المستشار الألماني يتطلع في جولته الخليجية إلى تصحيح المسار مع السعودية

تكتسي الجولة الخليجية التي يعتزم المستشار الألماني أولاف شولتس القيام بها أهمية استثنائية بالنسبة إلى برلين التي تواجه ظرفا عصيبا بسبب تفاعلات الأزمة الأوكرانية وتداعياتها الخطيرة على الوضع الداخلي للبلاد.
الرياض - تشكل المملكة العربية السعودية المحطة الأولى في الجولة الخليجية التي يعتزم المستشار الألماني أولاف شولتس القيام بها السبت، والتي سيلتقي خلالها بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعدد من أعضاء الحكومة السعودية.
وتراهن ألمانيا على هذه الجولة لانطلاقة جديدة في العلاقات مع دول الخليج العربي، ولاسيما مع السعودية التي شهدت العلاقة معها نوعا من الفتور خلال السنوات الماضية بسبب التباينات حول عدد من الملفات، ومن بينها الملف اليمني.
وأوضح المتحدث باسم المستشار الألماني هشتيفن هيبشترايت خلال مؤتمر صحافي روتيني أن المستشار الذي سيقوم بجولته برفقة وفد من كبار ممثلي عدد من القطاعات الاقتصادية، سيزور على التوالي السعودية السبت ثم الإمارات العربية المتحدة وقطر الأحد، قبل أن يعود مساء إلى برلين.
وهذه الزيارة الأولى لشولتس إلى المنطقة، منذ توليه منصب المستشارية في ديسمبر 2021، خلفا للمستشارة أنجيلا ميركل، وكان من المفترض أن تُجرى هذه الجولة قبل ذلك، لكن انشغال برلين بتفاعلات الأزمة الأوكرانية حال دون ذلك.
وقال مصدر دبلوماسي في السفارة الألمانية بالرياض إن شولتس يعلق أهمية كبيرة على نتائج محادثاته المرتقبة مع ولي العهد السعودي.
المستشار الألماني أولاف شولتس يعلق أهمية كبيرة على محادثاته المرتقبة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان
وأوضح المصدر أن المحادثات بين الجانبين “ستركز على أهمية تصحيح مسار العلاقات بين البلدين التي اعتراها بعض الفتور نتيجة اختلاف مواقف البلدين تجاه عدد من القضايا ومن بينها الحرب في اليمن وحقوق الإنسان”.
وأضاف أن “أزمة الطاقة وانعكاسات الحرب الروسية – الأوكرانية والوضع في اليمن والملف النووي الإيراني وأجندة أعمال قمة مجموعة العشرين” المنتظر عقدها خلال نوفمبر المقبل في جزيرة بالي الإندونيسية “سوف تتصدر جدول مناقشات الوفدين”.
وقال المصدر “إن تعزيز العلاقات في مجال الاستثمارات المشتركة وفق رؤية 2030 السعودية، وخاصة في قطاعات الصناعة والخدمات اللوجستية والرعاية الصحية وعلوم الحياة والطاقة المتجددة والتعاون العسكري بما في ذلك بحث احتياجات الرياض من الأسلحة، سيحتل حيزا مهما خلال المناقشات الثنائية”.
وكان المستشار شولتس بحث في السابع عشر من شهر أغسطس الماضي، في اتصال هاتفي، القضايا الثنائية والإقليمية مع الأمير محمد بن سلمان، حسب ما أعلنه المتحدث باسم الحكومة الألمانية الذي لم يقدم آنذاك المزيد من التفاصيل عن فحوى ذلك اللقاء.
وسبق أن أوفدت المستشارية الألمانية وزراء إلى المنطقة، إثر نشوب الصراع الروسي – الأوكراني، على غرار وزير الاقتصاد روبيرت هابيك الذي زار قطر والإمارات في مارس الماضي لبحث مسألة إمدادات الطاقة، لكن تلك الزيارات لم تشمل السعودية، وهو ما ربطه مراقبون آنذاك بالفتور السائد في العلاقات الثنائية.
وشهدت العلاقة بين ألمانيا والسعودية تجاذبات خلال السنوات الماضية على خلفية قرار برلين في الثامن عشر من نوفمبر 2018 إيقاف صادراتها من الأسلحة إلى الرياض بسبب الصراع الدائر في اليمن. وجددت حكومة شولتس في وقت سابق قرار الحظر، في موقف أثار انتقادات المملكة.
ألمانيا تراهن على هذه الجولة لانطلاقة جديدة في العلاقات مع دول الخليج العربي، ولاسيما مع السعودية التي شهدت العلاقة معها نوعا من الفتور خلال السنوات الماضية
واعتبر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في تصريحات أدلى بها في فبراير الماضي أن حظر ألمانيا تصدير أسلحة إلى بلاده يرسل إشارة خاطئة للغاية.
وقال الوزير السعودي حينها إن بلاده بحاجة إلى أسلحة للدفاع عن نفسها “على سبيل المثال ضد هجمات المتمردين الحوثيين من اليمن المجاور، علينا واجب حماية بلادنا”. وعبّر الأمير فيصل بن فرحان عن عدم تفهمه لحجة الحكومة الألمانية، قائلا “لا نحتاج إلى أسلحة لنكون عدوانيين، بل لنتمكن من حماية أنفسنا”.
وأضاف أن بلاده تعاونت لمدة طويلة بشكل جيد مع ألمانيا في مسائل التسليح، مشيرا إلى أن الشركات الألمانية في هذا المجال تتمتع بـ”مكانة ممتازة”. وقال “من جانبنا نود أن تكون لدينا هذه الشراكة مع ألمانيا”، موضحا في الوقت نفسه أنه يمكن أيضا شراء الأسلحة التي تحتاجها السعودية من مكان آخر.
ويعتقد مراقبون أن مسألة تصدير الأسلحة الألمانية ستكون من ضمن الملفات التي سيجري التطرق إليها، مشيرين إلى أن برلين مضطرة إلى إعادة النظر في سياساتها الخارجية لاسيما العلاقات مع الدول الخليجية، في ظل حاجتها إلى دعم هذه الدول الغنية بالنفط والغاز لمواجهة تداعيات أزمة الطاقة التي تشهدها ومن المرجح أن تحتد خلال الأشهر المقبلة.
وتبنت ألمانيا في السنوات الماضية مواقف لا تخدم علاقتها بالخليجيين ولاسيما السعودية، ومنها انتقاد التدخل السعودي في اليمن وتجاهل توجيه أي انتقادات للحوثيين الموالين لإيران، فضلا عن إثارتها قضايا حقوق الإنسان.
وبعد نشوب الصراع الروسي – الأوكراني الذي ألقى بظلاله القاتمة على ألمانيا بات العديد من السياسيين، ومن بينهم منضوون ضمن الائتلاف الحكومي، يطالبون صراحة بضرورة مراجعة المواقف من المملكة.
وأقرت العضوة في البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر المشارك في الحكومة هانا نيومان بأن “ألمانيا وأوروبا صمتتا لفترة طويلة عن إدانة اعتداءات الحوثيين على السعودية”. وقالت نيومان مؤخرا “علينا أن نقبل بعض الاتهامات الموجهة إلينا من الدول الخليجية، فنحن لم نفهم التهديد الإيراني في المنطقة”.
أزمة الطاقة وانعكاسات الحرب الروسية – الأوكرانية والوضع في اليمن والملف النووي الإيراني ستتصدر جدول المحادثات
من جهته اعتبر المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات الفيدرالية أوغست هانينغ أنه “يجب دعم الحكومة في اليمن لأننا نرى تدخل إيران هناك ونعرف أنه من دون هذا التدخل لما كنّا نشهد الصراع الذي نشهده هناك”، وشدد على ضرورة عدم الاقتصار على دعم الحكومة اليمنية، بل يتوجب دعم السعودية أيضا.
ولا يستبعد المراقبون أن يسجل تغير في مقاربة برلين للعلاقة مع الرياض، وقد بدأت تبرز في هذا السياق بعض المؤشرات أبرزها استقبال المستشار الألماني مؤخرا لرئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي، ويعد هذا بمثابة رسالة دعم من برلين لهذا المجلس الذي تشكل برعاية سعودية في أبريل الماضي.
ويقول المراقبون إن ألمانيا تجد نفسها مضطرة إلى التخلي عن أفكارها “الطوباوية” في التعاطي مع بعض الملفات، وتبني سياسة واقعية، خصوصا وأنها لا تملك في ظل الوضع الدولي الراهن ترف الخيارات، حيث أنها على أعتاب شتاء قاس، في حال فشلت في إيجاد بدائل عن واردات الطاقة الروسية.
وقالت الحكومة الألمانية إنه من المتوقع أن يوقع شولتس خلال جولته الخليجية عقودا مع الإمارات بشأن الغاز الطبيعي المسال.
ولفت وزير الاقتصاد روبرت هابيك إلى أن “معروض الغاز ينمو ببطء.. والحكومة تجري محادثات دائما مع العديد من الدول”، مشيرا إلى رحلته نحو قطر والإمارات في مارس.
وسيطرت الخلافات على المحادثات بشأن الغاز الطبيعي المسال بين ألمانيا وقطر بسبب شروط أساسية من بينها مدة أي تعاقد.
ولا تملك برلين ترف الخيار سوى السعي للتوصل إلى اتفاقيات مع قطر والإمارات، لاسيما بعد أن أثبتت المحادثات مع موردي الغاز في أوروبا وأميركا الشمالية أنها معقدة أيضا.