المسلسلات الطويلة أكثر من مجرد مسلسلات.. إنها حكايات أجيال

لندن – قد لا تكون المسلسلات الطويلة التي تعرض على امتداد عقود دارجة كثيرا في المنطقة العربية، إلا أنها تحظى باهتمام وشعبية كبيرة في الدول الغربية، حيث تجاوزت قيمتها كعمل فني وأصبحت رفيقة درب أجيال عدة فهي تروي حكايات تعبر عنهم وعن تطور مجتمعاتها وأهم القضايا والتغيرات التي تلحق بها.

من هذه المسلسلات الشهيرة، يأتي مسلسل “إيست إندرز” الذي يحتفي التلفزيون البريطاني الأربعاء ببثه طوال أربعين عاما متواصلة. و”إيست إندرز” أو ما يعرف أيضا بمسلسل “سكان الحي الشرقي البريطاني”، شاهدته أجيال متعاقبة وأصبح جزءا لا يتجزأ من ذاكرتها وحياتها، وتحول إلى واحد من أطول المسلسلات في التاريخ، حيث بدأ أول عرض له في 19 فبراير 1985 وقدم 33 جزءا بمعدل أربع حلقات أسبوعيا.

أسبوع من الاحتفالات

بدأ عرض المسلسل للمرة الأولى على قناة “بي بي سي وان”، وتدور أحداثه في حي “ألبرت سكوير” الخيالي، الواقع في منطقة “والفورد” بشرق لندن، ويركز على الحياة اليومية لسكان الحي من الطبقة العاملة.

ومنذ انطلاقه، حقق “إيست إندرز” نجاحًا كبيرًا، حيث بلغ عدد حلقاته حتى الآن 5552 حلقة، وتبلغ مدة كل حلقة حوالي 30 دقيقة. المسلسل من تأليف جوليا سميث وتوني هولاند، ومن أبرز نجومه روس كيمب، جون براون، سوزان تالي، وأليكس فيرنز، ناديا صوالحة وروز أيلينج إليس. وعلى مر السنوات، تولى عدة مخرجين ومنتجين العمل على المسلسل، مما ساهم في استمراريته ونجاحه.

تناول “إيست إندرز” قضايا اجتماعية جريئة مثل تلك المتعلقة بالعلاقات الأسرية، والصحة النفسية، والهوية الجنسية، والصراعات الاجتماعية، والحمل خارج إطار الزواج، والاعتداءات الجنسية التي يرتكبها قساوسة، وتعاطي المخدرات والمعاناة من سرطان الثدي، ما جعله يعكس واقع المجتمع البريطاني بشكل صادق، كما أثار في حلقاته مواضيع آنية، والتزم خلال فترة جائحة كوفيد – 19 بتطبيق تعليمات الصحة خلال تصوير مشاهده حيث منع على ممثليه مشاهد التقبيل، كما حضرت فيه شخصيات سياسية وفنية مهمة كضيوف شرف من بينهم الأمير تشارلز وزوجته كاميلا واللذين ظهرا في المسلسل احتفالا باليوبيل البلاتيني لجلوس الراحلة الملكة إليزابيث الثانية على العرش.

وعلى امتداد مواسمه، أشاد النقاد بالطريقة التي تم بها بناء الشخصيات وتطويرها، مما أضفى واقعية وعمقًا على القصص المقدمة، ومكنه رغم مرور عقود على عرضه، من الحفاظ على شعبيته من خلال تقديم قصص متجددة ومواكبة للتغيرات الاجتماعية.

وبفضل هذه العوامل، حصد المسلسل عدة جوائز، بما في ذلك تسع جوائز “بافتا”، مما يعكس جودته وتأثيره المستمر في الدراما التلفزيونية.

وفي مقابلة صحفية في أكتوبر 2023، أكد المنتج التنفيذي للمسلسل كريس كلينشو أن التحضيرات جارية للاحتفال بالذكرى الأربعين للمسلسل.

وحسب ما كشف عنه التلفزيون البريطاني “بي بي سي” فإن الاحتفالات التي تنطلق الأربعاء ستستمر طوال أسبوع وستتضمن مقابلات مع نجوم المسلسل الحاليين والسابقين، وعروضًا خاصة تسلط الضوء على أبرز اللحظات في تاريخ “إيست إندرز”. كما ستُعرض مقاطع حصرية من وراء الكواليس، لتقديم نظرة معمقة على عملية إنتاج المسلسل وتطوره على مر السنين.

المسلسل سيبث أيضا حلقة مباشرة احتفالا بهذه المناسبة، وهي المرة الرابعة التي يتم فيها بث حلقة مباشرة من المسلسل، والثامنة على مستوى الحلقات الفردية التي تم بثها مباشرة. كما أنها ستكون أول حلقة مباشرة منذ عشر سنوات، حيث كانت المرة الأخيرة خلال أسبوع البث المباشر الخاص في 2015.

في هذه الحلقة المباشرة التفاعلية سيتمكن المشاهدون من التصويت لتحديد نتيجة إحدى القصص في المسلسل، تحديدًا تلك التي تتعلق بالقرار الذي ستتخذه البطلة دينيس فوكس (ديان باريش) بشأن اختيار شريك حياتها بين زوجها السابق جاك برانينج (سكوت ماسلين) وحبيبها السري رافي غولاتي (آرون ثييارا).

كما ستتضمن الحلقات حريقًا وانفجارًا في حانة “ذا كوين فيكتوريا”، وزفاف بيلي ميتشل (بيري فينويك) وهوني ميتشل (إيما بارتون)، بالإضافة إلى استكشاف صراع فيل ميتشل (ستيف مكفادين) مع مشاكله النفسية، والكشف عن هوية مهاجم سيندي بيل (ميشيل كولينز).

وكلينشو الذي ستكون هذه الحلقة آخر عهده بالمسلسل كمنتج تنفيذي له، وعد المشاهدين بأسبوع “لا يُفوَّت، مليء بالتقلبات الصادمة التي ستغير ساحة ألبرت سكوير وحياة سكانها إلى الأبد”.

ماذا عن الدراما العربية

تخيل أنك شاهدت الموسم الأول من مسلسل ” إيست إندرز” وعمرك عشر سنوات، وواظبت على متابعته أربعين عاما، بالتأكيد سيكون اليوم رفيقك المفضل وأنت تحتفي بسنوات عمرك الخمسين. إنه واحد من أطول المسلسلات التلفزيونية، وله متابعون أوفياء، تشاهده عائلات بأكملها في بريطانيا منها الأب والأبناء والأحفاد. لكن ماذا عن الدراما العربية؟ ولمَ لا نرى مسلسلات كثيرة يستمر بثها عقودا طويلة؟

رغم متابعة نسبة لا بأس بها من المشاهدين العرب لمسلسلات أجنبية طويلة مثل الدراما البريطانية والأميركية والكورية، إلا أنهم لا يظهرون إقبالا كبيرا على المسلسلات العربية الطويلة، ما يدفع المنتجين إلى اختصار عدد المواسم، والاقتصار في الأغلب على موسم واحد وأحيانا موسمين.

وتعد المسلسلات الطويلة التي تمتد على سنوات وأجزاء قليلة، من هذه المسلسلات يحضر “باب الحارة” كأحد أشهر المسلسلات الطويلة، والذي يتجدد الحديث عنه وترقب عرضه كل عام قبل موسم رمضان.

هذا المسلسل الذي أصبح أيقونة دراما البيئة الشامية، بدأ عرضه للمرة الأولى عام 2006، أخرج أجزاءه الخمسة الأولى المخرج الراحل بسام الملا ثم أوكلت المهمة لعدد من المخرجين الآخرين. وعرض الجزء الثالث عشر من المسلسل في رمضان 2023، ولا تزال الأنباء غير مؤكدة عن عرض جزئه الرابع عشر الذي ينتظره جمهور المسلسل منذ العام الماضي.

دار جزء كبير من أحداث المسلسل في عشرينات القرن العشرين، وفترة الانتداب الفرنسي لسوريا، بينما تناول الجزء الثالث عشر حقبة ما بعد الاستقلال في سوريا، إضافة إلى مجموعة علاقات وصراعات اجتماعية تشهدها “حارة الضبع” مع الحارات المجاورة لها وهي علاقات نشأت خطوطها الدرامية في الجزء الأول وتطورت مع تطور قصة المسلسل.

تناوله النقاد إيجابا وسلبا، خاصة في ما يتعلق بصورة المرأة السورية التي يستعرضها، وتميّزت فيه أجزاء على أجزاء وشخصيات على أخرى، لكنه حقّق خلال فترات من وجوده متابعة قياسية على مستوى الحضور العربي وصار طقسا رمضانيا على العديد من الشاشات العربية. لقد تجاوز “باب الحارة” كونه مسلسلا يقدّم حكاية مشوّقة وأحداثا متتالية فحسب، وصار مرتبطا بحالة فنية محبّبة لدى الناس ومنسوبة إلى بلد محدد يحمل خصوصيته الاجتماعية.

أحد أشهر المسلسلات الطويلة الأخرى، “الكبير أوي”، ذلك المسلسل الكوميدي المصري الذي ثبّت اسم أحمد مكي كواحد من أقطاب الكوميديا في الدراما المصرية والعربية، حيث لعب بطولة 8 أجزاء من المسلسل الكوميدي الناجح على مدار أكثر من 13 عاما، حيث بدأ الجزء الأول في 2011، وتم تقديم الجزء الثامن في الموسم الرمضاني السابق 2024. وكانت حلقات المسلسل كوميدية ساخرة ويكتب بعضها بناء على “الترند” السائد في المجتمع، حيث صورت بعض أجزائه أثناء شهر رمضان، كما قدم وعرّف بالعديد من المواهب لعل أهمهم رحمة أحمد وسما إبراهيم.

وجاء توقف المسلسل إثر مطالبة الجمهور أحمد مكي بالتخلي عن المسلسل والبحث عن شخصية أخرى، بعد أن رأى بعضهم أن المسلسل سقط في فخ الابتذال والإطالة ولم يعد قادرا على المنافسة في السباق الرمضاني.

ويعد مسلسل “ليالي الحلمية” من أشهر المسلسلات الطويلة، وواحدا من أبرز المسلسلات التي قدمت في الدراما المصرية على مدار تاريخها وشارك فيها معظم نجوم الفن المصري، فقد تم إنتاج 6 أجزاء من العمل الذي كتبه أسامة أنور عكاشة وأخرجه إسماعيل عبدالحافظ، باستثناء الجزء السادس الذي كتبه عمرو محمود ياسين وأيمن بهجت قمر وأخرجه مجدي أبوعميرة. وعرض المسلسل بين عامي 1987 و2016.

كما استطاع  النجم محمد صبحي من خلال مسلسل «يوميات ونيس» الذي عرض بين 1994 و2013، ترسيخ مبادئ تربية الأبناء في العمل الفني الذي عرض على مدار 6 أجزاء وأصبح من أهم الأعمال الهادفة في الدراما، وشارك في بطولته الممثلون سعاد نصر، وجميل راتب، وشعبان حسين، وهدى هاني، وهادي خفاجة، وغيرهم.

ومن المسلسلات الشهيرة التي تابعها الجمهور العربي طوال سنوات، يحضر مسلسل “وادي الذئاب”، الدراما المدبلجة التي عرضت في عشرة أجزاء وكانت أحداثها البوليسية المشوقة إلى جانب اللهجة السورية سببا مهما في شهرتها، حيث عرضت 9 أجزاء منها من أصل 10 أجزاء، ولا تزال هناك توقعات بشأن إنتاج جزء جديد من الحكاية.

تدور أحداث المسلسل حول رجل الاستخبارات علي الذي توغل في قلب المافيا في إطار عملية أطلق عليها اسم وادي الذئاب، وتطلبت تغييرًا جذريًا في ملامحه وشخصيته، وتغيير اسمه إلى “مراد علمدار”، فيقود الكثير من عمليات المافيا ويخسر العديد من أصدقائه وأفراد عائلته، وما شد انتباه الجمهور العربي أن المسلسل يتطرق ضمن أحداثه إلى قضايا عربية منها القضية الفلسطينية وتجارة السلاح والمخدرات في المنطقة العربية.

قد تصمد المسلسلات العربية وحكاياتها لأجزاء عديدة، لكن إلى اليوم تبدو شركات الإنتاج عاجزة عن تقديم أعمال درامية تمتد لعقود، وتواكب نشأة أجيال كاملة وتطورها، بل يبدي المنتجون اتجاها أكبر نحو الدراما القصيرة ودراما المنصات، وهو أمر ربما تعود أسبابه لافتقاد كتاب الدراما الحديثة للقدرة على تأليف مواضيع اجتماعية وعاطفية جذابة ومقنعة لمواسم عدة، رغم أن الإقبال العربي كبير على مشاهدة المسلسلات وتحديدا في الموسم الرمضاني، وبشكل أكبر النساء العربيات، كما أن المنطقة زاخرة بالأحداث السياسية والاجتماعية التي قد تمثل مادة فنية مهمة.