المزيد من التضييق على مواقع التواصل السورية بعنوان "التصدي للمضامين الهابطة"

تفسير فضفاض يجعل القانون سيفا مسلطا على رقاب المنتقدين.
الثلاثاء 2024/08/20
لا خروج عن الخط

توعدت السلطات السورية بمتابعة ومحاسبة المنصات الرقمية التي تنشر محتوى “ينتهك حرمة الآداب العامة ويسيء إلى قيم المجتمع السوري وثوابته الوطنية والأخلاقية”، لتضاف هذه المحظورات إلى مجموعة من القوانين ذات المضامين الفضفاضة لملاحقة الصحافيين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.

دمشق - حذّرت وزارة الإعلام السورية المنصات الرقمية غير المرخصة من نشر مضامين تسيء إلى “الثوابت الوطنية والأخلاقية”، مؤكدة على اتخاذ الإجراءات القانونية بحقها، في خطوة جديدة من الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي تسمح بملاحقة الناشطين والتضييق عليهم.

وكشف بيان للوزارة عزمها على متابعة ومحاسبة منصات رقمية تنشر محتوى قالت إنه ينتهك حرمة الآداب العامة، وذلك “انطلاقاً من مسؤوليتها في التصدي لما يُنشر عبر العديد من المنصات الرقمية غير المرخصة، من مضامين هابطة تنتهك حرمة الآداب العامة، وتسيء إلى قيم المجتمع السوري وثوابته الوطنية والأخلاقية”.

وأكد البيان أن “وزارة الإعلام تعمل بالشراكة مع كل من وزارتي الداخلية والعدل على متابعة تلك المنصات غير المرخصة ومشغليها، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم”.

وفي مايو الماضي أصدر الرئيس بشار الأسد القانون رقم 19، القاضي بإحداث وزارة إعلام جديدة بدلاً من الوزارة التي تم تأسيسها عام 1961، بهدف “تمكين وزارة الإعلام من مواكبة التطورات الحاصلة في الأنظمة والأدوات الإعلامية والإدارية حول العالم، وتفعيل دورها بشكل أمثل خاصة في ظل ما يشهده القطاع الإعلامي من توسّع وتطور كبير ومتسارع”.

وذكر القرار أن من مهام الوزارة “وضع الأسس والضوابط الكفيلة بتنظيم قطاع الإعلام، وفقاً للسياسة العامة للدولة، والتعاون والمشاركة مع القطاعين العام والخاص للاستثمار في قطاع الإعلام والإنتاج الدرامي والأفلام الوثائقية وفق القوانين والأنظمة النافذة”.

وزارة الإعلام تعمل مع وزارتي الداخلية والعدل على متابعة المنصات غير المرخصة، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقها

وتفرض الحكومة السورية العديد من القيود الأمنية والسياسية على العمل الإعلامي الذي يقتصر في مناطق سيطرتها على وسائل الإعلام الرسمية أو شبه الرسمية، لكن القانون الجديد لم يحدد مفهوم “المضامين الهابطة” الذي تحذر منه منظمات حقوقية.

وزاد قانون إحداث وزارة إعلام جديدة القلق والخوف في أوساط الإعلاميين والصحافيين، وفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات والتكهنات حول مصيرهم، وخاصة بعد اتساع موجة تسريبات تفيد بتعديلات على مواد سبق أن تم الاتفاق عليها وإلغاء مواد أخرى.

ووجه إعلاميون وصحافيون انتقادات طالت مشروع القانون المثير للجدل، احتجاجاً على ما وصفوه بـ”التغييب المتعمّد” لرأيهم وقرارهم في مواد وفقرات يرفضون وجودها ضمن هذا القانون في حال تمت مشاركتهم في صياغتها.

وسبق أن أكدت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن القانون الذي أصدره بشار الأسد “ما هو إلا وسيلة جديدة للتحكم بعمل الصحافيين، والسيطرة على المحتوى الإعلامي، وممارسة مزيد من الرقابة على الصحافة الخاصة والمطبوعات التي تدخل إلى البلاد، فضلاً عن فرض مزيد من التضييقات على صناعة الدراما”.

وفي تقرير لها قالت الشبكة إن “القانون رقم 19 انضم إلى ترسانة من المراسيم والقوانين التي تُمكِّن النظام السوري من الهيمنة على مختلف جوانب وقطاعات العمل الإعلامي، وتشدِّد الرقابة وتكمّم الأفواه لإحكام القبضة الأمنية بقوة القانون، بمخالفة فجة للقانون الدولي لحقوق الإنسان”.

الحكومة تفرض العديد من القيود الأمنية والسياسية على العمل الإعلامي الذي يقتصر في مناطق سيطرتها على وسائل الإعلام الرسمية أو شبه الرسمية

وشددت الشبكة على أن المواد الواردة في القانون تتعارض بشكل واضح مع القوانين الدولية والمحلية، وتتعارض مع دستور 2012، موضحة أن القانون “ما هو إلا تكريس لسياسة النظام في تقييد حرية الرأي والتعبير، وإحكام قبضته على وسائل الإعلام في محاولة منه لمصادرة واحتكار المعلومات، وممارسة التضليل والتشويه بما يخدم مصالحه مهما كانت تتناقض مع مصالح الدولة والشعب السوري”.

وتتواتر المراسيم والقوانين التي تتعلق بالعمل الإعلامي والرقابة على الشبكات الاجتماعية والمواقع الإلكترونية في سوريا، ففي عام 2022 صدر القانون رقم 20 تحت مسمى “قانون الجريمة المعلوماتية” وجاء بتعديلات جذرية، حيث فصّل العقوبات والغرامات المفروضة على جرائم مقدمي الخدمات على شبكة الإنترنت ويتضمن تشديد العقوبة في حال كان الجرم واقعاً على جهة عامة، إضافة إلى تشديد العقوبات على بعض الجرائم التي زاد انتشارها وارتكابها من خلال الوسائل الإلكترونية كالذم والقدح الإلكتروني وجرائم المساس بالحشمة أو الحياء وجرائم المخدرات والمؤثرات العقلية.

وشدد العقوبة الجزائية على كافة الجرائم فأصبحت عقوبة الحبس تتراوح بين شهر وخمس عشرة سنة ورفع قيمة الغرامات المالية فأصبحت تتراوح بين مئة ألف ليرة وخمسة وعشرين مليون ليرة سورية، كما تمت إضافة مواد قانونية لم تكن مذكورة في القانون السابق.

ويؤكد أخصائيون قانونيون أن الطامة الكبرى في القانون أنه جاء مطاطا في عباراته فلم يقيد المشرع السوري الملاحقة القضائية بتصرفات محددة لماهية المنشورات التي من شأنها النيل من هيبة الدولة أو المساس بالوحدة الوطنية، أو عبارة زعزعة الثقة في أوراق النقد الوطنية أو عبارة تغيير الدستور بطرق غير مشروعة أو سلخ جزء من الأرض السورية، لذلك ترك الباب مفتوحا للأجهزة الأمنية لتفسير النص على إطلاقه لملاحقة منتقدي النظام وتكميم الأفواه، فهو لم يفصل أبدا بين الحريات العامة وحق الرأي والنشر.

قانون إحداث وزارة إعلام جديدة زاد القلق والخوف في أوساط الإعلاميين والصحافيين، وفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات والتكهنات حول مصيرهم

وجاءت مواد القانون عامة بقوالب جاهزة تصلح لتلفيق التهم لأي شخص منتقد أو معارض، ويعد القانون وسيلة السلطة لاعتقال الأصوات المنتقدة والمعارضة لها على وسائل التواصل الاجتماعي. فهو يبيح لأي سلطة أو جهة أمنية أو قضائية حق الاعتقال والحبس.

وجاءت المادة (40) تحريك الدعوى العامة من القانون، وأعطت للنيابة العامة سلطتها التقديرية في إقامة دعوى الحق العام لذلك يعود الحق إلى النيابة العامة بتحريك الدعوى في كل من الأجرام المنصوص عليها في المواد 27 – 28 – 29 من قانون الجرائم الإلكترونية، ما يجعل هذه المواد بتفسيرها الفضفاض أداة لتلفیق تھم معدة بقالب مسبق یناسب كل المعارضین والمنتقدین ويجعل هذا القانون سيفا مسلطا على رقاب السوريين يمنعهم من الانتقاد ويصادر حرياتهم الشخصية التي كفلها الدستور ومعايير حقوق الإنسان والدستور السوري ولا يطابق أدنى المعايير القانونية لقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية المعتمدة في معظم دول العالم.

وكان موسى عبدالنور رئيس اتحاد الصحافيين السوريين قد كشف عن تعديلات طالت بعض مواد مشروع قانون الإعلام الجديد وإلغاء أخرى، مشيراً إلى عدم معرفته بأسباب إجراء تلك التغييرات والجهة التي أقرّتها.

وأفاد عبدالنور في تصريحات لموقع محلي بأن “المشروع لا يلبي الطموح على الإطلاق، وفيه تراجع كبير في ما يتعلق بالبيئة التشريعية لممارسة مهنة الإعلام في سوريا”.

وعن أهم التغيّرات قال عبدالنور إن المشروع الذي تم الاتفاق عليه سابقاً كان يتضمّن عبارة “الإعلام بوسائله كافة مستقل يؤدي رسالته بحريّة. إلا أن المشروع الحالي حذف بالصياغة كلمة ‘مستقل’، لتصبح العبارة: يؤدي الإعلام بوسائله كافة رسالته بحريّة”، مشيراً إلى أن كلمة “مستقل” المحذوفة “تعبر عن توافق القانون مع المعايير المتعارف عليها دوليّا فيما يتعلق بممارسة العمل الإعلامي”.

5