المستثمرون في مأزق انتعاش الدولار الأميركي

يتابع المستثمرون بقلق سلسلة الهزات التي يحدثها تأثير ارتفاع قيمة الدولار الأميركي على أعمالهم باعتباره العملة المهيمنة على الأسواق، حيث يعتقد المحللون أن هذا الوضع يزيد من الأخطار على الأصول خاصة بعدما تسبب في تقهقر الإيرادات والأرباح للشركات خلال الفترة الماضية.
نيويورك - يترقب المستثمرون الذين أنهكتهم تقلبات الأسواق المالية العالمية خلال الآونة الأخيرة مصدرا محتملا آخر للقلق، ألا وهو انتعاش قيمة العملة الأميركية بشكل قد يؤثر على رؤوس أموالهم في المشاريع ذات الأخطار العالية.
وارتفع الدولار أربعة في المئة من المستويات المنخفضة التي سجلها في الآونة الأخيرة ليقترب من أعلى مستوى في سبعة أسابيع مقابل سلة من العملات الرئيسية الأخرى.
وجاء ذلك مدفوعا بالرهانات على أن يحتاج مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي (البنك المركزي) إلى رفع أسعار الفائدة بأكثر مما توقعه الكثير من المستثمرين سابقا لكبح جماح التضخم.
ولا تزال العملة الأميركية أقل بنحو ثمانية في المئة من أعلى مستوى في عشرين عاما الذي سجلته العام الماضي.
إلا أن انتعاشها، إلى جانب قفزة في عوائد سندات الخزانة، أضفى تعقيدات بالفعل على النظرة المستقبلية لمجموعة من القطاعات التي ازدهرت مع تراجع الدولار في النصف الثاني من 2022.
ومنذ سبعينات القرن الماضي، احتل الدولار مكانة مسيطرة على صعيد الاقتصاد العالمي، وبات عملة الاحتياط النقدي لأغلب الدول، حتى تلك التي لا ترتبط بعلاقات ودية مع الولايات المتحدة باعتباره عملة التجارة الدولية الأولى.
وهبط مؤشر شركة أم.أس.سي.آي لأسهم الأسواق الناشئة ثمانية في المئة من المستويات المرتفعة التي سجلها في يناير الماضي، في حين تراجع مؤشر الشركة لعملات الأسواق الناشئة ثلاثة في المئة عن المستوى المرتفع الذي سجله في أوائل فبراير.
وتوقفت أيضا موجة صعود للأسهم الأوروبية، إذ استقر المؤشر ستوكس 600 الأوروبي تقريبا دون تغير يذكر خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بعد أن ارتفع نحو عشرين في المئة منذ أواخر سبتمبر الماضي.
وفي الوقت نفسه استقرت أسعار الذهب خلال هذا العام بعد تخلي المعدن الأصفر عن مكاسب قدرها سبعة في المئة، وجعله أقل إقبالا كملاذ آمن للمستثمرين.
وقالت لورين غودوين الخبيرة الاقتصادية ومحللة إستراتيجيات المحافظ في شركة نيويورك لايف إنفستمنتس لوكالة رويترز إن “قوة الدولار تمثل مشكلة للأصول المنطوية على مخاطر”.
ونظرا للدور المحوري الذي تلعبه العملة الأميركية في النظام المالي العالمي، فإن تقلباته تكون لها تداعيات واسعة النطاق.
وأشار بنك التسويات الدولية في تقرير في نوفمبر الماضي إلى أن قوة الدولار عادة ما تخلق أجواء من التشديد في الأسواق المالية العالمية مع تقليل الشهية للمخاطرة وإضعاف التجارة العالمية.
كما أنها تزيد صعوبة خدمة الدين على البلدان التي اقترضت بالعملة الأميركية، وهي مشكلة كثيرا ما تعاني منها اقتصادات الأسواق الناشئة بشدة.
وقال إريك ليف كبير مسؤولي الاستثمار في شركة بيلارد لإدارة الثروات والاستثمار إن “الرياح الدافعة التي تحصل عليها العملات الأجنبية من خلال سياسة أكثر تيسيرا للمجلس الاحتياطي الاتحادي غير واردة عموما”.
والأمر لا يقف عند هذا الحد، إذ أن ارتفاع الدولار يرفع كلفة النفط الخام والذهب والسلع الأخرى المقومة بالدولار بالنسبة إلى المشترين الأجانب.
وكتب محللون في يو.بي.أس غلوبال لإدارة الثروات في أواخر الشهر الماضي أن تراجع خام برنت اثنين في المئة حتى الآن هذا العام يرجع جزئيا إلى انتعاش الدولار.
ويتوقعون أن يطغى تأثير إعادة الفتح في الصين وتعطل الإمدادات الروسية على تأثير ارتفاع الدولار وأن يدعم ذلك النفط في وقت لاحق هذا العام.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن قوة الدولار تجعل الصادرات أقل قدرة على المنافسة بينما تؤثر على أرباح الشركات متعددة الجنسيات إذ ترفع كلفة تحويل أرباحها بالعملات الأجنبية إلى الدولار.
وكتب محللون في مورغان ستانلي بقيادة كبير محللي إستراتيجيات الأسهم الأميركية مايكل ويلسون الاثنين الماضي أن اتجاهات الدولار يمكن أن تكون عاملا رئيسيا في مسار الأسهم على المدى القريب، وعزوا ذلك إلى علاقة العملة بأوضاع السيولة العالمية.
وهبط المؤشر ستاندرد آند بورز 500 حوالي خمسة في المئة عن المستويات المرتفعة التي سجلها في الآونة الأخيرة، لكنه لا يزال مرتفعا 3.6 في المئة منذ بداية العام.
وسيعتمد جزئيا ما إذا كان الدولار سيواصل انتعاشه على تصورات المستثمرين لمدى ارتفاع الاحتياطي الفيدرالي الذي سيحتاجه لرفع أسعار الفائدة.
وقد تأتي بعض الأفكار حول تفكير صانعي السياسة وقوة الاقتصاد الأسبوع المقبل عندما يقدم رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول شهادته نصف السنوية عن السياسة النقدية أمام اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ، وكذلك بيانات التوظيف لشهر فبراير.
ويعتقد كولين غراهام رئيس الحلول متعددة الأصول في شركة إدارة الأصول ريبوكو، أنه من غير المرجح أن يرتد الدولار أكثر من ذلك بكثير.
وقال إنه “من المحتمل أن يبدأ المراهنات ضد العملة الأميركية إذا ارتفع مؤشر الدولار إلى 106 نقاط من مستواه الحالي البالغ 104 نقاط”.
وأوضح أن الانتقال إلى المستوى 114 نقطة، وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر الماضي، سيحثه على التخلي عن وجهة نظره المتفائلة بشأن الأسواق الناشئة.
وتشكك إميلي ليفيل مديرة المحفظة في ترونبورغ أنفيستمنت مانجمنت، في استمرار ارتداد الدولار وتنظر إلى أي ضعف في الأسواق الناشئة على أنه فرصة للشراء.
ومن ناحية أخرى يعتقد المحللون في كابيتال إيكونوميكس أن يدفع التباطؤ المتوقع في النمو العالمي وتراجع الرغبة في المخاطرة المستثمرين إلى التهافت على الدولار، وهو ملاذ يحظى بشعبية في أوقات عدم التيقن، ويدفع العملة إلى أعلى مستوياتها في وقت لاحق من هذا العام.
وكتبوا في تقرير “نتوقع أن تتدهور الرغبة في المخاطرة على خلفية الضعف العالمي المتزايد وأن يدفع الطلب على ملاذ آمن الدولار إلى مستويات أعلى خلال الربعين المقبلين”.