المسار الاقتصادي وسيلة واشنطن للوصول إلى صفقة القرن

اعتبرت الجولة التي قام بها المستشار في البيت الأبيض جاريد كوشنر، الأسبوع الماضي، والتي شملت السعودية والإمارات وسلطنة عمان وتركيا تدشينا لصفقة القرن التي ترعاها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ولتنفيذ رؤية واشنطن بخصوص ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يحاول كوشنر التقدم في خطته من خلال تغليب المسار الاقتصادي وإعطائه الأولوية في مسعى ليكون تمهيدا للمسار السياسي.
لندن - تلخص رؤية المستشار في البيت الأبيض جاريد كوشنر المكلف من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمبادرة السلام في الشرق الأوسط المعروفة باسم “صفقة القرن”، بأنها “مبنية على تنازلات مناسبة للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لفتح صفحة جديدة تنعم فيها المنطقة بالفرص الهائلة”، من خلال مسار اقتصادي يكون في ما بعد مدخلا لبدء المسار السياسي.
ولم يعلن كوشنر خطته للسلام في المنطقة خلال جولته الأخيرة بها على أمل الإعلان عنها رسميا بعد الانتخابات الإسرائيلية في 9 أبريل القادم. ويعتقد كوشنر أن مبادرة السلام العربية التي أقرها القادة العرب في قمة بيروت عام 2002 لم تنجح في إحلال السلام، بينما لا يزال العرب يتمسكون بها كأساس لأي تسوية سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مرتكزات حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وحق اللاجئين بالعودة وإزالة المستوطنات الإسرائيلية خارج حدود الرابع من يونيو 1967.
وبحسب وسائل إعلام أميركية، فإن مبادرة السلام قد تشمل في جانبها الاقتصادي استثمارات بعشرات المليارات من الدولارات للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومصر والأردن وربما تشمل لبنان أيضا.
ويحاول كوشنر البناء على فرضية الفصل بين المسارين الاقتصادي والسياسي الذي يعتمد مبدأ الأرض مقابل السلام وتغليب المسار الاقتصادي وإعطائه الأولوية كمدخل للمسار الثاني، وهو ما يرفضه القادة العرب حتى الآن.
تفترض مبادرة السلام، وفق المصدر الإعلامية الأميركية، إنفاق ما لا يقل عن 65 مليار دولار على الشق الاقتصادي منها، بواقع 25 مليار دولار على الضفة والقطاع و40 مليار دولار لدول الجوار المعنية بالمبادرة (مصر والأردن ولبنان).
ووفقا لبيانات البيت الأبيض، فإن كوشنر أجرى في الرياض محادثات مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان لحشد التأييد لخطة الولايات المتحدة لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
وتؤكد السعودية على موقفها المتمسك باستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي أنقرة، بحث كوشنر مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جهود الولايات المتحدة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبحث “سبل تحسين أوضاع المنطقة بأسرها من خلال الاستثمار الاقتصادي”.
والتقى الوفد الأميركي الاثنين بالسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان في العاصمة مسقط لبحث جهود السلام في المنطقة.
وفي الإمارات العربية المتحدة، التقى كوشنر بولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد الثلاثاء لبحث “زيادة التعاون بين الولايات المتحدة والإمارات، وجهود إدارة ترامب لتسهيل السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وطرق تحسين المنطقة بأكملها عبر الاستثمار الاقتصادي”.
كوشنر يعتقد أن مبادرة السلام التي أقرت في قمة بيروت 2002 لم تنجح في إحلال السلام، بينما لا يزال العرب يتمسكون بها كأساس لأي تسوية سياسية
وكشف كوشنر في لقاء مع وسائل إعلام عربية عن أبرز مبادئ مبادرة السلام الخاصة بالشرق الأوسط مع تشديده على أهمية الحفاظ على سرية الكثير من التفاصيل التي أثبتت جولات المفاوضات السابقة أن خروجها، أي التفاصيل، قبل نضوجها كانت تدفع السياسيين إلى الهروب من الخطة.
وأعرب كوشنر عن رغبته في رؤية الفلسطينيين دون فصل جغرافي بينهما تحت قيادة واحدة تسمح للشعب الفلسطيني في أن يعيش الحياة التي يصبو إليها.
وسبق للرئيس الأميركي أن امتدح جدار الفصل العنصري الذي شيّدته إسرائيل، إلا أن كوشنر يرى أن مبادرة السلام ستزيل في نهاية المطاف خطوط الفصل في منطقة الشرق الأوسط بأكمله عبر إدماج إسرائيل في المنطقة، أي التطبيع العربي الإسرائيلي.
ويضع راسمو مبادرة السلام نصب أعينهم بناء منطقة خالية من الإجراءات الحدودية المعرقلة للتدفق الحر للبضائع لخلق المزيد من الفرص الاقتصادية بما يخلق تأثيرا في جميع دول المنطقة.
وتواجه مبادرة السلام معارضة إسرائيلية من الائتلاف المعارض لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقيادات في حزبه الليكود عبر التحذير المتبادل من القبول بأي خطة سلام تسمح بقيام دولة فلسطينية. ويرفض الفلسطينيون أي مبادرة للسلام لا تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
ومنذ إعلان ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، تضاءل تأثير الدور الأميركي في مجمل عملية السلام مع رفض فلسطيني لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل بشكل مباشر أو عبر الوسيط الأميركي.
ومن المستبعد أن يقبل القادة العرب بخطة سلام تضعها واشنطن دون إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وضمان حقوق اللاجئين بالعودة وإزالة المستوطنات.
ما لم تعلن الولايات المتحدة عن الجانب السياسي من مبادرتها للسلام في الشرق الأوسط، فإن حظوظ إحراز تقدم في الجانب الاقتصادي منها لا تبدو واقعية، إذ يجد العرب أنفسهم أمام فهم كامل المبادرة قبل تقديم الدعم الاقتصادي الذي يحاول كوشنر إعطاءه الأولوية في خطة المبادرة.
إقرأ أيضاً الموضوع المنشور في عدد 2 مارس 2019: