، وكأن عليك أن تضع على طاولة الطعام ميزانا تزن به كل ما تنوي أكله لكيلا تتجاوز المباح في خضمّ التوغّل في المتاح.
لو قصدنا مجتمعات بدائية أو أقرب إلى البدائية أو دخلنا مناطق ريفية غير معنية بتلك الأرقام والحسابات العملية والطبية والتقنية الاستهلاكية سنكتشف أن البشر هناك يعيشون حياة طبيعية وقد تطول أعمارهم أكثر من غيرهم، دون الاهتمام بفكرة الأطعمة الصحية أو المكملات الغذائية، ودون معرفة لمعنى السعرات الحرارية، وإنما فقط لأن الظروف العامة تمنح الناس علاقة أقوى بالطبيعة مع حركة أكثر وطعام أقلّ، ومساحة أوسع للتأمّل.
الحرص على دقة التفاصيل يمكن أن يتحول إلى مشكلة حقيقية، التفصيل الوحيد الذي عليك أن تحترمه هو العلاقة الوطيدة مع الأرض البكر، ولو من خلال المشي حافيا لمدة ساعة يوميا. فالطبيب الروسي فلاديمير خوروشيف يؤكد أن “المشي حافيا يحفّز وينشّط جميع أعضاء الجسم وأنظمته عن طريق تدليك النقاط العصبية المرتبطة بها والموجودة على بطن القدم”.
ليس مهما أن تأكل الكمّثرى أو التمر، لأنك في الأخير لن تأكل إلا ما تقدر على أكله، المهم أن تحافظ على توازنك النفسي بحيث لا تصبح خاضعا بالكامل لدعايات المتاجرين بخوف الناس على صحتهم ومن يجعلون حتى علاقتك ببطنك مجرد أرقام وحسابات.