المزاح والدعابة ضروريان للتفاعل والتطور الاجتماعي لدى الأطفال

القدرة على مداعبة الآخرين تبدأ لدى الإنسان في سن الثمانية أشهر.
الثلاثاء 2024/03/12
الأطفال يمكنهم التمييز بين الاستجابتين الإيجابية والسلبية لدى الغير

سان فرانسيسكو ( الولايات المتحدة ) - منذ نعومة أظافره يعرف الإنسان كيف يمزح ويداعب الآخرين حتى قبل أن ينطق أول كلماته. وتنطوي هذه النوعية من السلوكيات على أهمية كبيرة بالنسبة إلى التفاعل والتطور الاجتماعي لدى البشر، فالطفل الرضيع يتكون لديه قدر كاف من الذكاء الاجتماعي يتيح له أن يفهم رد فعل الغير حيال السلوكيات التي يقوم بها، عندما يأتي بعمل يخالف توقعات الآخرين، وهو الأساس الذي تقوم عليه فكرة المزاح في المقام الأول.

وخلصت دراسة علمية نشرتها الدورية العلمية “وقائع الجمعية الملكية للعلوم البيولوجية” مؤخرا إلى أن القدرة على مداعبة الآخرين تبدأ لدى الإنسان في سن الثمانية أشهر.

وتقول الباحثة إيزابيل لاومر المتخصصة في مجال الرئيسيات والسلوكيات الإدراكية بجامعة كاليفورنيا ومعهد ماكس بلانك لسلوكيات الحيوان في بيان أورده الموقع الإلكتروني “بوبيولار ساينس” المتخصص في الأبحاث العلمية إن “القردة العليا هي مرشح مثالي للمداعبة والمزاح، وهي شبيهة بالإنسان عندما يتعلق الأمر بالانخراط في اللعب الاجتماعي، حيث يمكنها أن تضحك، وأن تبدي مؤشرات على فهم ردود فعل الآخرين في إطار مثل هذه التفاعلات الاجتماعية المرحة”.

وذكرت الدراسة أنه بالرغم من أن المداعبة لدى الأطفال الرضع ليست بالطبع في نفس درجة تطور النكات اللفظية وفنون المزاح لدى البالغين، فإنها تستند تقريبا إلى نفس القواعد السلوكية والإدراكية بشكل عام. وتوضح أن الأطفال في سن الـ12 شهرا يقومون بثلاثة أنواع من السلوكيات بغرض مداعبة الآخرين وجذب انتباههم، وهي كالتالي: أولا عرض الأشياء على الغير ثم اجتذابها منهم بشكل مفاجئ، ثانيا القيام بسلوكيات استفزازية غير منصاعة، مثل الإقدام على ارتكاب عمل غير مقبول أو رفض الإتيان بالسلوك المتوقع، وأخيرا القيام بسلوكيات مزعجة للغير مثل محاولة انتزاع الأشياء من الآخرين أثناء استخدامها.

الأطفال يمكنهم التمييز بين الاستجابتين الإيجابية والسلبية، وعادة ما يكفّون عن السلوكيات التي لا تلقى استحسان الآخر

ووجد الباحثون أن الأطفال عادة ما يأتون بهذه السلوكيات بشكل متكرر مع التطلع والنظر إلى الأب أو الأم ثم الابتسام في انتظار رد الفعل الانفعالي من الطرف الآخر. ولاحظوا أيضا أن الأطفال يمكنهم التمييز بين الاستجابتين الإيجابية والسلبية لدى الغير، وأنهم عادة ما يكفّون عن السلوكيات التي لا تلقى استحسان الآخر في المحيط الاجتماعي. ويرى الباحثون أن الأطفال يقدمون على هذه السلوكيات في أوقات الحياد الانفعالي أو الشعور بالملل، وأن الغرض منها في الأساس هو اجتذاب الغير لمداعبتهم أو استكشاف الحدود الاجتماعية للسلوكيات.

وفي إطار الدراسة قام الفريق البحثي من الولايات المتحدة وألمانيا بتسجيل الأنماط السلوكية لمجموعة من القردة العليا تضم تسعة من قردة البابون وأربعة من قردة إنسان الغاب وأربع غوريلات في حديقة حيوان سان دييغو الأميركية، بالإضافة إلى 17 شامبنزي في حديقة حيوان لايبزيغ في ألمانيا. وكانت دراسة القرود تتم أثناء وضعها في بيئات غنية داخل أقفاص مغلقة وأماكن مفتوحة في الهواء الطلق، وكان يتم إطعامها عدة مرات في اليوم، مع تصويرها بالفيديو لأوقات مطولة وصلت إلى 75 ساعة تسجيل خلال الفترة ما بين 2016 و2019. وتضمنت هذه المقاطع مشاهد لتفاعلات اجتماعية عفوية في شكل معاكسات وتحرش واستفزازات سلوكية، كما تم استبعاد المقاطع التي تحتوي على سلوكيات عدوانية غير مبررة.

وتبين من الدراسة أن القردة التي خضعت للتجربة تنخرط في سلوكيات اجتماعية قائمة على المداعبة والمعاكسات، وأن الفصائل الأربعة تقوم بسلوكيات استفزازية متعمدة عادة ما تكون مصحوبة بسمات اللعب، وتم رصد 18 نمطا سلوكيا مختلفا للمداعبة مثل جذب الشعر والوخز بالأصابع وإخفاء الأشياء عن الغير، وأن معظم هذه السلوكيات كانت تستهدف لفت الانتباه أو اجتذاب رد فعل من الطرف الآخر. واتضح أيضا أن القرود لديها أسلوب فهم مركب نسبيا لتوقعات الآخرين، وهو كما أسلفنا المعيار الأساسي للمداعبة الاجتماعية، وعلاوة على ذلك تعتمد على نفس الأساليب الثالثة التي ينتهجها الأطفال البشر في جذب انتباه البالغين ومداعبتهم.

15