المسؤولون القطريون يعولون على الإعلام الخارجي بعد تراجع تأثير القنوات القطرية

أصبح المسؤولون القطريون بحاجة إلى منابر أجنبية للتعبير عن مواقف الدوحة وسياساتها الخارجية، بعد أن دخل الإعلام القطري في دائرة الأزمة التي يعاني منها النظام، مع اعتماده سياسة التعبئة والحشد المباشر التي أفقدته القدرة على الوصول إلى الجمهور.
الدوحة - لم يكتف وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، بحديثين تلفزيونيين أجراهما في الإعلام القطري، الأحد، للحديث عن قمتي مكة، فخلال ساعات قليلة خرج في لقاء ثالث مطول على قناة روسيا اليوم، أفرد فيه الرسائل السياسية التي تريد الدوحة إرسالها، وإعلان موقف الدوحة المتراجع من القمة الخليجية. الأمر الذي يكشف تراجع تأثير المنصات الإعلامية القطرية إلى درجة أن وزير خارجية قطر يلجأ إلى روسيا اليوم ليقول ما يريده.
وتعتبر كثافة هذه الإطلالات الإعلامية خلال وقت قصير، لتناول الشأن ذاته، إشارة إعلامية مهمة إلى عدم تعويل السلطات القطرية على المحطات الإعلامية القطرية بما فيها الجزيرة والقنوات الممولة من قبل قطر. وتؤكد انعدام ثقة الساسة القطريين بإعلامهم وقدرته على نقل مواقف قطر والتعبير عن رؤاها، خصوصا خلال الأوقات الحساسة والأحداث المهمة والمؤثرة مثل قمتي مكة.
ويبدو اتجاه المسؤولين القطريين إلى الظهور في وسائل إعلام غير قطرية واضحا في الآونة الأخيرة، إضافة إلى اهتمام الناطق الإعلامي باسم الحكومة القطرية ووزارة الخارجية بالمؤتمرات الصحافية للقاء صحافيين من وسائل إعلام متنوعة عربية وخليجية، لكنها أيضا تعثرت ولم تحقق الهدف المطلوب بتسويق السياسة القطرية وتبريرها في المنطقة.
ومع الأزمة السياسية الحالية التي تعاني منها قطر، باتت بحاجة إلى استرجاع اهتمام كانت تمارسه من خلال منصاتها الإعلامية الكبيرة مثل الجزيرة من دون أن تبرز كثيرا في الصورة، إذ أصبحت بحاجة إلى الظهور في الضوء بعد أن كانت خلف الكواليس. واعتبر متابعون أن لجوء المسؤولين القطريين إلى وسائل إعلام غير قطرية، بمثابة اعتراف بعدم ثقتهم بإعلام بلادهم وبتأثيره على الجمهور في حال وصل إليه أصلا، رغم الميزانية الضخمة المخصصة للإمبراطورية الإعلامية التي تديرها الدوحة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عبر الدعاية السياسية الممولة.
وشحنت وسائل الإعلام القطرية كل طاقتها في الآونة الأخيرة، ضد الدول الخليجية بعد قرار مقاطعة السعودية ومصر والإمارات والبحرين لقطر في يونيو 2017، وباتت المهمة الرسمية له التعبئة لمهاجمة الخصوم وشتم الرأي الآخر، وتنظيم حملات تشهير ضد العواصم التي أعلنت المقاطعة، وحملات تحريض ضد هذا التيار أو تلك الجهة.
ويقول مراقبون إن هذه الاستراتيجية التعبوية مخصصة للداخل القطري وإقناع الرأي العام المحلي، بعد عقود استباحت فيها قطر عبر إعلامها الميادين العربية كافة، مرتكبة تجاوزات خبيثة ضد المنظومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية داخل البلدان المستهدفة.
وأضافوا أن الإعلام القطري بات أسير النهج الذي وضع نفسه داخله، بحيث أصبح غير قادر على التخلي عن النهج التعبوي الشعبوي المباشر، وبات عاجزا عن تقديم منتج موضوعي، ولو بالشكل، لإضفاء حد أدنى من المصداقية التي بإمكانها إقناع الجمهور المتلقي بصلاحية الرسالة الإعلامية ومنطقيتها. وإذا كانت استراتيجية التعبئة في الإعلام القطري قد حققت أهدافها خلال الفترة السابقة في ظل الفوضى والتوتر والحروب في المنطقة، إلا أنها غير صالحة اليوم مع ما تعانيه قطر من عزلة.
ويؤكد مختصون أن مسؤولية الإعلام ومهامه تختلفان بين الحرب والسلم أو الأزمات، لكن القيّمين على الإعلام القطري لم يدركوا هذه الحقيقة بشكل جيد، إذ كانت المهمة أسهل خلال العقود الأخيرة في استخدام أنماط ذكية تتحلى بحد مقبول من المهنية لإخفاء ما تكتنفه رسائل الإعلام القطري من أغراض ملتبسة، إلا أن الأزمة السياسية القطرية الراهنة كشفت عدم قدرة هذا الإعلام على تبني نهج عقلاني ذكي لاحتواء الأزمة وصناعة التأثير المطلوب على الجمهور.
وأدى سقوط الإعلام القطري داخل حلقة الدفاع المباشر عن سياسة الدوحة وخياراتها، إلى تعرية منابر قطر الإعلامية، وكشف أهدافها وانتهاجها سبل الفتنة والتحريض لتفتيت السلم الأهلي داخل عدة دول عربية.
ويجني السياسيون ما زرعوه في إعلامهم، ويدفع النظام القطري ثمن النهج التعبوي الذي تسلكه منابره الإعلامية. وحرم نفسه من منابر ذات مصداقية تمكنه من تلميع صورته والدفاع عن خياراته في السياسة الخارجية، وللمفارقة بات الصوت القطري يحتاج إلى منابر إعلامية بديلة للوصول إلى الرأي العام.
واتخذ المسؤولون القطريون الخيار الأسهل بالتوجه إلى وسائل إعلام غير قطرية، بينما يشكك محللون في إمكانية أن تنجح قطر في تمرير رسائلها السياسية بشكل لافت من خلال المنابر الأجنبية بعد فشلها في التعبير عن ذلك من خلال الإعلام القطري.
ويرى هؤلاء أن سقوط الإعلام القطري جعل من أي موقف قطري يعلن عنه من خلال منابر غير قطرية أمرا ملتبسا لا ثقه به وبمضمونه. ويدافع بعض المتخصصين بالشأن الإعلامي عن مهنة الإعلام ومهام الإعلاميين. ويرى هؤلاء أن مسؤولية فشل الإعلام القطري لا تقع على عاتق وسائل الإعلام بحد ذاتها، بل تقع على عاتق النظام السياسي القطري الذي لم يعد يستطيع أن يواري أجنداته الحقيقية على منوال ما نجح فيه قبل عقود.
ونوه هؤلاء بأنه صار من النادر الإشارة إلى القنوات التي تملكها قطر لأن كثرة الصراخ فيها صارت تحول دون إسماع المواقف القطرية.
ويستغرب مراقبون للشؤون الخليجية انهيار منظومة الإعلام القطري في السنوات الأخيرة وانكشاف أجنداته الخبيثة، علما أنه كان من الممكن أن يحافظ هذا الإعلام على نهج “التقية” الذي كان يدعيه، وأن يبقي أبواب الجدل مفتوحة أمام كافة منابر الرأي والسياسة في العالم العربي.
وقد اعتمد الإعلام القطري على الشعار الذي رفعته قناة الجزيرة حول تقديمها “الرأي والرأي الآخر”، بما أوحى للرأي العام بأن رسائل الإعلام القطري حرفية موضوعية محايدة، لكن اتضح أن هذا الشعار ليس أكثر من مسرحية هزلية مع تعمدها اختيار الصوت الآخر هزيلا ضعيفا بلا حجة أو دليل.
ومنذ اندلاع “الربيع العربي” عام 2011، تخيلت قطر أنها باتت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق مراميها في الهيمنة على قرار العرب من خلال أذرعها داخل تيارات الإسلام السياسي، فتحولت إلى ناطق باسمه واستخدمت جميع أساليب التضليل لخدمته.
والظاهر أن معركة قطر الإسلاموية كانت معركة حياة أو موت إلى درجة أنها اضطرت إلى إنزال وسائل الإعلام القطرية مباشرة إلى ساحة المعركة، بحيث لم تعد قناة الجزيرة وأخواتها تخفي انخراطها المباشر والفج داخل معارك قطر ضد تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن والسودان، ولم يعد مذيعو الجزيرة كما كتاب الأعمدة في الصحف القطرية يخفون تبرمهم من أي رأي آخر لطالما تفاخروا بأنهم يؤمِّنون دوما بيئة حاضنة له.