المسرح الخليجي يسير على خطى بريشت لمواجهة قضايا العصر

المسرحيون العرب استغلوا المسرح الملحمي كمحاولات تجريبية لتجاوز المألوف وإنتاج عرض يحمل بين مضامينه الفكرية روح العصر.
السبت 2024/08/31
مسرح خليجي بروح ملحمية

الشارقة - ليس خافيا تأثير المسرحي الألماني برتولد بريشت على المسرح العربي، تأثير ولو أنه جاء متأخرا لكنه تجذر في السنوات الأخيرة بشكل لافت، حتى أننا لا نجد مسرحيا غير متأثر بالمسرح الملحمي البريشتي، ومنذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي، انتقل مسرح بريشت إلى الخشبة العربية في مصر ولبنان وتونس والمغرب والعراق وغيرها، لتتجلى تأثيرات هذا المسرح في كافة عناصر المسرح من كتابة وإخراج وتقنيات جمالية، وليس المسرح الخليجي بمعزل عن هذا التأثر ولو بشكل متأخر.

بحثا عن ملامح التأثيرات البريشتية وحضورها في المسرح الخليجي أصدر  الكاتب والباحث المسرحي ظافر جلود كتابا جديدا بعنوان “بريشت في المسرح الخليجي.. التغريب وكسر الجدار الرابع”، وهو أول محاولة بحثية في قراءة العرض المسرحي المحلي لمسرحيين خليجيين يتداخل مع المفاهيم والقواعد وأسس بريشت في نظريته المشهورة المسرح الملحمي في رصد توثيقي لتجارب مهمة قدمت عبر مسارح مختلفة من دول الخليج العربي.

الكتاب الجديد، الصادر عن دائرة الثقافة بالشارقة والذي يقع في 279 صفحة، يركز على التعريف بمنهجية المسرح الملحمي كمصطلح صاغه المسرحي والشاعر الألماني برتولد بريشت في عام 1926 يجمع بين نوعين أدبيين هما الدراما والملحمة، أي شكلي الأدب المسرحي والسردي في عشرينات القرن الماضي، حيث ينفصل المسرح الملحمي عن مفاهيم المسرح النوعية التي تقلل من قيمة العناصر السردية على المسرح عبر تجسيدها في تمثيل حي، فحتى في العصور القديمة كانت هناك عناصر سردية في المأساة، مثل الجوقة التي علقت على الأحداث، أو الجداريات أو تقارير الرسل التي وصفت فيها الشخصيات الأحداث التي كان من الصعب تصويرها على خشبة المسرح.

 التعريف بمنهجية المسرح الملحمي كمصطلح صاغه المسرحي والشاعر الألماني برتولد بريشت في عام 1926
التعريف بمنهجية المسرح الملحمي كمصطلح صاغه المسرحي والشاعر الألماني برتولد بريشت في عام 1926

وأسس بريشت منهجه الملحمي في المسرح الذي هدف من ورائه إلى كسر اندماج الممثل في الشخصية المسرحية التي يقوم بها، وتحرير المتفرج أيضا من هذا الاندماج السلبي، ليكون أهم انقلاب في جمالیات العرض المسرحي في القرن العشرين، وعبر سنوات إبداعه التي شارفت على الأربعين عاما، استطاع بريشت أن يضيف إلى صلب الدراما تيارا قويا ألقى بظلاله على خشبات المسرح في كافة أرجاء العالم ومازال تأثيره ماثلا إلى اليوم.

كما يتطرق المؤلف إلى أن تجارب المسرحيين الخليجيين خصوصا والعرب عموما في محاولة تناول ومعالجة القضايا الراهنة تغيرت شكلا ومضمونا ما بعد الخمسينات خاصة، إذ التفتوا إلى العالم بحثا عن النموذج الذي يمكن التعلم من تجربته والاقتداء به، فوقعوا على بريشت الذي كان تأثير مسرحه كبيرا في أوروبا.

ويؤكد ظافر جلود أن أسباب التقاء المسرحيين العرب مع مسرح بريشت تعود أساسا إلى أمور عدة، منها أنه مسرح سياسي اجتماعي بامتياز، وأنه شكل فني جديد لافت للنظر، وله حضور أوروبي، ثم توفر ترجمات أعماله المسرحية والنظرية إلى الفرنسية والإنجليزية، كل هذا قد لعب دورا كبيرا في حضوره في المسرح العربي.‏

ويشير المؤلف إلى أن نظرية المسرح الملحمي لبريشت قد مزجت بين تقاليد المسرح الغربي وجماليات الشرق، وهو المزج الذي جدد المسرح الغربي ومنحه أفقا جديدا للتجريب، مشددا على أن هدف بريشت هو التوصل إلى خلق مسرح يدفع الجمهور إلى تغيير العالم بدلا من تفسيره، وهو ما لم يصل إليه لكنه انتهى إلى تغيير المسرح نفسه.

ويضيف جلود “ثم إن المسرح العربي تأثر كثيرا بالمسرح الملحمي وكانت تجارب مخرجين مثل إبراهيم جلال وسعد أردش وعوني كرومي وفؤاد الشطي وصقر الرشود ومحمد العامري وحمد الرميحي وخليفة العريفي وعماد الشنفري ومؤلفين مهمين مثل الشيخ الدكتور سلطان القاسمي وعبدالعزيز السريع وسعدالله ونوس وإسماعيل عبدالله وسامح مهران وغيرهم قد انخرطوا في تعزيز النظرية البريشتية بمحاولات راهنت على قراءة واعية للمسرح الملحمي”.

ويلفت إلى وعي هؤلاء الكتاب العرب بأن بريشت راهن على أهمية المسرح أكثر من السياسة، وأن المرحلة الشرقية في حياته حولته من المسرح التعليمي إلى المسرح الملحمي، وأن المسرح الملحمي هو محاولات تجريبية لتجاوز المألوف وإنتاج عرض مسرحي يحمل بين مضامينه الفكرية روح العصر، كما استند المسرح الملحمي إلى ابتكارات تسعى للتجاوز والهدم والبناء في محاولة لتغيير رسالة الدراما التي تعتمد على التطهر والاندماج. ومع تعدد التجارب وتراكمها سيبقى تأثير المسرح الملحمي مستمرا إلى زمن طويل قادم، طالما المسرح العالمي وليس الخليجي والعربي فقط في حاجة إلى التجديد.

12