المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا لا تصل إلى وجهتها النهائية

واشنطن – لا يزال الغموض يكتنف مصير المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا وسط مخاوف من أن ينتهي بها الأمر بأيدي الجماعات شبه العسكرية، سواء في أوكرانيا أو في الخارج، التي لا يرغب الغرب في تسليحها.
وقالت قناة “CBS” الأميركية إن معظم المساعدات العسكرية التي تقدمها الدول الغربية لأوكرانيا “لا تصل إلى وجهتها النهائية”، في ظل دعوات لتزويد كييف بالمزيد من الأسلحة المتطورة.
وأشارت القناة في فيلم وثائقي جديد نشرت مقتطفات منه على موقعها الإلكتروني، إلى أنها توصلت إلى استنتاجات مفادها أن “معظم الأسلحة والإمدادات العسكرية تصل إلى الحدود البولندية – الأوكرانية، حيث تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو بنقلها إلى هناك”.
وأوضحت أن “إشراف الولايات المتحدة على الأسلحة ينتهي عند وصولها إلى الحدود”.
ونقلت القناة في الفيلم الذي بث الأحد تصريحات أدلى بها يوناس أوهمان رئيس منظمة “بلو يلو” غير الحكومية ومقرها ليتوانيا، قال فيها إن الأسلحة “تعبر الحدود، ثم يحدث شيء ما؟”. وأضاف أوهمان “يصل نحو 30 في المئة فقط من هذه المساعدات إلى الوجهة النهائية”.
وذكرت القناة أن المنظمة تعتمد إلى حد كبير على قنوات غير رسمية لتوصيل الإمدادات التي تشمل معدات للرؤية الليلية وأجهزة الاتصالات وسترات “كيفلر” وطائرات مسيرة حديثة، مشيرة إلى أن المنظمة “لا يسمح لها بتسليم أسلحة فتاكة”.
وتعمل المنظمة على نقل المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا منذ بداية صراع كييف مع الانفصاليين في 2014.
وقال أوهان إن هناك “أشخاصا ذوي نفوذ ولاعبين سياسيين” يديرون العملية، حيث تعتبر منظمته وكأنها تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية. وأضاف “إذا طلبت قوات الأمن أسلحة، فإن الأميركيين يعطونها لنا”.
والتزمت الولايات المتحدة بأكثر من 23 مليار دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا منذ بداية الحرب في نهاية فبراير الماضي، وفق معهد “كيل” للاقتصاد العالمي، الذي يتتبع الالتزامات العالمية بتقديم المساعدات لأوكرانيا، بينما التزمت المملكة المتحدة بتقديم 3.7 مليار دولار، وألمانيا 1.4 مليار دولار، وبولندا 1.8 مليار دولار، بالإضافة إلى مساعدات عسكرية أخرى.
ويُظهر الفيلم مقابلة مع الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية الأميركية آندي ميلبورن، والذي خدم في العراق والصومال، وهو يقول إن “توفير الإمدادات أو خط لوجستي يحتاج بالتأكيد إلى بعض التنظيم”.
وسافر ميلبورن إلى أوكرانيا بعد التدخل الروسي، حيث أسس شركة “مجموعة موزارت” المتخصصة في تدريب الجنود الأوكرانيين في الخطوط الأمامية.
وقال ميلبورن إن “كل هذه الأشياء (المعدات) لا تصل إلى حيث يجب أن تذهب”.
وأوضح أنه إذا كانت سياسة الولايات المتحدة هي دعم الأوكرانيين في الدفاع عن بلادهم ضد الاتحاد الروسي “فلا يمكنك الذهاب إلى منتصف الطريق، ولا يمكنك إنشاء خطوط مصطنعة”.
وأضاف ميلبورن “أتفهم أن هذا يعني أن القوات الأميركية لا تقاتل الروس، وأنها لا تعبر الحدود. لكن لماذا لا نضع الناس على الأقل في أماكنهم للإشراف على البلاد؟ يمكن أن يكونوا مدنيين لضمان حدوث الأشياء الصحيحة”.
جون كيربي: إمدادات الأسلحة يستقبلها عسكريون أوكرانيون خارج الحدود
ويعرض الفيلم تصريحات دوناتيلا روفيرا كبيرة مستشاري الأزمات في منظمة العفو الدولية، والتي تقول إن عددا كبيرا من الأسلحة التي منحت لقوات الأمن المحلية أثناء الغزو الأميركي للعراق عام 2003 “استولى عليها تنظيم داعش عام 2014”.
وأشارت إلى أن “نفس الوضع رأيناه في أفغانستان” بعد انسحاب الولايات المتحدة وسيطرة طالبان على البلاد، مؤكدة ضرورة “وضع آليات للرقابة لتجنب ذلك”.
وذكر الباحث الأميركي مارك إبيسكوبوس أن المسؤولين الأميركيين يقولون إن واشنطن ليست لديها وسيلة لتتبع شحنات الأسلحة التي تقدمها لأوكرانيا.
وقال مصدر على علم بتقارير المخابرات الأميركية لشبكة “سي.إن.إن” إنه “عندما تدخل الأسلحة ضباب الحرب لا يمكننا تقريبا معرفة أي شيء عنها. فهي تسقط في فجوة سوداء كبيرة، يتم فقدان الشعور بمصيرها بعد فترة قصيرة”.
ويقول إبيسكوبوس إن “غالبية الأسلحة الأميركية التي يتم تزويد أوكرانيا بها، ومن بينها صواريخ جافلين المضادة للدبابات وصواريخ ستينغر المضادة للطائرات، عبارة عن أنظمة يمكن لأشخاص حملها ويعتبر تتبعها أكثر صعوبة من تتبع معدات أكبر حجما مثل أنظمة صواريخ أس 300 أرض – جو”.
كما أن المسيرات سويتش بليد التي يتم تزويد أوكرانيا بها هي “مسيرات انتحارية” تستخدم مرة واحدة، مما يحد أيضا من قدرة الولايات المتحدة على تتبعها.
وقال مسؤول عسكري كبير للصحافيين “لا أستطيع أن أقول لكم أين توجد في أوكرانيا وما إذا كان الأوكرانيون يستخدمونها في هذا الوقت”، وأضاف “إنهم لا يبلغوننا عن كل ذخيرة يطلقونها ومتى ومن أطلقها. وربما لا نعرف بالضبط إلى أي درجة يستخدمون هذه المسيرات”.
ويضيف إبيسكوبوس أنه نظرا إلى عدم وجود جنود أميركيين على الأرض يعتمد المسؤولون الأميركيون تماما على المعلومات التي تقدمها لهم الحكومة الأوكرانية.
الولايات المتحدة التزمت بأكثر من 23 مليار دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا منذ بداية الحرب في نهاية فبراير الماضي
وقال مصدر على علاقة وثيقة بالمخابرات الغربية لشبكة “سي.إن.إن” إنها “حرب، وكل شيء يفعلونه أو يقولونه على مسمع من الملأ يهدف إلى مساعدتهم على كسب الحرب. إن كل تصريح علني يعتبر عملية معلومات، وكل مقابلة، وكل ظهور إعلامي لزيلينسكي عملية معلومات. وهذا لا يعني أنهم على خطأ للقيام بذلك بأي طريقة”.
وقال جون كيربي المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن “الشاحنات التي تحمل إمدادات الأسلحة الأميركية يستقبلها عسكريون أوكرانيون خارج حدود بلادهم، وعادة في بولندا، ثم يرجع الأمر إلى الأوكرانيين ليقرروا وجهتها وكيفية تخصيصها داخل بلادهم”.
وبذلك يشير كيربي إلى أن واشنطن فعليا ليست لديها وسيلة لتتبع هذه الشحنات بشكل موثوق بمجرد تسليمها قرب الحدود الأوكرانية.
ويرى إبيسكوبوس أن أحد المخاطر الرئيسية لعمليات نقل الأسلحة إلى كييف حيث لا يمكن تتبعها هو خطر وصول الأسلحة الأميركية في نهاية الأمر إلى أيدي الجماعات شبه العسكرية، سواء في أوكرانيا أو في الخارج، التي لا ترغب واشنطن في تسليحها.
ومع ذلك، وفقا لمسؤولين في الإدارة الأميركية، يرى البيت الأبيض أن عدم تسليح أوكرانيا بسرعة وبصورة ملائمة يمثل خطرا كبيرا.