المساعدات المالية الأميركية للأردن لا تحل مشاكله

يواجه الأردن تحديات اقتصادية هائلة تنذر بتفجر موجة جديدة من الاحتجاجات. ورغم حزمة المساعدات المالية الأميركية المرتقبة لا تزال المملكة في حاجة إلى المزيد لتجاوز التحديات الاجتماعية التي تواجهها.
جدّة (المملكة العربية السعودية) - وصف محللون أردنيون عزم الولايات المتحدة توقيع مذكرة تفاهم جديدة مع المملكة توفر عبرها مساعدات سنوية للأردن لا تقل عن 1.45 مليار دولار خلال الفترة الممتدة بين الأعوام 2023 و2029 بغير الكافية لمساعدة الأردن على مجابهة التحديات الاقتصادية التي تعترضه، خاصة مع انحسار الدعم المالي الأوروبي والخليجي.
وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن خلال لقائه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني السبت في مدينة جدة السعودية عزم الولايات المتحدة توقيع مذكرة تفاهم جديدة، ما يستهدف تلبية احتياجات الأردن ودعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أعلنه العاهل الأردني مؤخرا.
وأكد بيان مشترك للجانبين أهمية التكامل والتعاون الإقليمي السياسي والاقتصادي في المنطقة، والدور الذي يمكن أن يقوم به الأردن كمركز إقليمي مهم للتعاون في مجالات الاستثمار في البنية التحتية والطاقة والمياه والأمن الغذائي والمناخ.
وتقدم الولايات المتحدة للأردن دعما ومساعدات باعتباره حليفا في منطقة يصعب إرساء استقرار دائم فيها خاصة في ظل الحرب في سوريا وانتشار الميليشيات الموالية لإيران وأيضا النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.
رغم الدعم القوي نسبيا الذي تتلقاه عمّان من قبل واشنطن، إلا أن الأردن لا تزال أمامه تحديات اقتصادية هائلة
وعلى مدار السنوات الماضية قدمت الولايات المتحدة مساعدات مرتفعة للأردن حيث يعتبر من مصلحة واشنطن تعزيز الاستقرار في المملكة الهاشمية التي تستضيف أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري يمثلون حوالي 15 في المئة من سكان الأردن.
وتعهدت “مذكرة التفاهم” السابقة التي جرى توقيعها في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بتخصيص 6.375 مليار دولار على مدى خمس سنوات، أو 1.275 مليار دولار سنويا، في إشارة ملحوظة إلى دعم الإدارة الأميركية للأردن وسط تخفيضها للمساعدات الأجنبية التي تقدمها إلى دول أخرى حول العالم.
وكانت اتفاقية السنوات المالية 2018 - 2022 ثالث مذكرة تفاهم بين الولايات المتحدة والأردن، علما أن المذكرتين السابقتين غطّتا السنوات المالية 2009 - 2014 و2015 - 2017.
ويعتبر الأردن ثاني أكبر متلقّ للمساعدات الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط بعد إسرائيل، بعد أن تخطى مصر في السنة المالية 2018 والعراق في السنة المالية 2013.
ورغم الدعم القوي نسبيا الذي تلقّاه من قبل الولايات المتحدة إلا أن الأردن لا تزال أمامه تحديات اقتصادية هائلة، بعد أن خصص مبالغ أكبر للنفقات الاجتماعية تفاديا للاحتجاجات الشعبية، ما فاقم الضغوط على الموازنة العامة.
وإضافة إلى ذلك يستضيف الأردن أكثر من مليون لاجئ سوري خارج المخيمات الخاضعة لإشراف الأمم المتحدة، وسبّب ذلك صعوبات في تمويل قطاع الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية. وتنافس اللاجئون مع الأردنيين على الوظائف أيضا.
وتسببت كل هذه العوامل في ضغوط إضافية على موازنة الأردن الذي لجأ إلى صندوق النقد الدولي للحصول على المساعدة وتلقّى ثلاثة قروض بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 4 مليارات دولار بموجب ثلاث اتفاقيات على مدى العقد الماضي، بالإضافة إلى 400 مليون دولار أخرى كإغاثة في حالة الطوارئ خلال تفشي وباء كورونا في عام 2020.
وفي مواجهة الوضع الاقتصادي الصعب وجه صندوق النقد الدولي الأردن للقيام بمجموعة من الإصلاحات بينها خفض ديون شركة الكهرباء الوطنية من خلال تقليص الدعم الحكومي المكلف للوقود وزيادة تحصيل الضرائب وخفض الرواتب وغيرها.
ويقول بين فيشمان من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن “الأردن رغم الدعم الأميركي والقروض التي تحصل عليها لا يزال في وضع اقتصادي مليء بالتحديات”.
وبالفعل بلغت نسبة البطالة في البلاد 23.2 في المئة، فيما سجلت نسبة نمو سلبية في 2021 بسبب تداعيات جائحة كوفيد - 19.
وأكد فيشمان أن “التساؤلات المحيطة بمذكرة التفاهم الرابعة المرتقبة لا تتعلق بحجم المساعدة وأمدها فحسب، ولكن أيضا بما إذا كان ينبغي أن تكون المساعدة مشروطة بإصلاحات اقتصادية أو سياسية بالنظر إلى حجم المساعدة الأميركية”.
وأوضح أنه “على المسؤولين الأميركيين تشجيع الأردن بشكل كبير على تنفيذ ‘برنامج الأولويات الاقتصادية’، والذي يُلزم المملكة بتحسين بيئة أعمالها وتعزيز برامج وعمليات تمويل ضرورية لاستحداث فرص العمل. ويُعتبر تطبيق الإصلاحات الضرورية في قطاعي الكهرباء والمياه اللذين تديرهما الدولة أيضا أساسيا”.
ويتخوف مراقبون من تداعيات الأوضاع الاقتصادية التي قد تؤجج التوتر الاجتماعي جراء حالة التدهور الحاصلة والتي لا أفق قريب لتجاوزها وسط حالة من اليأس والإحباط من إمكانية الخروج من هذا الوضع قريبا.
ويعاني البلد، وهو أحد أبرز بلدان الشرق الأوسط التي تعتمد على المساعدات من صعوبات اقتصادية متنوعة منذ سنوات أثرت على نسب النمو وانعكست على معدلات البطالة، مما يتطلب وصفة تضمن الإبقاء على استمرارية الوظائف واستدامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة بوصفها العمود الرئيسي لخيمة الاقتصاد.
وكشف الأردن مؤخرا عن ملامح رؤيته المستقبلية الطموحة للنهوض بالتنمية في أعقاب سلسلة نقاشات طويلة شملت كافة القطاعات أملا في طي صفحة الماضي في إدارة الاقتصاد بوضع أهداف استراتيجية سيتم تحقيقها بحلول 2032.
ويسعى المسؤولون الأردنيون لترجمة الأفكار التي تضمنتها الورشة الاقتصادية والتي استمرت أشهرا، وتحويل التحديات إلى فرص لتسريع وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي وزيادة التنافسية وتنشيط الاستثمار وتحفيز سوق العمل بشكل أكبر.
وتشكل الرؤية التي جاءت بعنوان “إطلاق الإمكانات لبناء المستقبل” والتي تم إطلاقها من البحر الميت أساسا لحزمة واسعة من المحركات التي ستسهم في بناء الاقتصاد على أسس مستدامة.