المستقلون في العراق يدفعون ثمن الزج بهم في صراع الأقطاب

بغداد - يواجه المستقلون في العراق اليوم المزيد من التفكك والانقسامات جراء انخراطهم في الصراع المستفحل بين أقطاب العملية السياسية، الأمر الذي يؤثر على وضعهم الهش بطبعه، ويجعلهم عرضة للمزيد من الابتزاز.
وكانت قوى سياسية، من بينها الاتحاد الوطني الكردستاني، حذرت المستقلين في وقت سابق من مسعى لاستغلالهم في الصراع الجاري على السلطة، لكن هذه التحذيرات لم تجد آذانا صاغية، فكانت النتيجة تعرض كتلهم للمزيد من الانقسام على غرار ما يحصل اليوم لحركة امتداد.
وتواجه حركة امتداد، المنبثقة عن الحراك الشعبي الذي تفجر في العراق في أكتوبر 2019، حالة من التفكك بسبب خيارات قيادتها التي بدت منحازة للتيار الصدري. وأعلنت الحركة الخميس عن إقالة أمينها العام علاء الركابي، بسبب قراراته الفردية وعدم تنسيقه مع أعضاء الحركة.
وجاءت إقالة الركابي بعد ساعات قليلة على قرار خمسة نواب من مجموع تسعة نواب لدى الحركة تقديم استقالاتهم، وهم كل من داود العيدان ومحمد نوري ونيسان الزاير ونداء الكريطي وكاظم الفياض.
وبرر النواب سبب الاستقالة بما أسموه "خروج الحركة عن مبادئ تشرين، وتفرد أمينها العام بالقرارات المصيرية للحركة دون الرجوع لمؤسساتها، وتوجيه الاتهامات لبعض النواب بالخيانة والفساد دون دليل". وتابعوا "قررنا الانسحاب من الحركة والحفاظ على مبادئنا كثوار ومحتجين ومعارضة للأحزاب السابقة".

وكان الركابي أبدى دعما للمبادرة التي طرحها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بتولي تحالف من المستقلين، يضم أربعين نائبا، اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، لكن هذه المبادرة تأكد لاحقا أنها لم تكن سوى من باب المزايدة على مبادرة الإطار التنسيقي، وأنها لم تكن جدية، خصوصا بعد أن أعلن الصدر أنه قرر التوجه للمعارضة لمدة ثلاثين يوما، وإفساح المجال لما يسميه “الثلث المعطل”، في إشارة إلى الإطار التنسيقي لتولي مهمة التشكيل الحكومي.
وأثار هذا الأمر حالة من الغضب في صفوف امتداد التي اعتبر أعضاؤها أنهم وقعوا ضحية خيارات قيادتهم، ومسايرتها لمناورات الصدر، معلنين الانتفاض على هذه القيادة لتصويب المسار مجددا.
وكان وصول حركة امتداد إلى البرلمان العراقي في الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر الماضي، قد رفع من منسوب التفاؤل لدى الشارع العراقي، في أن تكون هذه الحركة اللبنة الأولى في مسار التغيير المنشود، لكن الخلافات التي دبت بين عناصرها منذ البداية، وانخراطها "عن سذاجة سياسية" في لعبة الأقطاب، انعكسا خيبة أمل لدى الكثيرين.
ويرى البعض أن إقالة الركابي مؤشر على استدارة سياسية لدى أعضاء الحركة صوب الإطار التنسيقي الذي بدا أكثر جدية في إشراك المستقلين، من خلال عرضه مبادرة سياسية أكثر واقعية، وتتقاطع إلى حد كبير مع المبادرة التي طرحها الأسبوع الماضي تحالف للمستقلين.
في المقابل يقول مراقبون إن الحركة بصدد إعادة ترتيب صفوفها واتخاذ خطوة إلى الوراء، على أمل إنقاذ صورتها التي تضررت لدى الشارع العراقي، بسبب سوء تقدير قيادتها.
ويشير المراقبون إلى أن المستقلين، في جزء كبير منهم، يبدو أنهم يتجهون نحو التحالف مع الإطار التنسيقي، في ظل استشعارهم بأن الأخير يقف على أرضية صلبة، على خلاف التيار الصدري الذي اتسم سلوكه في التعاطي مع الأزمة بالارتجالية القائمة على رد الفعل.
ويقول المراقبون إن هذا المكون، الذي بدأ يتلمس خطواته الأولى في معترك الفعل السياسي، كان من الأسلم له منذ البداية أن يبقى بعيدا عن التجاذبات السياسية لضمان قدر من التماسك، والابتعاد عن الممارسات الانتقامية التي يمكن أن يتعرض إليها منتسبوه من قبل هذا الطرف أو ذاك.
المستقلون يتجهون في جزء كبير منهم نحو التحالف مع الإطار التنسيقي في ظل استشعارهم بأن الأخير يقف على أرضية صلبة على خلاف التيار الصدري
وشهد مجلس النواب العراقي مؤخرا ضجة واسعة، على خلفية قرار رئيسه محمد الحلبوسي حرمان أحد النواب المستقلين عن دائرة السماوة من المشاركة في اللجان النيابية وحضور الجلسات، في موقف بدا عقابيا بحقه بسبب قربه من الإطار التنسيقي.
وقد أثارت الخطوة غير المسبوقة بحق النائب باسم خشان ردود فعل واسعة، لاسيما من الكتل المستقلة، التي اعتبرت أن ما حصل يشكل تجاوزا خطيرا، ويؤسس لسياسة قائمة على إقصاء كل نفس معارض لتمشي الحلبوسي وحلفه “إنقاذ وطن” الذي يقوده التيار الصدري.
ووصف المحلل السياسي العراقي قاسم الغراوي قرار رئيس مجلس النواب بـ"البلطجي"، وقال الغراوي في تصريحات صحافية الأسبوع الجاري إن "الحلبوسي قد يدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية لأسرع تصويت، والذي لم يتعد الثانية لمنع النائب باسم خشان من المشاركة في اللجان النيابية، حيث لم يمنح الأعضاء وقتا كافيا لرفع أيديهم للتصويت، وهو من أنهى بمطرقته عملية التصويت والموافقة".
وأضاف "لم نر مهزلة كهذه لسببين، الأولى أن باسم خشان نائب ممثل عن الشعب ومن حقه أن ينتقد ويتحدث ويعبّر عن تطلعات الشعب، ولا يمكن اتخاذ إجراء بحقه وحرمانه من المداخلة والترشح إلى اللجان النيابية وفرض الاعتذار عليه”، مبينا أنه "لا يوجد قانون أو دستور مرتبط بعمل النواب يخص الاعتذار".
واعتبر "أن رئيس البرلمان لا يمكنه أن يقرر أو يلزم الجميع بالموافقة دون موافقتهم ومصادرة أصواتهم دون أن يصوتوا، لينهي التصويت بالمطرقة"، موضحا أن "المطرقة كان من المفترض أن تكون حاسمة من أجل الشعب وليس العكس".
وشدد على أن "ما حصل تحت قبة مجلس النواب العراقي بتجريد النائب باسم خشان من ممارسة دوره النيابي المقرر وفق الدستور، ليس خرقا للدستور وقانون مجلس النواب ونظامه الداخلي فحسب، بل يمثّل أيضا قمة الغطرسة لرئيس المجلس في تعامله اللا قانوني مع أعضاء مجلس النواب".
وأعلن النائب خشان في وقت سابق عن لجوئه إلى المحكمة الاتحادية، أعلى هيئة قضائية في العراق، للنظر في قرار رئيس مجلس النواب.