المسيّرات تفتح مرحلة جديدة في الحرب السورية

الحركات المتشددة استفادت من التهدئة وانشغال روسيا في أوكرانيا لاستعادة قواها.
السبت 2023/10/07
هجوم غير مسبوق

دمشق –  يثير الهجوم الدامي على الكلية الحربية بحمص وسط سوريا تساؤلات حول الرسائل من ورائه، خاصة أن الهجوم غير مسبوق من حيث كثافة المسيّرات والدقة في التنفيذ وحيوية الموقع الذي تم استهدافه، فضلا عن وقوعه في منطقة بعيدة عن الحدود وسبق أن بسطت القوات الحكومية سيطرتها عليها بشكل كامل.

يأتي هذا في وقت يقول فيه مراقبون إن الهجوم قد يكون مؤشرا على أن الحرب في سوريا قد دخلت مرحلة جديدة تقوم على توظيف المسيّرات لإحداث خسائر كبيرة بدلا من التفجيرات الانتحارية التي كان ينفذها مقاتلو داعش.

ويظهر الهجوم أن التيارات المتشددة استفادت من التهدئة القائمة منذ أشهر، وإن كانت غير معلنة، ومن ثقة النظام المبالغ فيها بتحقيق تفوقه العسكري على الأرض، لتجميع قواها وتنفيذ عملية كبيرة، قد تدفع إلى إعادة المشهد السوري عسكريا إلى الواجهة.

وأثبت الهجوم أهمية تحريك التفاوض السياسي بين سوريا وتركيا للبحث عن حل لتمركز المجموعات المسلحة المعارضة شمال البلاد، خاصة أن بقاء الوضع على ما هو عليه الآن، أي حالة اللاسلم واللاحرب، هو استقرار مؤقت يمكن أن ينفجر في أيّ وقت، وهذا ما حصل من خلال هجوم حمص.

ولا يعرف إن كان وراء الهجوم رسالة سياسية من جهة ما، أو أن المجموعات المسلحة قد استغلت انشغال روسيا بحرب أوكرانيا لتنفيذ هجمات دائمة، وتأكيد قدرتها على التسلل والاختراق.

ولم تتبن أيّ جهة المسؤولية عن الهجوم الذي طال الكلية الحربية، وهي أكاديمية تخرّج منها أركان النظام وقياداته على مرّ عقود، بدءاً من الرئيس الراحل حافظ الأسد مروراً بابنيه الرئيس الحالي بشار وشقيقه ماهر وقادة عسكريين.

وسارع الجيش السوري إلى اتهام “التنظيمات الإرهابية المسلحة” بتنفيذ الهجوم “عبر مسيّرات تحمل ذخائر متفجرة”. وأكد أنه “سيردّ بكل قوة وحزم”.

وبدأ على الفور حملة قصف مدفعي على مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل متحالفة معها في محافظة إدلب (شمال غرب) ومحيطها، أودت بحياة 16 مدنياً على الأقل.

وانضمت القوات الروسية إلى الحملة الجمعة بتنفيذها غارات عدة في المنطقة، ما يعني عملياً توجيه دمشق وداعمتها موسكو أصابع الاتهام إلى الفصائل في منطقة إدلب الحدودية مع تركيا.

وإذا صحّ أن تلك الفصائل نفّذته، فسيكون الأول بهذا الحجم وبهذا الأسلوب. ويوضح الباحث في الشأن السوري في مركز “سنتشوري أنترناشونال” آرون لوند أنه لا تتوفر حتى اللحظة “تفاصيل كافية للتكهن” حول هوية الجهة المنفّذة.

تجميع المسيّرات ربما جرى في حمص وتم إطلاقها من مكان قريب، ما يفسر سبب عدم رصدها والتصدي لها

وأضاف “رأينا في السابق هجمات كثيرة بطائرات مسيّرة انطلاقاً من إدلب، بما في ذلك استهداف الطائرات الروسية في قاعدة حميميم على الساحل، لكن التفاصيل حول من شغّل تلك المسيّرات كانت دائماً غامضة نوعاً ما”. ويتابع “هل هي هيئة تحرير الشام أم تركيا أم خليط من الاثنين؟” لافتاً إلى أن كلا من هذه الأطراف قد يكون نفّذ الهجوم.

وتستخدم فصائل جهادية عدة بينها هيئة تحرير الشام وتنظيم داعش أحيانا طائرات مسيّرة لاستهداف مواقع عسكرية تابعة للقوات الحكومية أو حلفائها. ووقع الهجوم بعد دقائق معدودة من مغادرة وزير الدفاع علي محمود عباس لحفل التخرّج.

ويرجّح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن أن يكون “تجميع المسيّرات قد جرى في حمص وتم إطلاقها من مكان قريب، ما يفسر سبب عدم رصدها من رادارات أو تصدي الدفاعات الجوية لها”، من دون أن يتوفر لديه في الوقت ذاته “تصور حول هوية الجهة المنفذة”.

ويشرح لوند “الجيش هو العمود الفقري للنظام السوري، والكلية الحربية في حمص هي حيث يتدرّب ضباطه منذ نشأة الدولة السورية”، مشيراً إلى أن كل الذين “يمسكون بزمام الأمور في سوريا” عسكرياً، تخرجوا منها.

ولا يستبعد “بالنظر إلى كيفية عمل النخبة الأمنية في سوريا، مع مقدار روابط الدم والزبائنية التي تبقيها متماسكة، أن بعض من قتلوا هم بلا شك من عائلات عسكرية من الجيل الثاني أو الثالث، أي من أبناء كبار الضباط وأبناء أشقائهم”، وأقاربهم.

ومنذ سنوات يردّ محللون قدرة الأسد على الصمود خلال سنوات النزاع في جزء كبير منها إلى تماسك ضباط الجيش وولائهم. وانطلاقاً من أن الهجوم وقع قرب “عقر دار النخبة الحاكمة في سوريا”، يقول لوند “أعتقد أن ردود الفعل الرسمية القوية يجب أن يُنظر إليها من هذا السياق”.

حح

واستعادت القوات السورية السيطرة على معظم أنحاء البلاد بعد أن كانت خسرت مناطق واسعة، إثر تطور الحركة الاحتجاجية ضد النظام في العام 2011 إلى نزاع مدمّر. لكن قوى مختلفة لا تزال متواجدة في مناطق عدة.

ومنذ العام 2016 شنّت تركيا مع فصائل سورية موالية لها عمليات عسكرية عدة في شمال سوريا، مستهدفة خصوصاً المقاتلين الأكراد لإبعادهم عن حدودها.

وتسيطر القوات التركية والفصائل الموالية لها على شريط حدودي يمتد من جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي إلى عفرين في ريفها الغربي، مروراً بمدن رئيسية مثل الباب وأعزاز.

كما تسيطر على منطقة حدودية منفصلة بطول 120 كيلومتراً بين مدينتي رأس العين وتل أبيض الحدوديتين. وتضم الفصائل الموالية لأنقرة والمنضوية في ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري” مقاتلين سابقين في مجموعات معارضة، مثل جيش الإسلام الذي كان يعد الفصيل المعارض الأبرز قرب دمشق.

وتتواجد في المنطقة فصائل مقاتلة أخرى منها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وداعش، وفصائل أقل نفوذاً مثل “الحزب الإسلامي التركستاني” الذي يضم مقاتلين من الأويغور.

1